استعرضت رئيسة برنامج رقابة السلاح والأمن الإقليمي في معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي اميلي لانداو، التحدي النووي الذي تمثله كلاً من إيرانوكوريا الشمالية، متناولةً ظروف كل دولة على حده، وأسلوبها التكتيكي، والاستراتيجي، والخلاصات التي خرجت بها من الحالتين. القدسالمحتلة (فارس) وقالت لانداو في تقريرٍ مطول وضعته بيد المشاركين في المؤتمر الأمني الذي يُعقد ب"تل أبيب": "بالنسبة لطبيعة سلوك اللاعبين الدوليين حيال كل واحدة من الدولتين المتحولتين نووياً، فإن إستراتيجية التصدي تتأثر في كل حالة بالطريقة التي يرى فيها اللاعبون الدولة، والخلفية الإقليمية التي توجد فيها". وفي معرض الحديث عن كوريا الشمالية، اعتبرت لانداو أن الأخيرة معروفة جيداً في استفزازاتها المتكررة لكوريا الجنوبيةوالولاياتالمتحدة كعنصر مركزي في سلوكها خلال العقد الأخير، مقابل محاولات إدارة المفاوضات معها على تخليها عن القدرة النووية العسكرية في إطار "محادثات الستة". وأشارت إلى أن ل"استفزازات كوريا الشمالية يوجد بعد إقليمي ودولي أيضاً يجد تعبيره في التجارب النووية التي أجرتها على الصواريخ البالستية، وكذا في التقدم بتطوير النووي، بما في ذلك إجراء ثلاث تجارب نووية منذ عام 2006م". وأوضحت لانداو أن "النمط الذي تقرر في أثناء هذه الفترة – منذ 2006م – كان أن تتخذ كوريا الشمالية خطوات استفزازية ذات طابع "السير على الحافة"، كي تجتذب انتباه الولاياتالمتحدة وتعيدها إلى طاولة المفاوضات وانتزاع شروط أفضل، أي أن تضمن لنفسها مساعدة اقتصادية واسعة، شكلت المحور المركزي في كل اتفاق تحقق معها حتى الآن في السياق النووي". ونبهت إلى أن آخر مرة أجرت فيها كوريا الشمالية مفاوضات في إطار "محادثات الستة" كانت في كانون الأول 2008م، وفي العام 2009م أعلنت هذه عن انتهاء محادثات الستة، وأجرت تجربتها النووية الثانية؛" زاعمة "أما في 2010م شرعت في استفزازات ضد كوريا الجنوبية، إغراق سفينة حربية وموت 46 ملاح جنوب كوري، وإطلاق النار على جزيرة في المنطقة التي توجد موضع نزاع بين الدولتين، وموت جنديين ومواطنين؛ وفي نهاية السنة كشفت النقاب عن منشأة لتخصيب اليورانيوم في بيونغ ينغ". وفي أثناء 2011م، أعربت بيونغ ينغ مرة أخرى عن اهتمامها في العودة إلى المفاوضات النووية، وفي صيف العام ذاته أدارت سلسلة قصيرة من المحادثات الثنائية مع الولاياتالمتحدة، ولكن قبل أن يتحقق أي اتفاق، توفي زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ ايل، وتسلم ابنه كيم يونغ أون الحكم. ولفتت لانداو النظر إلى أن ذلك أثار تطوراً مفاجئاً، فقد تبنى الزعيم الجديد نهجاً ايجابياً من مسألة النووي: الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية أعلنتا التوصل إلى تفاهم في مجال النووي من خلال تصريحات أحادية الجانب متوازية. فقد أعلنت كوريا الشمالية عن استعدادها لتعليق نشاطها في مجال تخصيب اليورانيوم، كما أعلنت عن موافقتها على تجميد التجارب النووية والتجارب على الصواريخ البالستية. والولاياتالمتحدة من جهتها وعدت بمساعدة بمقدار 240 ألف طن من الغذاء. غير أن التصريحين لم ينفذا ولم ينضجا إلى صفقة ناجزة. وتجاهلت سبب التصعيد في السياسة الكورية تجاه واشنطن وقالت: "في الأسابيع الأخيرة بدا تصعيد حاد في التهديدات النووية والتقليدية من جانب كوريا الشمالية، موجهة أساساً نحو كوريا الجنوبيةوالولاياتالمتحدة. وهذه هي المرة الأولى التي هددت فيها كوريا الشمالية بهجوم نووي ضد الولاياتالمتحدة. وكان التواتر، الكثافة ومضمون التهديدات – والتي تتدحرج بسرعة الواحدة تلو الأخرى –غير مسبوق (...)". ورأت لانداو أن ما تريد كوريا الشمالية تحقيقه من وراء هذا التصعيد هو "تركيز الاهتمام العالمي، في البعد النووي على خطابها"، زاعمةً أن التقارير التي طرحت في وسائل الإعلام، سيناريوهات رعب بشأن حرب نووية محتملة، "تجاهلت حقيقة أن القدرات الحالية بيونغ ينج لا تدعم هذه التهديدات"، على حد تعبيرها. وتابعت: "تواصل كوريا الشمالية حث خطة النووي والصواريخ لديها وإذا لم يتحقق اتفاق لتفكيك قدرتها النووية فإنها ستنجح في نهاية المطاف في تطوير رأس متفجر نووي يمكنها أن تركبه على صاروخ بعيد المدى، وهكذا تصبح عضواً كاملاً في نادي الدول النووية وتهديد الولاياتالمتحدة، بينما يكون للتهديد غطاء تنفيذي (...)". وفي حديثها عن النووي الإيراني، أشارت لانداو إلى أن طهران –لا تقل تصميماً عن بيونغ ينغ – اختارت شق طريقها بالذات وفق قاعدة الامتناع عن الأزمة، وهي تفعل ذلك بنجاح لا بأس به. وقالت: "السياق الإقليمي لكل واحدة من هاتين الدولتين مختلف. فقد استخدمت كوريا الشمالية في الماضي الموضوع النووي كورقة مساومة كي تحظى بمساعدة اقتصادية من الولاياتالمتحدة ومن جيرانها الإقليميين، بينما إيران كدولة غنية بالنفط لا تحتاج إلى مساعدة اقتصادية". وأضافت الباحثة الأمنية الإسرائيلية: "الإيرانيون بالمقابل يستخدمون برنامجهم النووي لتثبيت مكانتهم وتطلعهم للهيمنة الإقليمية – الأمر غير القائم في حالة كوريا الشمالية. من المهم الإشارة إلى أن الكوريين الجنوبيين بقوا هادئين نسبياً حيال موجة التهديدات من جانب كوريا الشمالية، ولكن لا ينبغي توقع وضع مشابه إذا ما وجهت تهديدات من جانب إيران، لا سيما نحو السعودية و"إسرائيل"". وعادت لانداو للتأكيد على أن "كوريا الشمالية، رغم كونها نووية، هي دولة ضعيفة محوطة بدول أقوى منها؛ وهذه تميل إلى التعاطي مع جارتها "العدوانية" تقريباً كولد مستفز يحتاج إلى معاملته بيد قوية، ولكن دون رفضه"، – طبقاً لوصفها-. بالمقابل – كما تتابع - إيران دولة قوية، فبعض الدول يرون فيها "خصماً ومنافساً على النفوذ الإقليمي"، وبالنسبة للبعض الآخر فهي "عدو خطير ورهيب". وطبقاً لحديث لانداو : "بالنسبة لطبيعة سلوك اللاعبين الدوليين حيال كل واحدة من الدولتين المتحولتين نووياً، فإن إستراتيجية التصدي تتأثر في كل حالة بالطريقة التي يرى فيها اللاعبون الدولة، والخلفية الإقليمية التي توجد فيها. فمنذ زمن بعيد امتنعت الولاياتالمتحدة عن نهج ذي نزعة قوة تجاه كوريا الشمالية لأن بيونغ ينغ يمكنها أن تحدث دماراً هائلاً لسيئول بالصواريخ التقليدية؛ وفضلاً عن ذلك، فإن الصين تحمي كوريا الشمالية لأنها تخشى من انهيارها ومن النتائج الصعبة لمثل هذا التطور بالنسبة لها". وتستطرد قائلةً: "وإلى جانب المساعي المتواصلة لحل ملف كوريا الشمالية على عقد صفقة بالمفاوضات، فإن الدول التي تقف أمام بيونغ ينغ تتخذ عملياً سياسة "الاحتواء"، والأزمة الأخيرة يمكن أن تفسر كحالة تجسد حقيقة أنه حتى حيال التهديدات النووية "الفظة"، نجد أن سياسة "الاحتواء" تنجح (...)". واستدركت لانداو: "لكن الواقع الاستراتيجي المختلف في الشرق الأوسط يجب أن يشكل إشارة تحذير من المقارنة ومن استخلاص الاستنتاجات التبسيطية، إذا ما طرحت إيران تهديدات مثل تلك التي طرحتها كوريا الشمالية، فإنها ستعتبر مغايرة بشكل تام عنها بسبب الظروف الإقليمية المختلفة. فضلا ًعن ذلك يمكن لإيران أن تحقق أهدافها أيضاً حتى دون تهديدات بهذه الفظاظة؛ فهي يمكنها بدلاً من ذلك أن تستغل الحصانة ضد الهجوم المضاد، الذي ستتمتع به بصفتها دولة نووية، كي تتقدم بشكل مكثف في تحقيق تطلعاتها للهيمنة الإقليمية (...)". /2336/أ