قد تتلقى لكمة كلامية، أو تهب أمام وجهك عاصفة، أو تتعرض لتسونامي مدمّر مخيف يجتاح عالمك إذا قدّمت نقداً في مكانٍ ما، فلا تتفاجأ إذا قام أحدهم ليقلب عليك الطاولة وأنت تتحدث، أو يرميك بكرسي، أو ينتظرك في الخارج ليوجّه لك هذه اللكمة الكلامية، أو ربما تتصاعد شيئاً فشيئاً لتصل إلى "لكمة تايسونية"، أو تجد شخصاً ينتظرك لأنه كان وقت قراءتك لبحثك يتصيّد ورقتك النقدية، ليعقّب عليها ويقول لك: أنت غير مؤهّل للنقد، ونقدك يسبح في كوكب آخر غير كوكبي، أنا من يفهم نتاجه الأدبي وقصيدته أكثر من غيره، وغيرها من اللكمات المؤثرة المحبطة . ربما لهذه الأسباب يتهرّب البعض من الدخول في هذا المعترك الذي تجهل عواقبه، وهذا النفق المظلم الذي لا تعرف فيه أين تضع قدمك، ولا تتجرأ حتى في إشعال عود ثقاب ترى من خلاله الطريق، والذي يتجرأ ويتصدى لهذه العملية النقدية فهو كالشخص الذي يقترب من خط جبهة الحرب، أو يدخل في معركة يتوقع أن تحيط به القذائف وراجمات الصواريخ والقنابل والبنادق، ويعيش على أزيز الرصاص الذي يقض مضجعه، ويسلبه رقاده وراحته . ليس بمستغرب أن يتهرّب البعض من الإجابة عن أسئلة تندرج تحت مسمّى النقد، ويغير الحديث إلى أشياء يرى أنها لا تسبب له حرجاً، متمثلاً بالمثل الشعبي "ابعد عن الشر وغنّي له" . إن غياب ثقافة تقبل النقد أصبح ظاهرة، لذلك لا تجد من يتخصص لممارسة مهمة النقد الشاقة، لأن الوضع "غير مشجّع"، ففي الشعر كن مستمعاً فقط، ومعقباً بإيجاب فقط، ولا تقل إلا "لا فض فوك، صح لسانك . . قصيدتك رائعة . . متكاملة ومترابطة . . الله . . الله على هذا الإبداع . . أنت شاعر جميل ورائع . . قدّمت قصائد ومعزوفات فنية أدبية مذهلة أثارت إعجاب الجمهور . . ديوانك الأخير يحتوي على عيون الشعر، هذه الأغنية أو الأنشودة من أروع ما سمعت كلمة ولحناً وصوتاً، أنت شاعر "بتكسر الدنيا بإبداعك" . . إلخ" . أما إن تجرّأت وأشرت ولو بخنصرك عوضاً عن سبابتك إلى كلمة أو فكرة أو نقطة، فإنك تصبح والكاتب الآخر خصمين وعدوين لدودين، تشتعل بينكما حرب طويلة كحرب البسوس، وإذا رآك ماراً في طريق قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ومن باب الحيطة والحذر معه فالأفضل أن تكون أكثر حرصاً على إصبعك حتى لا يقوم من انتقدته بعضه أو كسره . تلقّيت قبل فترة رسالة عتب شديد مغلف بالأخوّة والنصح "لكل مسلم" وصلتني عبر البريد الإلكتروني يقول كاتبها معقّباً على مقال سابق عن النقد كتبته في مطبوعة ما، وتطرقت فيه إلى موضوع أبديت فيه رأياً شخصياً لكنه مبني على معرفة، قال لي: "يا أخي أنت ما عندك شغل غير التطرق إلى هذه الأعمال، مالك ولصداع الرأس . . اترك الخلق ودعهم يقولون ما يريدون قوله، فلكل واحد وجهة نظر "ولن تصلح العالم برأيك" وحقيقة لا أدري ما يقصده صاحب هذه الرسالة في "اترك الخلق وشأنهم" وذكرني بقول "ابن برد": إذا كنتَ في كل الأمورِ معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لاتُعاتبُهْ مع اختلاف القصد بينه وبين هذا الشاعر الذي لا يقصد نقد العمل، إنما انتقاد الغير بطريقة مستمرة وبتذمر دائم ينفرهم من النصيحة . للنقد محطات ومحطات و"صداع رأس" وفي النقد توجد أسماء غابت خوفاً من تلك اللكمة التايسونية الحديدية . ختاماً خلصت إلى القول: جامل وقول: الله محلى كلامك بتصير بين الناس إنسان ناقد وان قلت كلمة حق . . حتى سلامك ماله صدى . . وتصير إنسان حاقد