عصيان مدني في حضرموت يطالب برحيل المحتلين وادواتهم    حكومة التغيير والبناء.. خطط طموحة لتحقيق الاستقرار وتخفيف المعاناة الإنسانية    الاتحاد الدولي للمواي تاي يفرض عقوبة على "إسرائيل" بعد إعدامها لاعب فلسطيني    المقالح: الإخوان يحكمون صنعاء حتى وهم خصومها    تحسّن كبير لقيمة الريال اليمني في عدن واستقرار في صنعاء    خبير في الطقس: موجة أمطار قادمة من الشرق نحو غرب اليمن    استشهاد 22 فلسطيني برصاص وقصف الاحتلال أنحاء متفرقة من قطاع غز    قيادي حوثي يسجن والده في إب بسبب خلاف على منزل    أمواج البحر تجرف سبعة شبان أثناء السباحة في عدن    سون يعلن الرحيل عن توتنهام    وفاة وإصابة 470 مواطنا جراء حوادث سير متفرقة خلال يوليو المنصرم    أمن العاصمة عدن: جاهزون لدعم جهود ضبط الأسعار    تسجيل هزات أرضية من البحر الأحمر    محمد العولقي... النبيل الأخير في زمن السقوط    ماريت تفاجئ مولي.. وكيت تنتزع ذهبية 200    طفل هندي في الثانية من عمره يعض كوبرا حتى الموت ... ويُبصر العالم بحالة نادرة    بتهمة الاغتصاب.. حكيمي أمام المحكمة الجنائية    لابورتا: برشلونة منفتح على «دورية أمريكا»    حماس: ندعو لجعل الأحد يوما عالميا لنصرة غزة    وفاة امرأة وأضرار مادية جراء انهيارات صخرية بذمار    "يأكلون مما نأكل".. القسام تبث مشاهد أسير إسرائيلي بجسد هزيل    اليوم بدء حملة الضبط الميداني للدراجات النارية المخالفة    بيان حلف قبائل حضرموت.. تهديد جديد مستفز صادر من حبريش    الخلفية السياسية في التحسن القياسي لسعر الريال اليمني بالمناطق المحررة.    الجنوب هو الحل    هل فقدنا العزم برحيل أبو اليمامة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    تقرير حكومي يكشف عن فساد وتجاوزات مدير التعليم الفني بتعز "الحوبان"    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    وعاد الجوع… وعاد الزمان… وضاع الوطن    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    مأرب.. مسؤول أمني رفيع يختطف تاجراً يمنياً ويخفيه في زنزانة لسنوات بعد نزاع على أموال مشبوهة    ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين ردًا على روسيا    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    تنفيذية انتقالي عدن توجّه بحملات ميدانية لضبط أسعار السلع الأساسية    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    الطليعة يفوز على الصحة بثلاثية نظيفة في بطولة بيسان    عدن.. غرق 7 شباب في ساحل جولدمور بالتواهي    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    عدن.. شركة النفط تعتمد تسعيرة جديدة للوقود تزامناً مع استمرار تحسن الريال    استقبال رسمي وشعبي وقبلي للشيخ محمد الزايدي بصنعاء    ترامب يفرض رسوما جمركية على عشرات الدول لإعادة تشكيل التجارة العالمية    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    صنعاء.. حكم عسكري بإعدام النجل الاكبر للرئيس السابق صالح ومصادرة ممتلكاته    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    الأمور مش طيبة    وداعاً زياد الرحباني    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    تحذير طبي: وضع الثلج على الرقبة في الحر قد يكون قاتلاً    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    تسجيل صهاريج عدن في قائمة التراث العربي    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    المحرّمي يبحث مع وزير الأوقاف تعزيز نشر الوسطية ومواجهة الفكر المتطرف    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع شيركو بيكه س فوق ذرى كردستان
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 08 - 2012

منذ ديوانه الأول "ضياء القصائد" وصدور مجموعته الأخيرة "الكرسي"، بدا الشاعر الكردي شيركو بيكه س المعبرَ الأمثل عن الروح الكردية المشرعة منذ قرون على الألم والمكابدة وتصدّع الهوية . ذلك أن الشاعر اختار منذ بداياته أن يرهف سمعه إلى الأنين الدهري لشعبه الذي مزّقته الجغرافيا وظلمه التاريخ ووضعته المصالح الدولية على الحدود الفاصلة بين سكين الغياب ووردة الحضور، وبين الدم النازف واللغة الآسرة . ورغم أن سنوات قليلة تفصل بين بيكه س العراقي وبين سليم بركات السوري، فقد عملا، كلّ من جهته، على ردم الهوة العميقة بين واقع الكرد المثقل بالخيبات وبين أقدامهم الحافية الباحثة عن مواطئ لورودها في الآتي من الزمان . وإذا كان بركات قد اختار اللغة العربية المتينة والمحكمة والبرية ليعبر عن أحلام شعبه الكردي بلغة غير لغته، فإن صاحب "سفر الروائح" و"إناء الألوان" اختار أن ينقّب عبر لغته الأم عن شظايا ذلك التاريخ الضارب في القدم، وأن يصوغ بموهبة مرهفة وعاتية قصيدة الكرد الكبرى التي أرادها أن تكون وطناً من الاستعارات قابلاً للإقامة .
لم يترك شيركو بيكه س نأمة صغيرة أو تفصيلاً بسيطاً في جغرافيا الحضور الكردي في العالم إلا وخصّه بقصيدة أو مقطوعة أو نشيد، كأنه شعر منذ البداية أنه منذور لمهمة شاقة وغير مسبوقة تستوجب منه تأليف المكان المشظى ورتق أوصال التاريخ، وجمع دم شعبه النازف في مجرى شبيه بنهر الزاب الكبير الذي يوحّد من حوله ضفتي كردستان الشرقية والغربية ويحولهما إلى سيمفونية واحدة من الشجن والقهر والوعود . وقد جيش شيركو لمهمته كل أشكال التعبير الشعري من الملحمة حتى قصيدة اللمحة السريعة، ومن الأسطورة حتى الغناء البسيط، ومن الغرابة السوريالية حتى المشهدية السردية والحكائية . ففي قصيدته "ضابط عادي" يقول الشاعر: "عندما منحوه نجمة واحدة/كان قد قتل نجمة/وعندما صارت نجمتين/تحولت يداه إلى حبال مشانق/وعندما صارت ثلاث نجمات/ثم تاجاً/ثم رتبة أعلى/ استيقظ التاريخ في صباح ما/فوجد البلاد مملكة أرامل" .
كان من الصعب تبعاً لذلك وأنا الذي ارتبطت مع شيركو بصداقة وطيدة بدأت في أواخر تسعينات القرن الماضي، أن أزور كردستان العراق دون أن ألتقيه . ومع أن المسافة بين أربيل التي استضافت معرض الكتاب الأخير، وبين السليمانية تستغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة من الطرق الجبلية والمنعطفات الصعبة، إلا أن ذلك لم يحل دون تصميمي على مقابلة الشاعر المتميز الذي حالت ظروفه الصحية دون الحضور إلى المعرض . والحقيقة أن الشعراء الرقيقين وحدهم هم الذين يدفعوننا إلى قراءة قصائدهم فحسب، بل إلى الوقوف على أماكن عيشهم ومسرح طفولاتهم والينابيع الأولية التي غذت مواهبهم الخلاقة ولغاتهم الملفوحة بالأعاصير . ومنذ قرأت شيركو مترجماً إلى العربية شعرت، رغم الخسائر الناجمة عن الترجمة، بأنني إزاء قامة شاهقة تمثل في الشعر الكردي ما يمثله نيرودا بالنسبة إلى التشيلي ولوركا بالنسبة إلى إسبانيا وناظم حكمت بالنسبة إلى تركيا، ومحمود درويش بالنسبة إلى فلسطين والعرب .
كان من الضروري أن اقطع تضاريس كردستان الوعرة وجبالها السيفية الغاضبة ووديانها المثلومة بالأسى، لأقف على حافة صاحب "الكرسي" ومخيلته الغنية بالألوان والرؤى والصور المحسوسة والأصوات وتحولات الطبيعة في تنوعها المشهدي . وحين وصلت في نهاية الرحلة الممتعة والشاقة إلى مبنى سردم الذي اتخذ فيه شيركو مكتباً له، شعرت بأن في ذلك اللقاء العابق بالحرارة والود ما يستحق العناء، وبأن تعب الرحلة الطويلة هو الثمن الذي لابد من دفعه لكي نربح الحضور الآسر والمفرح للبشر الذين نحبهم . لم يكن شيركو بالوَهَن الذي وشى به صوته حين كلمته على الهاتف، بل بدا الشاعر السبعيني على قدر غير قليل من الحيوية والصلابة . ورغم أن وجهه الوردي لم يكن خالياً من التغضنات والتجاعيد، فإن تقاسيمه المجهدة والواثقة بدت التجسيد الرمزي المصغّر لجغرافيا بلاده المثلومة بالأخاديد .
في الجلسة الحميمة تلك تجاذبت أنا وشيركو والصديق الذي رافقني في الرحلة فاروق حجي، أطرافاً لأحاديث شتى في الثقافة والسياسة والربيع العربي الذي أظهر الشاعر مرارة واضحة لمآلاته الأخيرة، رغم إيمانه به وتفاؤله بوعوده البعيدة، وحين صافحته مودعاً لأعود إلى أربيل شعرت بأن الساعة التي قضيناها معاً مرت كبرهة خاطفة، ومنتزعة سعادتها من كتاب الشرق المثقل بالأوجاع، ومن قصيدة حزينة لشيركو نفسه يقول فيها: "آه أيها الوطن/ يا أرملة الشرق الأوسط التعيسة/ ذات العينين الخضراوين/ لقد تزوجتِ الفصول كلها/تزوجتِ الأصوات كلها/تزوجتِ الروائح كلها/ولكنها خانتك جميعاً وطردتك" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.