العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا حائرة بين شبح حرب نووية مع كوريا.. وولادة نووية محتملة في إيران
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 06 - 2012

يحبس العالم أنفاسه هذه الأيام، مع تزايد احتمالات وقوع مواجهة نووية في شبه الجزيرة الكورية، فيما يراقب اقليم الشرق الاوسط التطورات وعينه على «حمل غير شرعي» لقنبلة نووية ايرانية تبدو ولادتها وشيكة، وتتزايد فرصة حصول الايرانيين عليها في ضوء تزايد مخاطر المواجهة في الشرق الاقصى، حيث تنشغل امريكا هناك بخطر نووي «ماثل» يسبق في اولوياتها بالضرورة خطر نووي «محتمل».
تفاصيل التهديدات والوقائع والأحداث، التي تسارعت وتيرتها منذ ديسمبر من العام الماضي، قد تساعدنا على فهم المشهد الراهن، حيث أطلقت كوريا الشمالية فجأة ومن دون سابق إنذار صاروخًا ذا ثلاث مراحل في 12 ديسمبر الماضي، في خطوة أدانتها الأمم المتحدة بوصفها تجربة محرمة لتقنية الصواريخ بعيدة المدى، ولم يعجب الحال واشنطن بالطبع، فسارعت إلى تقديم مشروع قانون لمجلس الأمن لمعاقبة بيونج يانج على هذا الفعل، وفى الثاني والعشرين من يناير هذا العام مرر مجلس الأمن قرارا يدين إطلاق كوريا الشمالية للصاروخ ويشدد العقوبات المفروضة على بيونج يانج.. استفز هذا الأمر الكوريين، فأعلنت مفوضية الدفاع الوطني بكوريا الشمالية بعد ذلك بيومين أنها ستمضي قدمًا في تجربة نووية عالية المستوى، وبإجراءات «إجراءات مادية» ضد جارتها الجنوبية، وبالفعل شرعت كوريا الشمالية في إجراء تجربة نووية تحت الأرض في 12 من فبراير، وهي التجربة الثالثة من نوعها بعد تجربتي 2006 و2009، لم تسكت واشنطن وسول بالطبع، وكان ردهما متوقعًا عندما دشنا معًا مناورات عسكرية مشتركة في الأول من مارس، ردًا على تصعيد بيونج يانج، ولم يكن الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ في حاجة سوى لأربعة أيام فقط، لكي يرد بعنف على ما قامت به «العدوتان اللدودتان»، فقالت بلاده إنها ستمزق هدنة أنهت في عام 1953 الحرب الكورية، ثم هددت بضربة نووية «استباقية» ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، عندما صوت مجلس الأمن مرة أخرى على تشديد العقوبات المفروضة على بيونج يانج بسبب تجاربها النووية في 7 مارس.
ولم تكتف بيونج يانج بذلك، فألغت في 8 مارس اتفاقات بعدم الاعتداء مع جارتها الجنوبية، وعلقت في نفس الوقت خطًًا ساخنًا مع سول مع انطلاق مناورات عسكرية سنوية أمريكية - كورية جنوبية، وفى 12 مارس هدد كيم جونج أون ب»محو» جزيرة بكوريا الجنوبية، الأمر الذي أثار غضب سول وردت واشنطن سريعًا بأن أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل خططًا لتعزيز الدفاعات الأمريكية ضد أي غارة صاروخية تشنها كوريا الشمالية، وحلقت بعدها بيومين مقاتلات أمريكية من طراز B-52 في أجواء شبه الجزيرة الكورية، الأمر الذي هدد معه جيش كوريا الشمالية بتنفيذ غارات ضد قواعد للجيش الأمريكي في اليابان وغوام، وهي أراضٍ أميركية تبعد 3.380 كيلومتر جنوب شرق كوريا الشمالية وينتشر فيها 6 آلاف عسكري أمريكي.
لم تقف الأمور عند هذا الحد، فوقعت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أواخر مارس اتفاقية جديدة، تنص على رد عسكري مشترك على أقل استفزاز من جانب كوريا الشمالية، وألمح رئيس كوريا الجنوبية جيون هاي لكوريا الشمالية بأن بقاءها يكمن وحده في تخليها عن البرامج الصاروخية والنووية، وتضمن الاتفاق الأمريكي - الكوري الجنوبي السماح لواشنطن بزيادة مدى صواريخها البالستية، 3 مرات تقريبًا لتغطي كامل مساحة كوريا الشمالية، مع نشر الولايات المتحدة لقوة برية قوامها 28500 جندي على أراضي كوريا الجنوبية، وتؤمن لها مظلة نووية في حال تعرضها لهجوم من جارتها اللدودة، فضلًا عن وجود قوات أمريكية تقدر بنحو 40.000 جندي في اليابان.. لم تعلق كوريا الشمالية بالطبع إلا بالتصعيد مجددًا، فوضعت بيونج يانج وحداتها الصاروخية الاستراتيجية في وضع حرب مع تهديدات جديدة بضرب أهداف في الأراضي الأمريكية وغوام وكوريا الجنوبية وهاواي، كما قطعت آخر خط عسكري ساخن مع جارتها الجنوبية.
ومع وضع الصواريخ الجديد أرسلت واشنطن في 28 من مارس قاذفتين نوويتين من طراز B-2 في مهمتي ردع في كوريا الجنوبية، وصرح وزير دفاع أمريكا هاغل بأن بلاده مستعدة ل»أي نهاية»، وخاصة مع تعهد كيم جونغ أون بتصفية الحسابات وإصداره أوامر لوحدات صاروخية بأن تبقى مستعدة لضرب أراض أمريكية وقواعد في المحيط الهادي، ومع أوائل أبريل أعلنت رئاسة أركان الجيش الكوري الشمالي أن لحظة الانفجار تقترب بسرعة، وذلك ردًا على ما وصفته باستخدام الولايات المتحدة الاستفزازي لقاذفات شبح طراز بي-52 وبي-2 قادرة على حمل رؤوس نووية في المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، وصادق الزعيم الكوري الشمالي الشاب على خطط عسكرية تتضمن احتمال توجيه ضربات نووية ضد أهداف أمريكية، وازدادت الأحداث التهابا بشكل لم يعد من المناسب أن تستمر طوكيو، أحد الحلفاء المهمين الذين تعتمد عليهم الولايات المتحدة، في سياسة الترقب والانتظار، فأصدر وزير الدفاع الياباني اتسونوري أونوديرا في 8 من أبريل أمرًا مباشرًا للجيش الياباني بضرب أي صاروخ كوري شمالي يستهدف الأراضي اليابانية، وعمدت طوكيو فورًا إلى نشر مدمرات في البحر مجهزة بنظام اعتراض الصواريخ، ثم عمدت بعدها إلى نشر صواريخ باتريوت في قلب طوكيو، للتصدي لأي صاروخ قد تطلقه كوريا الشمالية التي تهدد الأرخبيل، وفي ذات الوقت بدأت الآلاف من القوات الفلبينية والأمريكية تدريبات عسكرية مشتركة واسعة المدى في الفلبين وسط توتر في بحر الصين الجنوبي، ونشرت الولايات المتحدة 4 آلاف جندي و32 طائرة من بينها 12 طائرة إف 18 وسفينة حربية استعدادًا للتدريبات العسكرية تستمر 9 أيام، بينما خصصت الفلبين 10 طائرات وسفينتين و4 آلاف جندي للتدريب.
لماذا كل ذلك؟
وكما رأينا فالأحداث متسارعة ملتهبة، تتغير المعطيات وتتسارع التصريحات والتهديدات في كل ساعة تقريبًا، ولكن السؤال هو لماذا يحدث كل ذلك؟ هل يتعلق الأمر بالسلوك الاستفزازي وحده أم أن هناك معطيات أخرى أكثر أهمية.. في الواقع هناك العديد من المداخل المهمة، التي يمكن من خلالها الاقتراب أكثر من الصراع النووي المستعر الآن، واللاعب الرئيس فيه كوريا الشمالية وتهديداتها المستمرة لجارتها الجنوبية وللولايات المتحدة، غير أن أحد المداخل المهمة لفهم طبيعة هذا الصراع وتحليل آلياته وتوقع الآثار المترتبة عليه يكمن في التنقل ما بين 3 مناطق أراها رئيسية في جوهر هذا الصراع، الأولى: هي المنطقة التاريخية، التي لا يمكن الاستغناء عنها لفهم طبيعة الكراهية، التي تحملها الأطراف المتصارعة لبعضها البعض، والثانية: هي المنطقة الرمادية، والتي أحسبها أكثر المناطق وعورة في تضاريسها وتعقيداتها الهائلة بكينونتها العاطفية والمزاجية، والثالثة: هي منطقة العمليات ونطاقات الاشتباك، والتي تفترض دراسة سيناريوهات المواجهة وتكتيكات الحرب بشكل حقيقي وواقعي، وتتطلب عملية الانتقال في رأيي نوعا من الهرولة في المنطقة الأولى، لتزداد في المنطقة الثانية، حيث تتطلب هذه المنطقة الرمادية إيجاد جسر سريع من البناء الفكري، والانطباعات تنتقل معه بأمان إلى المنطقة الأخيرة، حيث يكون الإبطاء والتمعن والهدوء أمرًا لازمًا في كل الأحوال.
يمكن ببساطة وضع صراع كوريا الشمالية مع المعسكر الغربي في إطاره التاريخي كجزء من مخلفات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها والاتحاد السوفيتي السابق وحلفائه، وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية اضطرت طوكيو إلى تسليم مستعمرتها الكورية للقطبين العالميين، لتقسم كوريا بين الاتحاد السوفيتي، الذي زحف إلى شمالها حاملًا لواء الشيوعية، وبين الولايات المتحدة التي فضلت التمركز في الجنوب لتنشر قيم الرأسمالية، وجاء استقلال الكوريتين في عام 1948 ليؤكد الانشقاق ويصادق على الهوية، التي تفتت لشمال وجنوب منقسمين ومتنازعين على الدوام، وقد أكد على هذا الانقسام المحاولات المستمرة من قبل الطرفين للاستيلاء على أراضي الآخر، فحاول الشمال في عام 1950 غزو الجنوب، وكاد ينجح لولا تدخل الولايات المتحدة التي رأت في تدخلها هذا فرصة لضم الشمال هي الأخرى، فزحفت القوات الأمريكية إليها قبل أن تدخل الصين الشيوعية حلبة الصراع وتعلن دعمها لكوريا الشمالية، واستمرت الحرب الكورية ليلقى نحو 4 ملايين شخص كوري شمالي حتفهم، وتخسر الصين نصف مليون مقاتل، ويقتل من الأمريكيين نحو 50 ألف جندي، قبل أن يتدخل السوفييت ويعلنوا هدنة بين الأطراف المتنازعة عام 1953.
فرضت الهدنة مظاهر للهدوء في المنطقة، ولكن كان هناك دائمًا شيء من الكراهية والحساسية والرغبة في الثأر لدى كوريا الشمالية على وجه الخصوص، والتي لم تكن لترضى بوقوع كل هؤلاء الضحايا من جانبها في الصراع، وتزايدت القناعات في نفوس قياداتها بأن التسليح المستمر والقوة المفرطة (التقليدية والنووية) هي من ستكفل عدم تكرار هذا الأمر مستقبلًا، ومن ستتولى ردع أي عدوان على بيونج يانج، وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لم يتغير من الأمر شيء، فظلت أجواء الحرب الباردة مستمرة وهي السائدة وصاحبة الصوت الأعلى في علاقات كوريا الشمالية مع جيرانها، لذلك ظل الصراع مستمرًا والتهديد متبادلًا، ولم تصمد أي اتفاقية عسكرية أو حتى اقتصادية أكثر عام واحد.
ولا يمكن الافتراض بأن حادثة احتجاز سفينة التجسس الأمريكية يو أس أس بويبلو في بيونج يانج عام 1968 واعتقال 82 فردًا من طاقمها حدثًا عاديًا انتهى بمجرد اعتذار واشنطن وقتها، والإفراج عن الأمريكيين، أو التعامل مع إغراق بيونج يانج سفينة لكوريا الجنوبية خلال قيامها بدورية في البحر الأصفر في العام الذي سبقه، وأسفر عن مقتل 39 شخصًا من قبيل الأحداث السياسية الاعتيادية، فالواقع يقول إن الماضي قد خلف رواسب وألغاما شديدة الخطورة، يمكن أن تنفجر في أي لحظة فقد استمر الأخذ والرد وعمليات الانتقام من جانب كوريا الجنوبية لجارتها الشمالية، والعكس حتى عام 1998 عندما تبنت كوريا الجنوبية سياسة اسمتها «الشمس المشرقة»، حاولت من خلالها أن تخفف حدة التوتر مع بيونج يانج وأن تركز على القضايا الثنائية، التي يمكن أن تسفر عن أي نوع من التعاون، ووجدت هذه السياسة بعض القبول من جانب كوريا الشمالية، ولكنها لم تمنع قادتها وجنرالاتها من الحديث المتواصل عن الحرب واستعداداتها.
لكن شبه الجزيرة الكورية كان على موعد مع الأعاصير والعواصف السياسية المعتادة، وبالتحديد في 10 مارس عام 2010 عندما تعرضت سفينة تشيونان الكورية الجنوبية، التي كانت تبحر بالقرب من المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين الى تفجير شطرها نصفين وقتل 46 من البحارة على متنها، وقتها اتهمت حكومة سول القوات البحرية لكوريا الشمالية باستهداف السفينة، الأمر الذي أثار غضب الشعب الكوري الجنوبي، حيث طالب حكومته «بالثأر» على الرغم من نفي بيونج يانج أي صلة لها بالواقعة.
تقع تهديدات بيونج يانج لجيرانها، بشن هجمات نووية، ضمن المنطقة الرمادية وتحتمل تفسيرات مختلفة، فهي ذلك النمط الذي يستخدم بشكل أو بآخر لدفع الزعيم الكوري الشاب كيم جونج أون، الذي لم يبلغ ال29 عامًا ليتبوأ مكانة جديدة كابن مفضل، ونيل الدعم القوي والخاص من أبناء وطنه، وتهديدات كيم جونج أون يمكن رؤيتها من زاوية أنها تطوع لغرض داخلي، فالزعيم الشاب يعرف أنه قد لا يبقى في منصبه طويلًا بدون دعم قوي وانصهار مع الجيش، وخاصة مع انهيار الظروف الاقتصادية في بيونج يانج، والمعاناة الاقتصادية والمعيشية لمعظم أبناء الشعب.
من أجل هذا، كرست كل وسائل الإعلام جهودها لتقديم ذلك البطل الجديد، الذي لا يختلف شجاعة أو إقداما عن والده او جده، وتتحدث هذه الوسائل بصورة مستمرة عن ذلك «البطل الجديد» الذي يلهب حماس شعبه ويدفعه لأن يواصل شعوره «بالكبرياء» لقدرته على تهديد القوة الأعظم في العالم، والوقوف في وجه عقوبات تراها بيونج يانج ظالمة ومجحفة تهدف لإركاع شعبها لإرادة الغرب، وذلك على الرغم من كل الروايات الغربية عنه التي تصوره أحيانًا «بالصبي المجنون» أو «الطفل المولع باللعبة النووية» و»المهووس بالشهرة».. التاريخ الأمريكي على الجانب الآخر حافل هو ايضا بالمغامرات العسكرية وبالخطايا كذلك.
التهديدات الراهنة هي أيضا ذلك التصعيد Escalation بالمعنى العسكري، فالأخبار المتواترة تقول إن بيونج يانج نقلت صاروخًا «ذي مدى كبير» إلى ساحلها الشرقي، وأنها أجرت تجارب على إطلاق الصواريخ في شرق البلاد، كما جرت اختباراتها الثلاث في مجال التسلح النووي هناك، وهو ما ردت عليه الولايات المتحدة بإعلان نقل درع صاروخية إلى جزيرة غوام الأمريكية بالمحيط الهادئ، وتحتمل التهديدات أيضًا أن تكون ضمن سياسة عامة للرد المرن Flexible Response وهي سياسة تصعيدية تهدف إلى الحصول على مكاسب لا تحققها المواجهات العسكرية، كمغانم السلام على سبيل المثال، وحتى الآن فالعديد من الأمريكيين يتعاملون مع التهديدات الكورية الشمالية الأخيرة على أنها فقط رغبة جامحة من جانب بيونج يانج، للحصول على امتيازات اتفاق سلام شامل وبعائد يتفق في قيمته مع حجم المخاطر في حال اندلاع الحرب، ويؤكد البعض على رغبة بيونج يانج في التخلي عن برنامجها النووي في إطار صفقة «عادلة».
ويجادل بعض الباحثين أن بيونج يانج بات في ذهن قادتها، أنها لن تؤخد على محمل الجد في محادثات السلام، إلا إذا دخلتها وفي حوزتها قوة عسكرية كبيرة وتهديد كبير يزداد معه حجم المخاطر المحتملة، وفي كثير من الأحيان «تتجاهل» واشنطن، أو هكذا يبدو، هذه المحاولات حتى لا يرتفع سقف المطالب الكورية الشمالية وتضطر معه واشنطن إلى تقديم تنازل يقلق حلفاءها في ظل هذه الأوضاع الملتهبة.. وفي المنطقة الرمادية لا ينبغي كذلك إغفال الجانب التآمري، فما زالت نظريات المؤامرة تطرح نفسها وبقوة في العلاقات التي تجمع أطراف الصراع بمن فيهم الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والجنوبية وحتى الصين واليابان وروسيا، حتى وإن ظلت هذه الفرضيات مجرد ظنون وشكوك في رأس مروجيها، وهنالك عدد من المحللين يعتبرون أن الولايات المتحدة هي من تدفع كوريا الشمالية للتصعيد بتعمد استفزازها واستخدامها مجلس الأمن وسيلة لتمرير هذا الاستفزاز، والسبب خوف القطب الأوحد في العالم على مصالحه الاقتصادية من المنافسة التجارية للمنتجات الكورية الجنوبية والتي بدأت تزدهر في أسواق العالم بشكل ملحوظ، يبدو هذا الاحتمال بعيدًا وبالنسبة للبعض مجرد خيال ولكنه مطروح، ولابد أن نتذكر أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أراد مهندسو السياسة الأمريكية بسط النفوذ الأمريكي الكامل على شبه الجزيرة الكورية، متخذين في سبيل تحقيق ذلك أساليب مختلفة، وذلك من أجل مصلحة اقتصادية وأيضا لمحاصرة الصين، ذلك العملاق الاقتصادي القادم والذي بات يؤرق الاقتصاديين ورجال السياسة الأمريكيين الآن أكثر من أي وقت مضى، مع تزايد النفوذ الاقتصادي الصيني ونمو الصناعة بشكل هائل وتسويق عملتها المحلية «الرينيمبي» كاحدى أقوى العملات العالمية المحتملة في العقد القادم، ومن غير المتوقع أن تترك بكين وموسكو، بيونج يانج وحيدة في حالة اندلاع أي مواجهات بينها وبين المعسكر الغربي، وستركز القوتان النوويتان على بذل كل الجهد من أجل منع واشنطن من الاستئثار بهذه المنطقة الاستراتيجية المهمة من العالم.
وقد عبر الكثير من المحللين بصورة أو بأخرى عن المنطقة الرمادية للصراع النووي في شبه الجزيرة الكورية، ومع تهديد الشمال المستمر بأن التدريبات العسكرية التي أجريت في المنطقة ستستجلب رد فعل انتقاميا، يعترف المحللون بأن عدم القدرة على قراءة نوايا بيونج يانج وعدم التقدير الجيد لقدراتها جعلا الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عالقين في مستنقع كوريا الشمالية، ولكن يبقى سؤال مهم، هل تحرك القوات الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية وإمدادهما بالدعم المطلوب وحده الكفيل بمواجهة تهديدات بيونج يانج؟.. في الواقع لا، فالسياسة الأمريكية تعتمد على محاور متعددة في التعامل مع هذه التهديدات، وربما ظهر الجانب العسكري أكثر هذه الأيام مع تصاعد وتيرة ولهجة التهديد الكوري الشمالي، ولكن هذه المحاور تعتمد أيضًا على محاصرة الموانئ الكورية الشمالية ومنع دخول البضائع سوى الأغذية والأدوية، وملاحقة حسابات النظام الكوري الشمالي وخاصة في أوروبا وآسيا، وإعادة التأكيد على رعاية بيونج يانج «للإرهاب» والتسويق لهذا عالميًا، وإقناع الدول الصديقة، مثل تايوان، بوقف تعامل شركاتها مع الشركات الكورية الشمالية فضلًا عن توسيع دائرة البث الإعلامي من كوريا الجنوبية لتصل المعلومات الغربية الموجهة للشعب الكوري الشمالي.
ماذا سيحدث لو اندلعت الحرب؟
على الرغم من التقارير العسكرية حول قدرات كوريا الشمالية النووية، فهناك من يشكك في قدرة صواريخ بيونج يانج على الوصول لقلب الأراضى الأمريكية كما يزعم الكوريون، فهناك كثير من اللغط حول ما إذا كانت بوينج يانج اعتمدت بالفعل على مزودات اليورانيوم لبرنامج تسلحها، على الرغم من أنها أعلنت عن إعادة تشغيل مفاعلها النووي الرئيسي في يونج بيون، وبالتالي لا يمكن معرفة ما آلت إليه عمليات تخصيب اليورانيوم بدقة، كما أنه ليس هناك دليل واضح على أن التفجير الأخير الذي أجرته كوريا الشمالية كان معتمدًا على اليورانيوم، ولكن في نفس الوقت لا ينبغى تجاهل تقارير كورية جنوبية زعمت بعد فحص أجزاء لسلاح كوري شمالي أن لدى الجارة الشمالية صواريخ يصل مداها لأكثر من 10 آلاف كيلومتر.
ولكن بشكل عام، يقسم خبراء الطاقة النووية الحروب النووية التي من الممكن أن تنشب في أي لحظة إلى نوعين مهمين، الأول هو صراع محدود الأثر تفرزه حرب إقليمية كالتي من الممكن أن تنشب فى جنوب آسيا، والثاني هو صراع غير محدود الأثر، كمواجهة نووية كبرى قد تنشب بين الولايات المتحدة وروسيا، وبالطبع فكلا النوعين نتيجتهما مدمرة بموت ملايين البشر والكائنات الحية بالإضافة إلى العواقب الكارثية على الإنسانية والعالم كله، والأكثر من ذلك، يجادل باحثو العلوم السياسية بأن المواجهات النووية، التي قد تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها، وحتى إن كانت على نطاق محدود للغاية، ستؤدي لصياغة نظام عالمي جديد في المستقبل أو «عالم ما بعد أمريكا» ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن يسببه انتهاء التحالفات ما بين واشنطن وأصدقائها حول العالم من تغيرات في معطيات وظروف السياسة الدولية على كل المستويات.
وبشكل عام، يجادل العلماء بأن الرؤوس الحربية النووية تفوق قدرتها التدميرية قنبلة هيروشيما، التي ألقتها الولايات المتحدة على اليابان عام 1945 بنحو 50 مرة، وتكفي الإشارة إلى أنه بمجرد حدوث التفجيرات النووية الأولى ستتسبب الانفجارات والهزات الأرضية والعواصف والحرائق الإشعاعية في قتل 20 مليون شخص على أقل تقدير خلال الأسبوع الأول وحده من وقوعها، ستنثر صواريخ كوريا الشمالية والولايات المتحدة في حال إطلاق أي منهما الصواريخ النووية تجاه الأخرى نحو 5 ملايين طن من السخام في الغلاف الجوي العلوي، ليس هذا فقط، بل سيمنع هذا السخام أشعة الشمس لتنخفض معها درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بمتوسط قدره 1.3 درجة مئوية على مدى عقد كامل.
ويقول العالمان آلان روبوك وأوين تون بريان إن مثل هذا الانخفاض المفاجئ لو حدث فسيسفر على الفور في انخفاض معدل هطول الأمطار، ما من شأنه أن يتسبب في خفض الإنتاج الغذائي وخاصة الحبوب كالقمح والذرة، وحدوث مجاعات وأوبئة وسوء تغذية يصعب الحد من انتشارها، لأن معدل الانتشار سيكون مثل انتشار النار فى الهشيم.. ويقول روبوك ان العالم غير قادر على تحمل انخفاض في الإنتاج الغذائي بهذا الحجم لو حدث، فاحتياطيات الحبوب العالمية تعادل حاليًا استهلاكًا أقل من 3 أشهر، ويكون نحو مليار شخص على سطح كوكب الأرض معرضين لخطر المجاعة بشكل مباشر في أعقاب مجرد «حرب نووية محدودة».. ولا يمكن تخيل مناخ صحي على سطح هذا الكوكب في حال حدوث حرب نووية محدودة، سيخسر العالم كثيرًا لو اندلعت هذه الحرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.