كم مرةٍ وقعنا في فخِّ (قال فلان)..فلان الحاكم الأوحد..فلان العالم الحجة...فلان المثقف الملهم..نفتح عقولنا لمقولةٍ ندخلها ضمن مسلماتنا وثوابتنا الكثيرة والتي قلّما نحاول مراجعتها ومحاكمتها ,ونسلِّم عقولنا لأفكار بشرٍ خلقوا من ذات الطينة ولديهم ذات العقول وسيعودون لذات الأرض ,وسيُحاسبنا وسيحاسبهم إلهٌ واحد بميزانٍ واحد (وما كان ربك بظلامٍ للعبيد). تسلِّم فلان مفاتيح عقلك لتعيش خلفه أعمى وهو يقودك ,يعبث في حياتك وأفكارك ودينك ومقدراتك ,وأنت مسترخٍ وسعيد بهذا التواكل والراحة الفكرية التي لن تجرّ وراءها سوى المتاعب في المستقبل ,نعم... سعيد لأن فلان هو الذي قال وما أنا إلا تابع وليس لي من الأمر شيء وهو الذي سيتحمل تبعات عمله وأفكاره أما أنا فليس لي أي نصيب من المسؤولية...هكذا تحدثك نفسك العقيمة التي أبت إلا الخلود إلى الأرض والجلوس في كراسي المتأخرين من يعيشون في ذيل القاطرة! أخبرني يا صديقي : ما وظيفة ذلك العقل الذي وُهبت إياه؟ وما قيمة هذه الحواس التي تمتلكها؟ ومافائدة العلم الذي اكتسبته وبه أصبحت تقرأ وتكتب؟ وما ثمرة الكتاب المُنزل الذي تقرأه ليلاً ونهاراً؟ لا عذر يا صديقي فجميعنا محاسبون وكلنا مسؤولون ,ولا سلطة لحاكم ولا عالم ولا ساحر ولامثقف علينا..هل تعرف لماذا؟. حتى لا يتجبر علينا أحد ولا يستغلّ ضعفنا مخلوق ,فنحن ضعفاء الله ولا جبروت لأحد علينا سوى لله ,ونحن باستسلامنا لهؤلاء نخلق منهم آلهة تُعبد من دون الله أو بمعيته نعبدهم دون منسك نعبدهم في عقولنا وبأفكارنا فيحاصروها ويقتلوها وتصبح بلا قيمة. نحن نخلقهم باسم السياسة ومصلحة الوطن تارة وباسم الدين تارة وباسم العلم تارة أخرى ,وما علمنا أنهم بما يفعلونه ونفعله نكون نحن أكبر جناة على الوطن والدين والعلم..التي تحتاج منا عقولاً واعية ومفكِّرة ومتيقظة لنتمكن من خدمتها والتعاطي معها كما يجب ما يضمن لنا مجتمعاتٍ متماسكة وعادلة ومتقدمة. فالقائد أياً كان وبأي اسمٍ ظهر.. بحاجةٍ إلى النقد والتوجيه وتعدّد الرؤى ,فهو بشر يصيب ويخطئ وقد تنحصر رؤيته في زاوية ضيقة تجعله غير قادر على رؤية زوايا أخرى يراها غيره ,لذلك كان إنساناً ناقصاً مهما ادعى الكمال أو ظننا فيه الكمال..ومن أعظم من قائد الأمة نبينا محمد –صلى الله ععليه وسلم-حين قَبِل إشارة الحباب بن المنذر بتغيير موضع القتال في معركة بدر ,وحين أشارت عليه زوجه أم سلمة يوم صلح الحديبية عمل بنصيحتها...وقال الصديق أبو بكر خليفة رسول الله الأول: ( فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فقوّموني). ويقول تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة). ويقول: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا). لقد وُهبنا هذا العقل ليكون مفرزةً نفرّق بها بين الحق والباطل في إطار مبادئ الدين ومقاصده ومعانيه المجملة التي ذُكرت في القرآن ,ليكون هذا العقل قوةً فاعلة نحمد الله على هبتنا إياها ,قوةً تُقيم التوازن في المجتمعات، فلا تتسلط علينا فئة قليلة من الناس ولا تُستضعف فئة أخرى بل نكون أمة واحدة تعين بعضها على بناء مجتمعٍ يستحق لقب خير أمة أُخرجت للناس. وتذكّر دائماً عند سماعك لأي معلومة أو رأي أن تتأكّد من صحته وسلامته العقلية والنقلية قبل أن تجعل منه جزءاً من معتقداتك ,وأن لا تسلّم عقلك لشخصٍ واحد مهما كان , تأخذ منه كل شيء دون مساءلة لتجعل منه حاكماً ومتحكّماً على أفكارك ومخرجاتك. [email protected]