إنها واحدة من القصص الرمزية منقولة للعبرة من التراث العربي الغني بمثلها. روي ان امرأة أبي رافع رأت زوجها في نومها بعد موته، فقال لها: أتعرفين فلاناً الصيرفي؟ قالت له: نعم، قال: فإن لي عنده مائتي دينار. فما ان انتبهت من نومها، حتى ذهبت مسرعة إلى الصيرفي لتخبره بما رأته في حلمها، وطالبته بالمائتي دينار، فقال لها: رحم الله أبا رافع، فوالله ما جرت بيني وبينه معاملة قط. أم رافع لم يعجبها قول الصيرفي، فتوجهت إلى مسجد المدينة، فوجدت مجموعة من مشايخ آل رافع، كل واحد منهم مقبول القول جائز الشهادة، فقصت عليهم الرؤيا، وأخبرتهم خبرها مع الصيرفي، وإنكاره لما ادعاه أبو رافع في حلمها. فثارت الحمية في أدمغة آل رافع، فقالوا: «ما كان أبو رافع ليكذب في نوم ولا يقظة» اشتكي الصراف عند السلطان ونحن نشهد لك عليه. علم الصيرفي عزم القوم على الشهادة لأم رافع زوراً، وعلم أنهم ان شهدوا عليه فلن يبرح حتى يؤدي لأم رافع ما حلمت به من مائتي دينار، فتفتق ذهنه عن حيلة، فقال لوجهاء آل رافع: إن رأيتم ان تصلحوا بيني وبين هذه المرأة على ما ترونه فافعلوا، فقالوا: نعم، فالصلح خير، ونعم الصلح الشطر، أي النصف، فأدِّ إليها مائة دينار من المائتين. قال الصيرفي لهم: سأفعل، ولكن اكتبوا بيني وبينها كتاباً يكون وثيقة لي، قالوا: وكيف تكون هذه الوثيقة؟ قال: تكتبون لي عليها انها قبضت مني مائة دينار صلحاً عن مائتي الدينار التي ادعاها أبو رافع في نومها، وانها قد أبرأتني منها، وشرطت على ألا ترى أبا رافع في نومها مرة أخرى، فيدعي عليّ بغير هذه المائتي الدينار، فتجيء بفلان وفلان يشهدان عليّ لها، فلما فهموا ما كتب في الوثيقة انتبه القوم لأنفسهم، فقالوا: قبحك الله يا أم رافع، وقبح ما جئت به. فقبح الله أم رافع ومن على شاكلتها، وقبح الله من أخذته حميته الجاهلية، وشهد لامرئ من قومه زوراً وبهتاناً، فوقف مع الباطل ولو علم به. ملحوظة: حكاية منقولة بتصرف من التراث العربي. طلال عبدالكريم العرب [email protected]