أجلست ابنها ذا التسع سنوات من عمره لتسرد عليه حكاية ولادته، كان فتىً ذكياً في عينه لمعة تشير لذلك، فقالت بعدما مررت يدها على شعره: ولدت في الثالث من آب من عام ،1961 كان الجو لاهباً وكنا في طريقنا لقضاء الصيف في المقيظ في إمارة العين، حيث كنا نلجأ من حر ورطوبة دبي، كغيرنا من العائلات الإماراتية . ظل الصبي ينصت بكلتا أذنيه، فتابعت الحكاية: "في الطريق جلسنا نستظل بشجرة ظلالها شحيحة، هناك رأيت النور، لقد اخترت الخروج للحياة تحت شجرة يا بني، تحت شجرة" . ظلت كلمات أمه عالقة في باله منذ حينها، واليوم وبعد أن سبق اسمه لقب شاعر، صار للشجرة وظلالها حكاية ينسجها بمجازه ومقارباته . في بيت العائلة الكبير - بيت جده لأمه - نشأ الشاعر إبراهيم الهاشمي، وتشرب القصيدة من عائلة تتعيش الشعر في يومها، فمنذ الجد الذي كان يشدو الشعر في "فن المالد" حيث يقرأ "البرزنجي"، إلى الخال والأم اللذين يحفظان الكثير من الشعر ويلقيانه على مسامعه . ربما بدأت حكاية القصيدة عند الهاشمي من عند الجد، فللجد حكايته الأولى، إذ كان يملك صوتاً ندياً، تطرب له الآذان وترق له القلوب، وكان ينشد "البرزنجي"، وهي مجموعة قصائد في مدح الرسول، صلى الله عليه وسلم، ينشدها القراء، بأصواتهم من دون أن ترافقهم آلات موسيقية . من ذلك الجد صارت العائلة كلها مشغولة بالقصيدة، فالخال الذي يتذكر الهاشمي كيف كان يجمع فتية العائلة وفتياتها، ليقرأ عليهم الشعر، ويقص عليهم الحكايات، والخالات اللواتي كن كلما عدن من الحج والعمرة، جئن له بالقصص الملونة التي تحكي بطولات عنترة والسيرة الهلالية، التي مازال منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً يحتفظ بها . في كنف تلك العائلة اشتد عود الهاشمي، وصار الفتى الذي يذرع الأرض ويرافق كبار العائلة في رحلات البحر والبر، ليعود في المساء منهكاً إلى أحضان أمه، حيث تقص عليه الحكايات، وتنقل له الأهازيج والأمثال التي تربت عليها . تبدت ملامح الكتابة لدى الهاشمي في مرحلة الدراسة الإعدادية، إذ التفت إليه معلم اللغة العربية حين قرأ مواضيع الإنشاء التي كان يكتبها، فزاد من العناية به، ودفع له ببعض الكتب التي زادت عنايته بالجملة ودربته على الكتابة . تواصل انشغال الهاشمي بالكتابة إلى أن نشرت له "مجلة الأزمنة العربية" مقالاً لفت الصحفيين والكتاب فيها، ودفعتهم إلى استقطاب الهاشمي وضمه إلى فريقهم، وهناك تعلم الهاشمي على أيديهم أصول كتابة الفنون الصحفية وعمل معهم وهو طالبٌ في المرحلة الثانوية . بعد سنوات من النشر في "الأزمنة العربية" عُرف اسم الهاشمي، وبدأ ينشر في الصحف الإماراتية اليومية، إلا أن الكتابة الإبداعية لديه تبدت في قصة قصيرة كتبها خلال تلك الفترة، لتنعطف مباشرة نحو الشعر . كان انعطاف الهاشمي نحو القصيدة ناجماً عن كم القصائد التي كان يحفظها، وأجواء الشعر التي تربى عليها، فكانت محاولاته الأولى كغيره من الشعراء، بدايات تدريبية، وأول قصيدة كتبها كانت بعنوان "ليلى"، عن طفلة اغتصبت وقتلت في نهاية حقبة السبعينات من القرن الماضي . منذ حينها ومع توالي القصائد صار لمفردة الهاشمي هويتها، فتجمعت القصائد عنده بما يكفي لتصدر في ديوان كامل، إلا أن رهبة الشعر ظلت تسيطر عليه وظل متخوفاً من التجربة الأولى، حتى حدث ذات يوم وجاء الشاعر المصري حسن فتح الباب إلى الإمارات والتقى الهاشمي في اتحاد الكتاب الإماراتيين، فأشار إليه إلى أنه قرأ له عدداً من القصائد الجميلة التي كان الهاشمي نشرها في إحدى الدوريات العربية . في ذاك اليوم تساءل فتح الباب عن ديوان صادر للهاشمي، إلا انه حتى تلك السنوات - أوائل التسعينات - لم يصدر له أي مجموعة، فقال له الهاشمي إن عنده مخطوط ديوان جاهز منذ منتصف الثمانينات، لكن لم يصدره . أصر فتح الباب حينها على أن يطلع على المخطوط، وشجع الهاشمي على نشره ليتجاوز مرحلة البدايات، ويتابع مشوار القصيدة، وهذا ما حدث، إذ صدر "مناخات أولى" عن اتحاد الكتّاب الإماراتيين في عام 1996 . تواصل مشوار الشعر عند الهاشمي منذ حينها، وظل منهمكاً في العمل الثقافي حتى اليوم، فترأس تحرير مجلة شؤون أدبية التي تصدر عن اتحاد الكتاب، وظل يكتب عموداً يومياً في الصحف الإماراتية، وفي عام 2011 أصدر مع عدد من الشعراء والكتّاب مجلة "قاف" التي تعنى بالشعر .