دائماً ما تُولي الأمم الراقية أولوية قصوى للعمل الخيري، وتعتبره شريان تقدُّمها، وتسعى لاستمراريته وتطويره بالسبل كافة. وخير تلك الأمم التي ضربت أروع الأمثلة في أسبقيتها للعمل الخيري وتفعيله على المستويات كافة الأمة الإسلامية.. التي أسس فيها رسولها - صلى الله عليه وسلم - دعائم حمل هذا الهمّ العظيم وتأديته على أكمل وجه. قال صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى". واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة. والسيرة زاخرة بمواقف الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- وتسابقهم في ميدان العمل الخيري، الذي سطر أروع نماذج البذل الحسي والمعنوي لمن أراد الاقتداء بهم. وسار على نهجهم من بعدهم وصولاً للمؤسسات والجمعيات الخيرية المشهود لها بالريادة في هذا الميدان، التي بلغت إنجازاتها الآفاق خدمة للإنسانية في كل مكان، والتي بدأ الخناق يضيق عليها في أداء هذه المهمة العظيمة التي تخدم الدين والوطن بفعل بعض الشُّبَه التي يثيرها أعداء نجاح العمل الخيري "داخلاً وخارجاً". نعم، يرحَّب بتنظيم العمل الخيري والإشراف عليه، لكن بلا قيود المبالغة التي ساهمت في عرقلته واختزال جهوده والحد من إنجازاته والوقوف في طريقه، بدلاً من العمل على ديمومته ودراسة سبل المزيد من نجاحاته، بدءاً من تنميته بتخصيص لجان وكوادر مؤهلة تدعم مسيرته، وتعزز تفوقه، والتدريب المستمر للملتحقين إليه؛ ليكون من أبرز الظواهر المشرقة في مجتمعاتنا الإسلامية المتراحمة بدلاً من تعطيله وإماتته.. فنحن أولى بإخواننا في الداخل من أن يصطاد معاناتهم أعداء الدين، وأولى بإخواننا في الخارج من أن تتلقفهم حملات التنصير، واستغلال حاجتهم ووأد إيمانهم، وأولى بإخواننا من أهل السنة من أن يجتاحهم المد الصفوي الذي يبني آمالاً عريضة في توسيع مخططاته، خاصة بعد تضييق الخناق على العمل الخيري! فجهود المسلمين وعطاءاتهم المبذولة يجب أن توجَّه لخدمة العمل الخيري، لا البذل السخي على القنوات التغريبية والبرامج الهابطة!! إن تكديس خدمات العمل الخيري لجهة معينة يُحدث التقصير بعدم قدرتها على استيعاب الاحتياجات كافة؛ لذا وجب أن تتكاتف الجهود على مستوى الدول والمؤسسات والأفراد لتحقيق مقاصد العمل الخيري. والتوجس المبالغ فيه تجاه العمل الخيري يشوّه ويعطل الصورة البهية عن أسبقية المسلمين في هذا الميدان، ويفتح المجال لأصحاب المخططات السوداء بالنخر في جسد الأمة.