الرّيحُ معماريّةُ الهذيانِ، أمشاطُ عذراواتِ غابات البدايةِ، ربّما، تنهيدةُ النهرين في حُمّى احتكاكِ البحر بالشرفاتِ، فرشاةٌ لأسنانِ الطبيعةِ، رقصةُ الدفلى على إيقاع صوت الذئْبِ في الوديان، جيشٌ من مقصّات الغمام الريحُ . . . قمصانٌ ممزّقةٌ على أسلاكِ بيتِ الروحِ، مكنسةٌ لأخطاء النّهار الفظ، ريُح اللّيل، ريحانُ التحيّرِ والتنوّر والتغيّرِ، نعلها جلدُ الصدَى . *** الرّيُح فوق الرّملِ تكتب ثمّ تمحو، الرّيحُ فوق الماء تسكرُ ثمّ تصحو، هل تكون الرّيحُ كيمياءَ الملائكة الغنائيّين في أُوبِرَا اندفاعِ الكوكب الأرضي حول الشمْسِ، هل للرّيحِ ذاكرةٌ وحُفّاظٌ ولوحُ هل يكونُ الكونُ مَعْبَدَها المُدوّرَ حولها، من حوله دورانُها الصوفي شطْحُ *** لا أحدٌ يربّي الرّيحَ في الأقفاصِ، لا أحدٌ يُهدئها بأقراصٍ، تهبّ الرّيحُ كي تتجاذبَ الأشجارُ أطرافَ الحديثِ الرّيحُ لا ترتاحُ في مقْهًى بيانوُ من هواءٍ في الهواء الدائمِ التجوالِ، لا أسنانَ يمكن أن تعض الرّيحَ، لا أصفاد في أقدامها المجنونةِ، الرّيحُ انكسارُ قناعة الفولاذِ، أعشابُ الجبال الشُم عطرُ الرّيح . عطرُ الريح مُوسيقا الرّذاذِ على التراب حُليّها الأجراسُ في شجرِ الصنوبرِ في أعالي السرْوِ ضحكتُهَا، هوادجُها السرى فستانها حقل الشعير، الريحُ غربال الفصول *** الرّيح امرأةٌ تزغردُ في تلابيب المكان، الرّيحُ أرضٌ ليس يحرثها سوى المخيالِ، لا إزميلَ ينحتُهَا سوى الحريّةِ، الفوضى نظامُ الرّيحِ، تمثالٌ للامرئيّة الأشياءِ تجري لكي تتقلّبَ الصفحات من عمر الحياةِ، عدوّةُ الضجرِ الرّياحُ، صديقةُ الشعراءِ في سفرٍ على خيْلِ المخيّلةِ، الرياح ستائرٌ لمنازلِ المعنى، كأنْ: لا تحملُ الرّيحُ الحقائبَ حين ترحلُ، لا جمارك يفحصون لها الوثائقَ في الطريق على حُدود الأرضِ، لا شرطي، لا دركي يسألها البطاقةَ، أحسدُ الرّيحَ، الهويّةُ لم تكن يومًا مِلفا فوق طاولة الرّياح الريحُ مئذنةُ الخريف، وصولجان البحرِ، تولدُ كالصلاة يتيمةَ الأبوين، مسقطُ رأسها صفرٌ، جنازتها السكينةُ إذ تموتُ الرّيحُ متّكأُ القصيدةِ، من عواطفها العواصفُ، من رؤاها السّيلُ، من أفكارها الأمطارُ، من أسرارها الثّلجُ المفاجئُ، من مراياها ملاحفُ نسوةٍ بيضاءُ في فجر القرى الصيفي، من آلات موسيقا تنفّسها . . تأوّهُ شاطئِ الأمواج بين يديْ رمالٍ من هواجسها طيورُ البرّ صافّاتٍ ويقبضنَ، الرياحُ سليقةُ الطيرانِ في ريشِ الغريزةِ، تفتحُ الرّيح الرسائلَ حين ينبثق الحنينِ من الحجارةِ، والمنازلِ والملابسِ، من صناديق الغيابِ الرّيحُ تخرج كي تفوحَ الذكرياتُ الّريحُ في الصفصاف "بِيتْهُوفَنْ" مصابٌ بالكتابةِ فوق ماء الدهشةِ، الأطفالُ نص من نصوصِ الرّيح تلعبه الكتابة فوق كيمياء الترابِ، الرّيحُ فوق بحيرة البطّ المُرابطِ في مساء السّهوِ "تشايكوفسكي" حزينٌ *** قد تنامُ . . لكي تراجعَ نفسها وحسابها الأشجارُ: كم فقدتْ من الأوراقِ، كم ربحتْ من الآفاقِ بين غُصونها، والماءُ . . يصقُلُ ماءَهُ بالماءِ في محو البحيرةِ ذاتَها بيدِ الهدوءِ ليُصبحَ المرآةَ للأشياءِ، بعد الرّيحِ يمكن أن يدقّ الصمتُ مسماراً يشد معطفه عليه، ثمّ يشرب قهوةً، يتأمّل اللاشيءَ، يمكن للّرمالِ بُعَيْدَهَا تقديمَ آخرِ لوحةٍ لفسيفساءِ نسيجِها المجروحِ، يمكنُ للبذور الانفتاحَ على هواءٍ آخرٍ ملءَ انشراح الرّوحِ في مرآى سُفوح *** أحمقٌ من يستفز الرّيحَ، من يمشي بعكس الرّيحِ مزّقه المتاهُ، مَنْ على ريحٍ تحايلَ أدّبته الرّيحُ بالخسران، لا أحدٌ يدسّ الريحَ في جيبيه إلاّ بعثرتهُ الريحُ من أورادها التلطيفُ والتنظيفُ، من أعبائها التلقيحُ والتطويح بالأوثانِ . لا أحدٌ أحبّ الريحَ إلاّ ودّعتهُ الرّاحةُ البيتيّةُ، التّرحالُ مسكنُهَا المُريحُ، . . هناكَ . . لا أحدٌ يزورُ الريحَ بل هي من تزور الرائحين إلى القبور، الريح تشهد: لا إله لها هنا في الأرض إلاّ الله، لا تحتاجُ أن تتفقّه، المعنى امّحاءُ الفِقْهِ في لغة الرّياح .