انظر إلى سلوك الطفل، يظن أن ما يرغب فيه ويريده، من حقه الحصول عليه فورًا بلا إبطاء، وسيفسر منعه عنه بالافتئات على حقه وكعدوان عليه!. أهناك فرق بين موقفه هذا ومواقف البالغين؟. في الغالب فرق شكلي.. الأنا التي تؤدي دور الوسيط المتعامل مع العالم الخارجي لا تكون قد نمت بعد في الطفولة إلى نضج يمكنها من إدراك حدود وشروط وممكنات هذا العالم، فيما بعد ستنمو، وقد تبلغ النضج، وفي حالات أقل قد تبلغ الحكمة. الأنا النامية عند الكبير ستعلمه السيطرة على انفعالاته إذا ما اصطدمت رغباته بما يحول عنها، لكنه سيواصل رصد الفرص وتحيّنها، وتقدير الوسائل لبلوغ مبتغاه، تحدد درجة نضج الأنا ما يترتب على ذلك من انفعالات وسلوك، والتمييز بين الممكن وغير الممكن، بين المفيد والضار، إلا أنها نادرًا ما تتأمل التمييز بين الحق واللا حق، فإذا لم تتأمله لا تكون ابتعدت عن الموقف الطفولي بعيدا، فقط تكيف سلوكها مع أنا نامية، أما حقيقة موقفها فكما هي. الطفل يفضح مكنونات الكبير، وما في الإنسان من غباوة وجهل وعدوان، الغباوة والجهل هنا نقيضا الحكمة لا الذكاء، أما العدوان فقرين العجز عن رؤية الحق وتمييزه، جرب وتجاهل الحق واعتبره غير ذي موضوع، ستتورط تلقائيًا في فعل عدواني، ولا يشترط ارتباطه بعمل عنيف، العدوان هو أن تتجاوز الحق، لذلك الظلم والعدوان مترادفان. بسبب ندرة الأنا الحكيمة عليك أن تردد عن افتراض الحكمة في إنسان، قد يرى الإنسان الحق إن لم يتعارض مع رغباته، إذا تعارض سيتحايل عليه. مجتمع هذا حال أناواته (جمع أنا)، وكل المجتمعات الإنسانية على هذه الحال، لن يحتمل عيشه دون ضبط، إما ضبط نفسي داخلي ببلوغ جميع أفراده درجة الحكمة، وإما ضبط خارجي بالقانون، ولأن الاحتمال الأول مستبعد فالثاني ضرورة لا يمكن تجنبها.. أول ما يدرسه طالب قانون «نظرية الحق»، الحق العملي الذي يحتاجه مجتمع لضبط علاقاته، لا الحق على إطلاقه الذي تتزن به الأكوان، الأخير أخفى من أن يبحثه فقه قانون معني بالاحتياجات العملية لمجتمع، مع ذلك، العقل الذي برأ من نزعات النفس (العقل المجرد) قادر على الاقتراب من الحق المطلق والإحساس به، شرط البراءة هذا عسير، لأن العالم الخارجي لن ينفك عن إغراء النفس بغير مصلحتها، كل الشواهد ستقول إنها ستنتفع بما يغريها به. لذلك تقع الحكمة دائمًا وأبدًا وراء الظاهر، ليست فيه أو منه، لهذا هي صعبة البلوغ. يستطيع العقل المجرد بعد جهد جهيد وفي حالات أندر من الندرة اكتشاف كيف يحقق الحق المطلق مصلحة ذاتية، هذا الاكتشاف يضع صاحبه على مشارف ما وراء الظاهر، لكنه لن يستطيع أن يتقدم به بعدها خطوة واحدة، هذه هي حدوده، بعدها الدين وحده هو القادر على الإرشاد إلى باقي الطريق. لاحظ كيف يرتبط الحق في جميع أحواله (متوهم أو عملي أو مطلق) بمصلحة!!، وما خفاء الحق المطلق إلا بسبب خفاء المصلحة فيه. وكيف أن العدوان هو الآخر يتذرع بمصلحة!، فيبدو وكأنه حقٌّ. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain