لقد أكدت الأيديولوجيات الرأسمالية والاشتراكية الجدلية الجمهورية الثورية عبر التاريخ الحديث والمعاصر أن الجدل هو القانون العلمي المحرك للتاريخ نحو المزيد من التقدم والرقي الحضاري من خلال قانون وحدة الاضداد وصراعهما باستمرار وما ترتب على ذلك من محاولة الموجب أن يتغلب على السالب عبر قانوني التغيرات الكمية والكيفية ونفي النفي صموداً من الجمود إلى الحركة ومن الحركة إلى التغيير ومن التغيير إلى التطور الذي لا نستطيع أن نرى له نهاية معلومة من البداية التي نقف عندها لأن الحاضر الذي نقف فيه يتحول إلى لحظة توسط بين ما قبله من ماضي حافل بالدروس والعبر، وما بعده من مستقبل واعد بالكثير من التبدلات المرتبطة بحاجة الإنسان إلى الحياة، وحاجته إلى الحضارة، بل وقد يتجاوز الحياة الضرورية والحضارة، إلى حاجات روحية مرتبطة بما بعد الحياة والموت من البعث والخلود ومن الجنة والنار والثواب والعقاب عند المؤمن بالله. قد تكون الفكرة المثالية الجدلية الإيديولوجية ذات صلة بجذور الثورة اللبرالية الرأسمالية وقد تكون المادية الجدلية الإيديولوجية ذات صلة بجذور الثورة الاشتراكية الشوعية وقد يكون جدل الإنسان له جذور إيديولوجية ذات أبعاد مادية وروحية مرتبطة بالثورة العربية الإسلامية طبقا لقوله تعالى" وكان الإنسان أكثر شيئاً جدلا" أي أن الكثرة الجدلية تدل على العبقرية القيادية للإنسان هذا الكائن الذي ميّزه الله بالعقل وبالإرادة وأناط به المسؤولية القيادية في الاستخلاف. أعود إلى موضوعنا، الحديث عن أسوأ أنواع الأزمات السياسية، وأسوأ أنواع التوظيفات السياسية التي تتخذ فيها الحكومة أو المعارضة مادة للمزايدة والمكايدة السياسية ذات الظاهر التابع من الحرص على التخفيف من المعاناة ذات الباطن الذي يهدف إلى تحقيق المكاسب السياسية أو الانتخابية والمادية من خلال المتاجرة بمعاناة الناس وإذا كانت الأزمات المفتعلة هي الأسوأ، فإن التوظيف الانتهازي لما تحدثه الأزمات هو الأسوأ، أياً كانت دوافعه الذاتية سواءً أكانت سياسية، انتخابية أو انقلابية ذات صلة بالسلطة، أو كانت منافعية مادية اقتصادية ذات صلة بالثروة وسواء كان ذلك الافتعال على مستوى الفرد أو كان على مستوى الجماعة أو الحزب وقبل أن استطرد بالحديث عن صنّاعها ممن يمكن وصفهم بالفاسدين والمفسدين أعداء الحياة والحرية والوحدة والديمقراطية والتنمية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية الخ.. أياً كانت مواقعهم أكانوا في موقع الحكم أو في المعارضة لابد أن أقف في الحلقة الأولى من هذا المقال أمام ما أقصد به في العنوان الثاني (المظاهرات والاعتصامات بين جدل الحق وفلسفة الواجب) حتى لا تتحول إلى أحداث شغب تستبدل ما ترفعه من الشعارات والخطابات والبيانات السلمية النابعة من الحرص على توازن المصالح الخاصة والمصالح العامة بشعارات وخطابات وبيانات عنيفة ومطالبة بالعودة إلى ما قبل الثورة اليمنية وإلى ما قبل الوحدة اليمنية وقد تدفع الغوغا من العامة إلى إقلاق الأمن وإشاعة الفوضى وما يترتب عليها من السلب والنهب والتخريب وسفك الدماء وإزهاق الأرواح بصورة مدمرة للحقوق الخاصة والحقوق العامة على حد سواء. قد يكون السعي إلى استخدام الحق بمعزل عن الواجب الذي يحميه، في ظاهره النظري عمل مشروع يتفق مع الدستور والقوانين النافذة، لكن في ميدان العمل والواجب الناتج عن الممارسة الفوضوية اللامسؤولة سرعان ما يغادر الحدود المشروعة للحق ويتحول إلى باطل مثقل بالاعتداء السافر على الوطن والشعب بل وعلى كافة الحقوق والحريات المنظمة التي كفلها الدستور ونظمتها القوانين النافذة. نظراً لما يترتب عليه من تناقض بين حقي الموجب، واعتداء سالب على حق الآخر أي أن حقي في الحياة والحرية يتصادم مع حق الآخر في الحياة والحرية بصورة تتنافى مع المواطنة اليمنية المتساوية أقول ذلك واقصد به أن ممارستي المغلوطة لما اعتقد أنه حقي المطلق سرعان ما يتصادم مع الحق الآخر ويحل محله بصورة عدوانية يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد على الإطلاق، نظراً لما تسفر عنه من الخراب والدمار الناتج عن الهدم بدوافع أنانية وانفعالات مجردة من حكمة العقل وواقعية العلم وقدسية القانون، قد تقول الأحزاب أن التظاهرات والاعتصامات من الحقوق الدستورية المكفولة من الناحية الجدلية والفلسفية على واجب يساويه في القوة ويحميه من مغبة الإضرار بحق الآخر وحريته رغم انه لا يشك أحدا ولا يستطيع أحد أن يشكك قط إنكم بما تمارسونه من المظاهرات والاعتصامات لا تخرجون عن الدستور والقوانين النافذة بقدر ما تجسّدون الطبيعة السلمية للممارسة الديمقراطية العقلانية الهادئة والهادفة إلى خلق ما تحتاجه التنمية من الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي لا يتصادم مع قدسية النظام والسكينة العامة لكي لا تتحول البلاد في ظل الاستخدام المتعسف للحق في غياب الواجب إلى غابة يأكل فيها البعض الحقوق المكفولة للبعض الآخر، على قاعدة ما نطقت به الحكمة المستمدة من مقولة " فولتير" ذلك الفيلسوف الفرنسي المستنير، الذي ناضل من أجل الانعتاق من دياجير العصور الوسطى إلى ما أطلق عليه بعصر الأنوار أو التنوير حسب قوله" قد أختلف معك في الرأي وفي الموقف لكن فيما يتعلق بحماية رأيك فأنا على استعداد مطلق لدفع حياتي ثمنا لحريتك" وهو ما جعل منظرو الحرية وفلاسفة القانون يجزمون بضرورة التوازن المستمر بين الحق وبين الواجب، وعدم تجاهل أي منهما في الاستخدام المتعسف للآخر لأن الحق المطلق ظلم مطلق وكذلك الحرية المطلقة مفسدة مطلقة مثلها مثل الاستبداد المطلق الذي لا ينتج عنه سوى الواجب المطلق الذي يستدل منه على العبودية الظالمة المقطوعة الصلة بالحرية والحق. لأن حريتي وحقي ينتهي عند بداية اللحظة التي يبدأ فيه بالتصادم مع حرية الآخر وحقه ومعنى ذلك أن هناك مسؤولية توجب على الفرد والجماعة الاستخدام المنظم للحرية والحق في نطاق الالتزام بما عليه من واجب حتى لا تؤدي الفوضى إلى تناقض الحق مع الواجب لأن واجبي تجاه الآخر يحتم عليّ أن لا اترك المجال لحقي في الحياة والحرية في الطغيان على الحق المشروع للآخر، كما هو واجب الآخر تجاهي ان لا يطلق العنان لحقه في الانفلات الفوضوي الذي يتنافى مع ما هو لي من الحق في الحياة والحرية وواجبنا، أنا وأنت-النحن- يحتم علينا تنظيم حقوقنا بما لا يؤدي إلى التناقض والتضاد مع حقهم، كما أن واجبهم يحتم عليهم تنظيم ما لهم من الحقوق بما لا يؤدي إلى تناقضها مع ما لنا من الحقوق في الحياة والحرية التي كفلها الدستور ونظمتها القوانين. وهكذا قيل أن المرجعية الدستورية التي تكفل سلسلة مركبة من الحقوق الجدلية المترابطة لأبناء أمة معينة لابد لها من قوانين نافذة ومعنية بتنظيم وحماية الحقوق والواجبات الحياتية النابعة من الحرص على تحقيق المواطنة المتساوية وذلك ما يميز المجتمعات الديمقراطية المنظمة عن المجتمعات المستبدة والفوضوية، لأن الدستور أبو القوانين والقوانين هي التفاصيل التنظيمية للحقوق الدستورية وما تنطوي عليه من قدسية مهابة من الجميع في الاستخدام الناضج للتعدد والتنوع والتداول الدستور والقوانين النافذة يمثلان نواحي الإرادة والمشيئة الإلهية المتناغمة مع الإرادة والمشيئة البشرية المنظمة للعقل الإنساني، في رحلة الاستخلاف على الأرض أحد أهم الكواكب الحية المنحدرة من ملايين ربما مليارات الكواكب التي تتكون منها المجرات الكونية المجسدة لعظمة الله ووحدانية الخالق للإنسان والكون معاً والتي لا نستطيع حصرها وقياس سرعتها وحركتها الدقيقة الموحدة بدقة علمية تدل على عظمة الخالق إلاّ بالسرعة الضوئية لذلك قيل بأن الحرية فطرة الله التي فطر عليها الإنسان بما وهبه من عبقريات العقل والإرادة الفاعلة لا نجد لها صفة موازية في غيره من المخلوقات الحيوانية والنباتية والجمادية الكونية باعتباره السيد الوحيد المدرك لدوره. أعود فأقول" أن الديمقراطية لا يمكن النظر إليها من زاوية الحكم المجرد من المعارضة ولا يمكن النظر إليها من زاوية المعارضة المجردة من الحكم لأن الدولة الديمقراطية سلطتان لا سلطة واحدة إحداهما مادية والأخرى معنوية على ما ينطويان عليه من التعدد والتنوع. قد تكون سلطة الحكم أكثرها مادية محسوسة وملموسة وأقلها معنوية قانونية وثقافية وقد تكون سلطة المعارضة هي الأخرى أكثرها معنوية وفكرية يتداخل فيها القانوني بالثقافي وأقلها مادية لا يندرج في نطاقها المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المخولة للأغلبية الحاكمة المعنية بتشريع وتطبيق القوانين المنظمة للحقوق والواجبات هكذا ينبغي النظر إلى الدولة الديمقراطية من منهجية ثنائية مكونة من سلطتان في دولة واحدة يصح القول بأن الأغلبية الحاكمة تمثل الوجه الأول في حين تمثل الأقلية المعارضة الوجه الثاني وما يوجد بينهما من العلاقة الجدلية التي تفترض الاختلاف في نطاق الوحدة والتعدد والتنوع في نطاق الحدود الدنيا والعليا للثنائية صاحب الأغلبية لا يمتلك سلطة الإضرار بما لصاحب الأقلية من الحق والواجب والعكس صحيح إن صاحب الأقلية هو الآخر لا يمتلك سلطة الإضرار بما للآخر من الحق والواجب وهكذا دواليك من الحركة السريعة والطليقة ما تكاد تبدأ إلاّ لتنتهي وما تكاد تنتهي إلاّ لتبدأ ورغم ما كفله الدستور ونظمته القوانين النافذة من السلطات المادية والمعنوية لطرفي العملية التنافسية الديمقراطية الملزمان بإحترام إرادة الشعب ومصلحة الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة عن طريق التنافس الشريف بصمت ونكران للذات على خدمة الوطن والشعب والسعي بالأساليب السلمية للحصول على ما يحتاجانه من الثقة ولكن عبر المرور من بوابة الشرعية الانتخابية دون غيرها من البوابات والنوافذ الأخرى المتعددة.. أقول واقصد بالقول أن التداول السلمي للسلطتان الحاكمة والمعارضة لا يتم عبر الاستخدام المتعسف للحق في التظاهر والاعتصام بهدف إسقاط أي من السلطتين لأن واجباً منهم بالحكم لا يسمح لهم باستخدام ما لديهم من القاعدة الشعبية للإضرار بسلطة المعارضة وبالمقابل فإن المعارضة التي تمتلك حق التظاهر والاعتصام والإضراب للحصول على مطالب مشروعة يمنعها واجبها من تحويل المظاهرات والاعتصامات والإضرابات إلى أحداث شغب تستهدف الإضرار بما هو مكفول للهيئة الناخبة من الحقوق والواجبات بدافع الرغبة في إسقاط الأغلبية من موقع الحكم أي الاستيلاء على الحكم بالأساليب الفوضوية غير الديمقراطية الهادفة حصرا للإضرار بما يتمتع به الشعب من نعمة وقدسية النظام العام المجسد لقيم الأمن والاستقرار كمدخل وحيد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والدائمة نظراً لما يترتب على اللجوء لمثل هذه الأساليب العدوانية الفوضوية من فلتان سياسي ودعائي غير ديمقراطي يتحول إلى نوع من الفلتان الأمني المدمر لكل ما تحتاجه الحياة والحرية من التنمية الاقتصادية الاجتماعية من حشد وتعبئة الإمكانات البشرية والمادية العلمية والعملية البناءة قد يكون من حق المعارضة الدعوة إلى هذا النوع من الأساليب الديمقراطية ولكن في نطاق الحصول على بعض المطالب الدستورية والقانونية المغيبة من قبل الحكومة لكن أن تتجاوز مثل هذه المطالب المشروعة إلى الاستيلاء على السلطة بالقوة المادية وبالقوة المعنوية سواءً كانت قوة السيف وقوة الدعاية والخديعة عبر الانقلاب على الجمهورية أو الانقلاب على الوحدة اليمنية أو عبر الانقلاب على الديمقراطية المتمثلة بالتعددية والتداول السلمي للسلطة بالشرعية الانتخابية فذلك هو الاستخدام المتعسف للحق والتنصل الجائر والفوضوي من الواجب باعتباره المرادف الموضوعي للحق يدخل التجربة الديمقراطية في صراع الدوامة العنيفة للمراهقة العدوانية المدمرة للنظام العام والسكينة العامة وقد يعرض المكاسب الوطنية العظيمة للثورة للانهيار في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية على نحو يدمر الدولة الديمقراطية بما لديها من المؤسسات والسلطات الدستورية المكتسبة وقد لا يصل إلى هذا الحد أو ذاك من الانقلاب على الشرعية الدستورية والقضاء على مكاسب الشعب، لكنه قد يتسبب حتماً في إشغال الأغلبية الحاكمة والحيلولة دون تفرغها لتطبيق ما صدر عنها من وعود انتخابية، ملزمة بدواعي الانشغال في حماية النظام العام والمحافظة على الأمن والاستقرار والسكينة العامة بما تسببت به المعارضة من اضطرابات ناتجة عن تحول المظاهرات والاعتصامات إلى أحداث شغب وفي ذلك ولا شك شبهة قد يتم اتهام المتسببين بها والمروجين والمحرضين لها بتهم العداء للهيئة الناخبة والتصادم مع إرادة الشعب قد تتخذ منها الحكومة مبرراً لقمع المعارضة بقسوة لا تخدم الديمقراطية ولا تفتح أمامها الأبواب المغلقة جزئياً في سباق التداول السلمي للسلطة في أول محطة من المحطات الانتخابية المعلومة أقول ذلك وأدعو عقلاء المشترك وعقلاء المؤتمر إلى تجنب الاستخدام اللامشروع لما لهم من حقوق في غياب ما عليهم من الواجبات لإشاعة الفوضى وإشعال الحرائق وإهدار الجهود والطاقات في زوابع العواصف الناتجة عن تصادم السحب المكونة لاعمدة الدخان الأسود عبر مخرجات تبريرية في ظاهرها الحرص على مصالح الشعب وحماية ما حققته الثورة من المكاسب الوطنية وفي باطنها التراجع إلى الشمولية المستبدة المعادية للديمقراطية أعود فأقول أن ما يحدث اليوم من إشكالات ناتجة عن تبادل المتاهمات الفاسدة بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة في بلادنا تدفع كل طرف إلى استعراض قاعدته الشعبية في مواجهات قد تصل إلى حد تصادم المظاهرات والاعتصامات مع غيرها من المظاهرات والاعتصامات المضادة. أو قل تلك التي قد تفوقها في القوة إذا لم تساويها وتعاكسها في الاتجاه والشعارات في معركة دامية ومدمرة للحياة والحرية والتنمية لا تتفق البتة مع ما وصلت إليه التجربة الديمقراطية اليمنية من التقدم والرقي الحضاري الذي جعل الممارسة الواسعة للعمل الديمقراطي تسبق ما لدينا من الوعي الناتج عن ثقافة ديمقراطية محدودة لا يمكن قياسها مع ما وصلت إليه الديمقراطيات الناضجة في العالم من توازن الممارسة والثقافة. قد تقول أحزاب المعارضة أن ما دفعها إلى مثل هذه الأساليب التي مارست الإفراط والتفريط في طلاق الواجب الوطني أثناء ممارستها للحق المطلق ناتج من عجز حكومة الأغلبية عن تطبيق البرنامج الانتخابي للأخ رئيس الجمهورية فأقول بالأحرى أن الانتخابات البرلمانية القادمة هي أول محطة من المحطات الانتخابية المفتوحة للحساب من قبل الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح وحجب الثقة وأن المعارضة ستكون هي المستفيد الوحيد من فشل حكومة الأغلبية إذ استطاعت الضغط قدر الإمكان على ما لديها من الاحتقانات والانفعالات المتوترة وأبعدت نفسها عن الأساليب الانتهازية غير المقبولة من الشعب وجعلت الاحترام لواجبها الوطني هو المرادف الموضوعي للاستخدام العقلاني للحق، قد لا تكون ملزمة بالتعاون مع الحكومة حسب ما تمليه عليها مصالحها الانتخابية الخاصة، من تقديرات وتوقعات تقربها أو تباعدها من الهيئة الناخبة سلباً وإيجاباً لكنها بالتأكيد ملزمة بعدم الفصل بين ما لها من الحقوق الوطنية وما عليها من الواجبات الوطنية وعدم الدخول بأية ممارسات تتجاوز الحقوق الذاتية إلى الاضرار بما هو مكفول للآخرين من المصالح الموضوعية. أي ان الوصول إلى ما تتطلع إليه من التداول السلمي للسلطة غاية نبيلة لا يمكن البلوغ إليها إلا من خلال الأساليب الشريفة ومن خلال حسن استخدام سلطة المعارضة للدخول بمنافسات انتخابية متكافئة تجعل الثقة بها مقدمة على الثقة بحزب الأغلبية الذي تميز بعبقرية رئيسه وحسن إدارته للعبة السياسية. تستطيع المعارضة ان تمارس ما لديها من سلطات نقدية بناءة عبر ما لديها من الصحافة الحرة وبكل الاساليب المشروعة دون خوف من الحكومة وانها ليست ملزمة بمهادنة الاغلبية والمدافعة الغوغائية عن فسادها الناتج عن تهاونها في مهامها البرنامجية وقد لا تكون من مسؤولياتها القانونية التعاون مع الحكومة لتحسين الاحوال المعيشية للهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة مالم تكن مقتنعة لاسباب أخلاقية بان التوظيف السياسي الانتهازي لمعاناة الشعب يباعد بينها وبين التداول السلمي للسلطة وقد تجد نفسها في حالة الاقتناع بان التعاون افضل من التنافر في ظروف الازمات الصعبة والطارئة بدواعي الواجب، مضطرة إلى القيام بمبادرات عملية تدعم حكومة الاغلبية وتساعدها على التخفيف من المعاناة إذا اقتنعت ان الابتعاد عن توظيف المعاناة المعيشية للشعب أقرب الطرق الموصلة إلى ثقة الهيئة الناخبة وذلك يبدو بعيد المنال حتى الآن، أي ان المعارضة عودتنا ان التعاون مع الحكومة هو الطريق الصعب الذي لا يجب سلوكه في سباق التنافس على السلطة. إنها –أي المعارضة- تمتلك من السلطات ومن الحرية ومن الحقوق ما يمكنها من انتهاج السياسات والمواقف التي تعتقد انها الأقرب إلى ثقة الهيئة الناخبة بحكم ما لديها من الخبرة العملية الطويلة المكتسبة من مشاركتها في ثلاث محطات انتخابية نيابية ومحطتين انتخابيتين رئاسية ومحلية جعلتها أكثر نضجاً وعقلانية لكن حاجتها الأولى إلى الربط الجدلي الدائم والمستمر بين الحق وبين الواجب حتى لا تجد نفسها ضحية ما لديها من الاستعجال ولا يتأتى لها القيام بذلك ما لم تستفد من اخطائها الماضية من خلال الاستعداد للمراجعة والتراجع إلى الصواب وما لم تتسلح بالقناعة الموجبة للزهد في تطلعاتها المشروعة للتداول السلمي للسلطة، لأن عدم العقلانية وعدم الموضوعية والطمع بالسلطة يدفعها إلى مغامرات تفقدها المصداقية والثقة مهما كان لديها من النوايا الحسنة. لأن الحكم على الصواب وعدم الصواب ما يصدر عنها من مواقف عملية تالية للنوايا وليست سابقة لها بأي حال من الاحوال, فهي تالية لما يصدر عن النوايا الحسنة من الاقوال والافعال الحسنة والملامسة لحياة الناس وحاجتهم. وعوداً إلى ذلك استطيع القول ان الأزمات الاقتصادية الايرادية المفتعلة التي يصنعها الفاسدون والمفسدون تعتبر أسوأ انواع الأزمات المهددة لحياة الناس وحرياتهم وأمنهم واستقرارهم المعيشي والحياتي. واستطيع القول بالمقابل ايضاً ان أسوأ انواع التوظيفات السياسية الانتهازية للمعاناة تكمن في محاولة السياسيين الاستفادة من الأزمات الاقتصادية اللاارادية الطارئة رغم معرفتهم انها ذات اسباب خارجية تخرج عن نطاق ما تروج له المعارضة من الفساد المطلق للحكومة كما هو الحال في محاولة استغلال أزمة الزيادة السعرية.