تحفظ أبومحمد الجولاني المسؤول العام ل «جبهة النصرة لأهل الشام في سوريا»، وهي أكبر المجموعات الجهادية في سوريا التي تقاتل إلى جانب مجموعات مسلحة أخرى لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، على إعلان أمير ما يعرف ب «دولة العراق الإسلامية»، أبو بكر البغدادي، بأن «جبهة النصرة» تعد فرعا من تنظيمه في العراق. وكان البغدادي عن دمج اسم المجموعتين تحت راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ولكن الجولاني بايع بالمقابل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وربط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة المركزي، منهياً جدلاً إعلامياً طويلاً عما إذا كانت جبهة النصرة لها علاقة بالتنظيم أم لا. ورغم أن الجولاني كشف أن تنظيم القاعدة في العراق يقف خلف إنشاء جبهة النصرة، فإن خلاف الطرفين ارتبط بمسألة إعلان الدولة من عدمه، وقد قال الجولاني في كلمته الصوتية: «وقد أعلنا منذ بادئ الأمر أننا نصبو إلى إعادة سلطان الله إلى أرضه، وثم النهوض بالأمة لتحكيم شرعه ونشر نهجه. وما كنا نريد الاستعجال بالإعلان عن أمر لنا في أناة.. فمهام الدولة من تحكيم الشريعة وفض الخصومات والنزاعات والسعي لإحلال الأمن للمسلمين وتأمين مسلتزماتهم قائمة على قدم وساق في الأماكن المحررة رغم ما يشوبها من التقصير». بمتابعة المنتديات الجهادية، يلاحظ حالة الانقسام في النقاش بين الأطراف المختلفة، بشكل يضع هذا الجدل في قائمة من الاختلافات المتنوعة التي شهدها التيار السلفي- الجهادي كالجدل الذي دار في لندن في تسعينيات القرن الماضي بين أبي قتادة الفلسطيني وأبومصعب السوري حول «الجهاد في الجزائر»، وخلاف أبومحمد المقدسي وتلميذه أبومصعب الزرقاوي حول التفجيرات في العراق، ومن ثم الردود المتبادلة بين الدكتور فضل وأيمن الظواهري. ولكن بعيداً عن هذا، وعلى المستوى الاستراتيجي، يلاحظ أن القاعدة في العراق، تسعى لتوسيع رقعة نشاطها وصولاً إلى سوريا، بشكل يساهم في تشكيل شريط ممتد من الأنبار إلى حلب مروراً بدير الزور وإدلب والرقة؛ حيث لجبهة النصرة نفوذ قوي. وتقوم رؤية القاعدة في العراق هذه في ظل تزايد الغضب السني في المنطقة. وبالمقابل، من هذا فإن جبهة النصرة التي حققت تفوقاً ميدانياً في سوريا، واستطاعت استقطاب وكسب المحليين، وعدم الخوض في خلافات إيديولوجية أو عسكرية على الأرض، ستجد في توسيع رقعة نشاطاتها عبئاً زائداً عليها. ولكن رغم كل هذه التصورات والجدل، فإنها تؤكد حقيقة أساسية تتمثل في أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، هو القائد الأساسي للتيار السلفي-الجهادي العالمي، ورمزه القيادي، وذلك رغم الكثير من التحليلات «السطحية» التي كانت تشير إلى أنه لا يمتلك «شرعية» ولا «مواصفات قيادية» كسلفه أسامة بن لادن، ولكن من الواضح أن الظواهري يتمتع بشرعية عالية بين أوساط الجهاديين. إعلان البيعة للظواهري من قبل جهاديي سوريا سيضع المعارضة السورية في مأزق دولي وإقليمي، وسيسعى النظام استغلال ذلك بطبيعة الحال، وعدم ظهور قطب مواز للجهاديين سياسي وعسكري لجهاديي سوريا، سيبقي المعارضة في وضعها المأزوم حالياً، ومهما يكن من أمر من الضروري الالتفات إلى هذه التحولات كتعبير عن تحولات حقيقية على الأرض، دون الاكتفاء بالتقليل من أهميتها، كما كان الحال عند ظهور جبهة النصرة منذ أقل من عامين باعتبارها «مجرد صنيعة للنظام».