سالة لي قبل أن يتم القبض علي، هم أوقعوا بي في هذا العمل، أبي سامحني أرجوك». رسالة المشتبه به الثاني في تفجيرات بوسطن جوهر تسارناييف الى والده. في نهار نيساني مشمس، وبينما عشرات الآلاف من الجمهور يصطفون لمتابعة سباق الماراثون في المدينة الاميركية الراقية بوسطن، هز انفجاران الجموع، لم يكن التفجيران نتاج سيارات مفخخة، لكنهما كانتا طنجرتي طبخ جهزتا بالبارود والمسامير والقطع المعدنية الصلبة. أوعية طبخ بسيطة مزقت الجموع وسرقت البسمة من وجوه الصغار والكبار واستبدلت بدلا منها وجوهاً حزينة مرعوبة، وحولت يوم الرياضة والفرح الى يوم جزع وحزن، وأسقطت هذه الاوعية عشرات المصابين خارج مضمار السباق مضرجين بالدماء. أصابع اتهام الجهات الامنية الاميركية تتوجه نحو أخوين من أصل شيشاني، الأصغر ذو التسعة عشر عاما قبض عليه بعد إصابته وهو يرقد بالمستشفى في حالة خطيرة، أما الأكبر ويدعى تامرلان فقد قتل عن عمر يبلغ الستة وعشرين عاما، وخلف من بعده طفلة ذات ثلاث سنوات، وزوجة أميركية تصغره سنا، كانت من قبل قد اسلمت وارتدت الحجاب. «نعلم الآن اننا لم نكن نعرف تامرلان تسارناييف على حقيقته أبدا، وقلوبنا معتلة مما سببه من إرهاب». هذه الكلمات التي عبرت فيها عائلة الزوجة الاميركية عن مشاعرها تجاه الحادث وتجاه زوج ابنتهم. كانت الحيرة أيضا من نصيب الرئيس أوباما كما أظهر ذلك عبر كلماته قائلا « لماذا يلجأ شابان، نشآ ودرسا هنا، كجزء من مجتمعنا وبلدنا، الى مثل هذا العنف؟» فعلا أمر محير. ان كان هذان الشابان قد قاما فعلا بذلك وطعنا مجتمعا تربيا وسطه في الظهر عبر اتباعهما أعمالاً ارهابية خسيسة. ولكن اذا كان رئيس دولة كبرى متحيراً مع ما يملك من اجهزة استخبارات عتيدة قد وصلتها تحذيرات من موسكو بشأن المتهم منذ العام 2011، كما تتناقل الصحف، فكيف هي حيرة الناس في المنطقة العربية، وكيف لهم أن يستوعبوا سقوط آلاف القتلى منهم نتيجة مفخخات تقطع أوصال الابرياء يوميا في المساجد والمعامل والأسواق وعند طوابير الطعام؟ قد يكون ضحايا بوسطن الابرياء أكثر حظا حين تتوالى بيانات الاستنكار على الجريمة التي اودت بحياتهم، ويبقى قتلى العالم العربي الملكوم لا عزاء لهم. يقول احد الخبراء في شؤون الارهاب في لقاء له مع احدى المحطات الاذاعية، ان المشكلة في هذا التفجير انه أعد بطريقة منزلية، وان اعداده بسيط ومواده أولية يمكن الحصول عليها بسهولة، لكن هذه المواد على سهولتها يمكنها ان تسبب اذى شديدا. لا يمكن منع اواني الطبخ، ولا يمكن منع بعض المواد الكيماوية المتوافرة ضمن استخدامات متعددة منها استخدامات منزلية، هذه ادوات بسيطة متوافرة منذ زمن، المشكلة في ثقافة القتل والارهاب التي انتشرت، والتي تتم ادانتها اذا وقعت في الغرب، وفي الشرق يتم التعامل معها بطريقة ميكافيلية، والتي هي من المفترض أن تحارب اينما كانت وبأي شكل ظهرت. العمل الارهابي الجبان واحد، والأعمال الوحشية الجبانة ذات طبيعة متشابهة، وهي جميعا لا مبرر لها، وتفجير بوسطن لا يعتبر ردة فعل على مفخخات الشرق الأوسط، كلا، بل هو نتاج عقلية واحدة، عقلية تجعل فيها الغاية تبرر الوسيلة، غاية وأهداف معينة يتم من اجلها اتباع ارذل السبل. ان النتيجة المؤسفة هي أن مطابخ المحتويات الفكرية التي تسمم المنطقة العربية من دعوات للقتل والتكفير وزرع الفتن والدعوة الى التقاتل الأهلي والطائفي هي التي تنتج الشاحنات المفخخة التي تزلزل عواصم عربية كبرى، وهي التي أنتجت بحماقتها طنجرة بوسطن. كمال علي الخرس [email protected]