يعد التقييم الموضوعي لأداء الأستاذ الجامعي عاملاً أساسياً ومهماً في تحسين وتطوير جودة أدائه والارتقاء بالأداء والخدمات التعليمية والأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي, لكنني شخصياً والعديد من زملائي من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية اليمنية نعاني من أساليب وإجراءات التقييم الحالية لأدائنا الأكاديمي في جامعاتنا وكلياتنا وأقسامنا العلمية. والتي تفتقر من وجهة نظري في معظم الأحيان للموضوعية والعدالة والدقة سواء في المعايير أو طريقة التقييم, أومن يقوم وينفذ ويشرف على عملية التقييم من قيادات الجامعة. فمعايير التقييم المكتوبة - إن وجدت - معظمها تقليدي لا يواكب تطورات العصر في الجانب الأكاديمي ولا يعتد بها في كثير من الأحيان وهناك معايير للتقييم غير مكتوبة وغير علمية ولا تتصل بالجانب الأكاديمي من قريب أو من بعيد لكنها للأسف الشديد هي التي يعتد بها ويأخذ بها الكثير من قياداتنا الجامعية في تقييمهم لأساتذة الجامعة والعاملين فيها. هذه المعايير منها ما يستند إلى الاعتبارات الشخصية كالصداقة والشلة الواحدة أو اعتبارات سياسية كالانتماء السياسي و الحزبي أو اعتبارات مناطقية أو قبلية وعصبية وعائلية وقد تدخل فيها اعتبارات ومعايير أخرى ترتبط بالمواقف الشخصية والنزاعات والحسد والغيرة والتنافس والتأييد للبقاء في أو الوصول إلى مراكز قيادية أو سياسية في الجامعة أو خارجها..الخ. ويرتبط بمعايير التقييم طريقة وإجراءات التقييم وكفاءة ونزاهة من يقوم بعملية التقييم فما زالت طريقة وإجراءات التقييم الحالية تقليدية وبيروقراطية تعتمد على التقارير المكتوبة والمذكرات المرفوعة من القيادات الإدارية والأكاديمية على مستوى الأقسام والكليات حسب التسلسل الإداري. وتعزز هذه الطريقة تطبيق معايير التقييم غير الأكاديمية التي أشرنا إليها. لأنها تعتمد على آراء وكفاءة ونزاهة من يقوم بإعداد هذه التقارير والمذكرات من القيادات الإدارية والأكاديمية الدنيا والوسطى والعليا في الجامعات. فإذا كان رئيس القسم أو عميد الكلية أو نائبه على سبيل المثال مختلفاً معك شخصياً كعضو هيئة تدريس بالقسم والكلية لأي سبب كان, فكيف تتوقع منه تقييماً منصفاً وعادلاً لأدائك الأكاديمي حتى في ظل إدراكه ومعرفته لمحدودية أو انعدام الوسائل والإمكانات المتاحة لك. وخصوصاً إذا كان هذا الشخص المسئول لا تحكمه أخلاقيات العمل الأكاديمي !! ووصل إلى منصبه الإداري والأكاديمي بطريقته الخاصة أو ببركة دعاء الوالدين !! هذا إذا لم يسعى جاهداً إلى نشر معلومات ورفع تقارير مغلوطة ومذكرات كيدية للإضرار بك وتشويه سمعتك لدى القيادات العليا بالجامعة. وهذا للأسف الشديد ما يدور ويحصل في العديد من كلياتنا وجامعاتنا الحكومية. ولهذا فإنه في ظل هذه المعايير غير الأكاديمية والطريقة التقليدية الحالية في التقييم فإنه مهما كانت خبرتك العلمية والأكاديمية وجودة أدائك لمهامك التدريسية والبحثية والإدارية ومهما كان التزامك في أداء واجباتك الأكاديمية ومهما كان رضا طلابك عنك وتقديرهم لأدائك وعطائك العلمي والأكاديمي كأستاذ جامعي, فإنك قد تظل في عداد المجهولين وزاوية المهمشين !! وقد يفوتك قطار الترقية والتقدير لعطائك وأدائك الأكاديمي. ويعتري حياتك الأكاديمية العديد من الصعوبات والمعوقات, والنسيان والتجاهل من قيادات جامعاتك إذا كانوا يفضلون ويعتمدون ويقدسون مثل هذه الطرق والمعايير العتيقة في تقييم جودة أدائك و نزاهتك وعطائك العلمي والأكاديمي, وإذا ما كنت شخصياً غير قادر على ممارسة فنون التطبيل والنفاق والمجاملة لرؤسائك وحضور مجالسهم ومقايلهم الخاصة لهذا الغرض. فكم من أستاذ جامعي متميز ونشيط علمياً وأكاديمياً وكفوءاً في أدائه الأكاديمي ظلمته معايير وطرق التقييم التقليدية وتجاهلته قيادات كليته وجامعته ولم تعطه حقه من الدعم والرعاية والتشجيع والاهتمام حتى يستفيد طلابه وتستفيد كليته وجامعته ويستفيد مجتمعه ووطنه من تميزه وجودة أدائه وعطائه العلمي والأكاديمي. وكم من أستاذ جامعي لا يمتلك أدنى مقومات الأستاذ الجامعي إلا اللقب في شهادة الدكتوراه دون رصيد معرفي وخلفية علمية وأكاديمية كافية ولا يمتلك القدرة والكفاءة في الأداء الأكاديمي وربما لا نجده في كليته سوى يوم أو يومين على الأكثر في الشهر, لكن توافر المعايير غير الأكاديمية فيه وطريقة التقييم التقليدية لأدائه بالإضافة إلى قدراته ومهارته الخاصة في المجاملة والتطبيل والتعامل الشخصي مع قياداته بالكلية والجامعة, خدمته جيداً وربما أوصلته إلى أعلى المراكز والمستويات القيادية والأكاديمية بالجامعة. إن الطريقة الوحيدة والفعالة في تقييم أداء الأستاذ الجامعي والحكم على جودته والمعمول بها في معظم الجامعات العالمية والعربية الرائدة - والغائبة تماماً في جامعاتنا - تعتمد أولاً على معايير علمية وأكاديمية شاملة ودقيقة وحديثه لمختلف الجوانب المتصلة بالأداء الأكاديمي والخدمات التعليمية والبحثية. وتستند هذه المعايير إلى أسس الجودة ومعايير الاعتماد الأكاديمي المطبقة عالمياً وإقليمياً ومحلياً. وتقوم بتطبيق وتنفيذ عملية التقييم وفق هذه المعايير والأسس فرق عمل متميزة ومتخصصة ونزيهة تعمل بشكل جماعي ضمن وحدات مختصة بالجودة والاعتماد الأكاديمي في الكليات والجامعات, وتعتمد هذه الفرق والوحدات في التقييم لجودة الخدمة التعليمية وأداء الأستاذ الجامعي على آراء ومواقف واتجاهات الطلاب بشكل أساسي باعتبارهم المتلقين للخدمة التعليمية والمستفيدين منها والمتعاملين بشكل مباشر مع الأساتذة يومياً, و بالتالي فهم أكثر أهمية وموضوعية ودقة في التقييم والحكم على جودة الأداء الأكاديمي للأستاذ الجامعي كونهم يتلقون خدماته التعليمية مباشرة في قاعات المحاضرات ومن خلال كتبه وأبحاثه وأفكاره العلمية والأكاديمية. كما تعتمد هذه الطريقة في التقييم على أساليب وإجراءات علمية وإحصائية وتحليلية تضمن فاعليتها وحياديتها وموضوعية ودقة نتائجها إلى حد كبير. وبالتالي فإن القيادات الإدارية العليا بالجامعة يمكنها الاعتماد على نتائج المسوحات والتقارير الصادرة عن وحدات الجودة والتطوير الأكاديمي فيها لتقييم أداء أساتذة الجامعة بموضوعية والعمل على معالجه نقاط الضعف وتطوير وتحسين مستوى الأداء للأستاذ الجامعي وجودة البرامج والخدمات التعليمية والأكاديمية بالجامعات. ورغم وجود دوائر ووحدات للجودة والتطوير الأكاديمي في معظم جامعاتنا الحكومية إلا إن مهام هذه الدوائر والوحدات لا يزال بمعزل عن الجانب المتعلق بتقييم جودة الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات, فهل آن الأوان لإعادة النظر في هذا الجانب من قبل قيادات الجامعات والمختصين بوزارة التعليم العالي ومجلس الاعتماد الأكاديمي لنشهد نقلة نوعية وتحسناً ملحوظاً في جودة الأداء الأكاديمي لأساتذة الجامعة ؟ نأمل ذلك والله من وراء القصد... (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]