يقال فيما يقال ان اخوان الصفا وخلان الوفاء كانوا في رسائلهم الواحد والخمسين الموجهة للأمة قد نظروا للمجتمع بأنه يعاني من ظاهر صحيح وباطن مريض ويحتاج إلى نوع من الاطباء المدركين الذين ينطلقون من الظاهر الصحيح لمعالجة الباطن المريض في حواراتهم السياسية التي نصت عليها رسائلهم الفلسفية الغامضة التي تحتاج إلى علماء يدركون أبعاد ما تهدف إليه من معالجات سياسية لما يفتك بالأمة العربية والعالم الاسلامي من العقد والامراض والمخاوف الناتجة عن فساد الدولة العباسية في عصرها الثاني، الذي اصبح فيه الخليفة بلا صلاحيات ولا سلطات عبارة عن "رمز ديني" لا حول له ولا قوة قياساً بالسيطرة المطلقة للملوك البويهين والملوك السلاجقة الذين أحكموا سيطرتهم على السلطة والثروة والقوة. أعود فأقول إن الكثير من المراقبين السياسيين الذين يتابعون الحركة الجدلية الصاخبة للعلاقة غير الطبيعية بين أحزاب اللقاء المشترك وبين الحزب الحاكم في بلادنا وما يتخللها من الخلافات والاتفاقات والصراعات والحوارات، العديمة البداية والنهاية المثمرة، ويجزمون بأنها اصبحت تدل على عقليات معقدة ونفسيات محبطة أو بائسة لا تعرف من أين وكيف تبدأ ولا تعرف ماذا تريد؟ ولا تعرف كيف تنتهي إلى تحقيق ما تريد؟ نظراً لما يسودها من الباطنية وعدم الوضوح الذي يدل على ظاهر يتناقض مع الباطن بنوع من التقية الشيعية المخيفة. وإذا كانت مشكلة أحزاب المشترك تكمن في عدم قدرتها على الانتقال بحواراتها مع الحزب الحاكم من الظاهر المعلن الذي لا تريده رغم المزايدة عليه إلى الباطن غير المعلن الذين تريده ولا تقوى على الحديث عنه تصريحاً وتلميحاً، فقد فشلت جميع الحوارات مع كل القيادات التي تتحاور على شيء لا تعرفه، لأنها لا تنطلق مما هو ظاهر دون علم بما خلفه من مطالب مستترة تحتاج إلى علماء في علم الحوار يشبه ذلك النوع من الاطباء المتعمقين بعلم النفس الذين تحدثت عنهم رسائل اخوان الصفا وخلان الوفاء، طالبة منهم الإقتراب من المصابين بمرض الباطنية ومصاحبتهم وصولاً إلى تبادل الثقة معهم ومكاشفتهم بما فيهم من المرض، ولا يوجد منهم سوى الرئيس علي عبدالله صالح الخبير في حواراته مع هذه الاحزاب الباطنية، الذين ينطلقوا من المزايدة على المستحيلات المبدئية المعلنة للحصول على ما بعدها من الممكنات الخفية، التي لا يستطيعون الحديث عنها بأصوات عالية وبالصراحة المحرجة لهم أمام الهيئة الناخبة لذلك نجد الحوار الذي في ظاهره الحرص على اصلاح المنظومة الدستورية والقانونية النافذة ليس هو الحوار الذي في باطنه الحصول على قدر معقول وغير معقول من السلطة والثروة باسلوب الصفقات الشمولية التي لا تتفق مع الديمقراطية والشرعية الانتخابية التي يكثرون من الحديث عنها دون الاقتناع بها البتة في أجواء الازمات التي يستدل منها على مزيد من أزمة الثقة المركبة وأزمة الثقافة الديمقراطية المكتسبة وما توجبه من ردم الهوة بين المعلن وغير المعلن من الحوار والمطالب السياسية؛ أي حوار داخل الحوار. كيف لا.. وقد أكدت التجربة والممارسة أن احزاب اللقاء المشترك تقول ما لا تعمل وتعمل ما لا تقول، وما برحت في كل يوم تكشف عن مطالب شمولية وغير منطقية وفق ما لديها من خبرات سياسية على تنويع أوراق الضغط الهادفة إلى ارباك الحزب الحاكم، وفق مخرجات تدل على تجاهل للديمقراطية، وقد يكون على جهل بالديمقراطية معتقدة خطأ أنها سوف تكون المستفيدة في المستقبل مما تحدثه في الحاضر من الزوابع الاعلامية والزوابع السياسية المحملة بتلك المطالب الشمولية غير الديمقراطية الهادفة مع سبق الإصرار والترصد إلى تشويه الصورة الجميلة للتجربة الانتخابية اليمنية التي نالت اعجاب الهيئات والمنظمات والدول الداعمة للديمقراطية في العالم، دون ملل من تكرار العزف على الأوراق القديمة الجديدة التي تستخدمها في كل زمان ومكان، وسنحاول فيما يلي الاشارة إلى أهمها على النحو التالي: - ورقة الصحافة والدعاية غير المسؤولة التي شككت فيها بتجربة ونزاهة العملية الانتخابية التي أجريت في أجواء مفتوحة وشفافة للرقابة المركبة الحزبية والمستقلة والدولية على طريقة الوزير النازي "غوبلز" القائل أكذب ثم اكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس. - ورقة اللجوء إلى الشارع عن طريق الاستخدام المتعسف للاعتصامات والاضرابات والمظاهرات والمسيرات التي تحولت إلى احداث شغب عنيفة تؤيد الإمامة في صعدة وتؤيد الانفصال في الجنوب مثل: - المطالبة بالحد من ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الغذائية. - المطالبة بحل مشاكل المتقاعدين العسكريين والمدنيين الجنوبيين. - المطالبة باعادة المبعدين العسكريين والمدنيين إلى اعمالهم من الجنوبيين دون غيرهم من الشماليين. - المطالبة بتشغيل العاطلين عن العمل من الخريجين وغير الخريجين. - المطالبة بايقاف حرب صعدة من جهة ومعارضة اعلان وقف الحرب من جهة ثانية. - دعم القضية الجنوبية. - ورقة اللجنة العليا للانتخابات واصلاح النظام الانتخابي على أساس القائمة النسبية. - ورقة التعديلات الدستورية والتحول إلى النظام البرلماني. - ورقة الحكم المحلي الواسع الصلاحيات ومقاطعة انتخاب المحافظين. - ورقة المؤتمر التشاوري وتشكيل اللجنة الاستشارية التحضيرية من 30 شخصية من احزاب اللقاء المشترك، لا يعرف مقاصده وأهدافه ولا يستند إلى شرعية دستورية وقانونية سوى المزاجية. ومعنى ذلك ان المعارضة تعيش أزمة ثقة مركبة مثل: أزمة ثقة بالحزب الحاكم + أزمة ثقة بالهيئة الناخبة + أزمة ثقة بنفسها + أزمة ثقة بقدراتها التنافسية، إلى غير ذلك من الأزمات المعقدة. وهكذا نجد أنفسنا أمام سلسلة من الأوراق ذات المطالب الشمولية غير الديمقراطية، ما تكاد تبدأ من الفراغ إلا لتنتهي إلى المزيد من الفراغ، لا علاقة لها بالمطالب الدستورية والقانونية المعقولة والمقبولة من قبل المراقب المحايد الذي يقيس الثقافة الديمقراطية من خلال الخطابات الاعلامية والسياسية للأحزاب والتنظيمات السياسية ومن نوعية المطالب التي تهدف مثل هذه الأوراق والخطابات والبيانات إلى تحقيقها بما تطلق عليه الحوارات والتنازلات المتبادلة بين منهم في الحكم ومنهم في المعارضة التي هي اقرب إلى الديمقراطية البلدية منها إلى الديمقراطية العالمية. واذا كانت خطابات وبيانات وأوراق المعارضة تحسن الإثارة وما يترتب عليها من اشعال الحرائق والازمات السياسية المقلقة للأمن والاستقرار مهما كانت قدرة الحزب الحاكم على اطفاء تلك الحرائق واخراج البلد من الدوامة العنيفة لتلك الأزمات، إلا انها تشغل حكومة الأغلبية بمعارك جانبية تعمل للحيلولة دون التفرغ لتطبيق ما لديها من الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتحسين الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية، والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الانسان. أقول ذلك واقصد به أن ما تقوم به معارضة اليوم من ممارسات غير ديمقراطية يائسة تؤكد للهيئة الناخبة بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت في مرحلة الشرعية الثورية والدولة الشمولية أفضل من التنمية في مرحلة الشرعية الدستورية، على ان ما قد تعتبر المعارضة انه نوع من الشطارة في التفاف على الدستور والقوانين النافذة وتعطيل للمؤسسات الدستورية، يفتح المجال لأغلبية اليوم ومعارضة الغد بأن تسقى معارضة اليوم واغلبية الغد من نفس الكأس الذي شربت منه بالأمس في سلسلة من الأفعال وردود الأفعال التي تساويها في القوة وتعاكسها في الاتجاه، طالما كانت الممارسات اقرب إلى الفوضوية المنفلتة منها إلى الديمقراطية المنظمة، تفتقد للثقافة والوعي بالديمقراطية الذي يجب ان يسبق الممارسة ويوجهها في المسارات الصحيحة للأيديولوجية الليبرالية. اقول ذلك وأقصد به أيها السادة المعارضون أن الديمقراطية من الخيارات الصعبة التي تحتاج إلى عقليات مستنيرة قادرة على التعامل معها في موقع الحكم، وفي ساحة المعارضة، في موقع الناخب وفي موقع المرشح، في موقع المسئولية وفي ساحة المواطنة داخل الأسرة والعشيرة والقبيلة وداخل المدرسة والجامعة في المساجد وفي الجوامع، داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية وداخل الهيئات والمنظمات والاتحادات النقابية والمهنية، داخل الجمعيات والمنظمات الخيرية والتعاونية وكافة منظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط الشعبي المعنية في ارشاد الهيئة الناخبة للممارسة الديمقراطية السليمة والبناءة، تحتم على الجميع مراجعة مواقفهم من وحي اقتناعهم ان الديمقراطية ثقافة نظرية مقترنة بالتجربة والممارسة العملية لا يمكن التعامل معها بعفوية وتلقائية مرتجلة وخالية من الاحساس بخطورة ما يترتب على الحركة والفعل الفوضوي من تبعات وآثار سلبية هدامة تلحق الضرر بالوطن والمواطن بصورة تظهر الديمقراطية بأنها عمل يتنافى مع النظام ومع سيادة القانون، وانها بداية الانحراف عما عرفت به الديمقراطية من أهداف اقتصادية واجتماعية وثقافية نبيلة تؤكد للشعب بأن الديمقراطية في جوهرها قيم واخلاق وسلوكيات منظمة ومحكومة بسيادة القانون غايتهما الانتصار للحداثة على التحجر وللمدنية على البدائية، وللعدالة على الظلم وللحرية على الاستبداد وللتقدم والرقي الحضاري على التخلف والرجعية، وللكفاية على الحاجة وللأمن والاستقرار على القلق والخوف، وللمواطنة المتساوية على التمييز والعنصرية. الديمقراطية فكرة علمية وارادة حرة وموقف جاد ومسؤولية وطنية والا كانت ممارسة فوضوية قاتلة للحياة والحرية والحق والعدل والمساواة وللأمن والاستقرار وللنظام والقانون والتنمية، لابد للأحزاب والتنظيمات السياسية حاكمة كانت أو معارضة من برامج وسياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية يستدل منها على طبيعة الحلول العلمية والعملية التي تميزها عن بعضها البعض بصورة تقدم للهيئة الناخبة مادة مفيدة للمقارنة والمفاضلة الموجبة للثقة. وبدون ذلك تتحول الديمقراطية إلى صراع على السلطة والثروة بين الاحزاب والتنظيمات السياسية يحاول فيها كل حزب ان يلطخ سمعة الحزب الآخر ويشوه ما لديه من البرامج والممارسات النظرية والعملية في معركة غير اخلاقية يحاول فيه كل طرف ان يبرر سلامة موقفه بالتعبئة الدعائية على الطرف الآخر، عبر ما لديه من وسائل اعلامية مقروءة كانت أو مسموعة أو مرئية، وكأنه يقول للهيئة الناخبة: ان الشعارات الديمقراطية لا تختلف عن الشعارات الثورية وان السياسة هي الخبز الذي تأكلون منه وجباتكم الثلاث وكأن الديمقراطي السياسي اليوم لا يختلف عن الثوري السياسي للأمس، يقول لنا فقط نفس الكلمات والشعارات "انا وحدي الصادق وغيري على خطأ، انا وحدي المصلح وغيري فاسدين، أنا وحدي العالم وغيري جاهلين، أنا وحدي الجدير بشرف الثقة وغيري لا يستحقون شرف الثقة، أنا وحدي الوطني وغيري خونة، أنا وحدي المخلص وغيري عملاء.."... إلخ من الشعارات الفوضوية القاتلة للوقت وللجهد في متاهات المكايدات والمزايدات الدعائية المبتذلة. وهكذا في سلسلة متصلة ومنفصلة من (الأنا) والانانية الهادفة إلى التضليل والتجهيل التي تسيء الاستخدام السليم والمتوازن للحرية وللديمقراطية في اشاعة الاضطرابات والتوترات والتداعيات الفوضوية الناتجة عن الفعل ورد الفعل غير المسؤول وما ينتج عنهما من تفاقم الأزمات السياسية وانفجار الصراعات الحزبية الدامية والمدمرة للفضيلة وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصورة ينتج عنهما الكثير من العواصف التدميرية التي تؤثر سلباً على هيبة الدولة وقدسية النظام والقانون، ناهيك عما تلحقه من الاضرار الجسيمة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية على نحو يضعف تدفق الحركة الاستثمارية والحركة السياحية وغيرها من الموارد الاقتصادية التي تحتاج إلى الثقة وتحتاج إلى توافر الاجواء الهادئة للأمن والاستقرار والعدالة وغير ذلك من الخدمات ذات الصلة بتقديم بيئة استثمارية وسياحية جاذبة وخالية من العوائق والتعقيدات البيروقراطية الناتجة عن تفشي المظاهر الفوضوية للفساد المالي والاداري والقضائي. إن الديمقراطية أيها السادة والساسة المتنافسون على ثقة الهيئة الناخبة تحتم على الاحزاب والتنظيمات السياسية وما لديها من وسائل اعلامية وبرامجية ان تتحول إلى ما يشبه المدارس والكليات والمعاهد السياسية المعنية بتبسيط الثقافة الديمقراطية وتقديمها بلغة تنويرية وصادقة ومفهومة للهيئة الناخبة بعيداً عن الاساليب الديماغوجية ذات الخطابات التعبوية والاتهامية الهادفة إلى إشاعة الفتن واحياء النزاعات المناطقية والمذهبية الميتة التي تروج للكراهية، وما ينتج عنها من الاحقاد والتحديات التي تضيف معاناة إلى معاناة، لأن البسطاء من العامة الذين تمزقهم البطالة ويسحقهم الفقر يحتاجون إلى الخطابات والأفعال التنموية البناءة أكثر من حاجتهم إلى الشعارات النظرية المثيرة للمتاعب والمهيجة للأحقاد والفتن النائمة التي يحاول فيها الطرف الأضعف من اطراف التعددية توظيفها لأهداف سياسية يعتقد انها ستكون مفيدة له في الانتخابات النيابية القادمة أو في الحصول على ما يريده من الصفقات من رئيس الجمهورية من باب الخوف على الجمهورية أو من باب الخوف على الوحدة. أقول ذلك وأقصد به أن للديمقراطية وللحرية حدوداً قانونية دنيا وعليا ينظمها الدستور والقوانين النافذة من حيث هي سلسلة من الحقوق والواجبات المتساوية بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد، باعتبار الجميع يمنيين قبل ان يكونوا في هذا الحزب السياسي الحاكم أو ذاك التنظيم السياسي المعارض. ومعنى ذلك أيها السادة والساسة ان التعددية الحزبية والسياسية كما يعرفها العالم اغلبية تحكم واقلية تعارض طبقاً لما هو نافذ من المنظومة الدستورية والقانونية لا تحتاج إلى تعطيل المؤسسات والانتقاص مما هو مخول لها من السلطات والصلاحيات والالتفاف عليها في اتفاقات ثنائية لا تعبّر بالضرورة والاهمية عن قناعات الشعب الذي وضع ثقته بهذه الهيئات والمؤسسات المنتخبة وأناط بها مهام التشريع والتنفيذ المعبر عن قناعاته النابع من حرص على ارادته الحرة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة. أقول ذلك وأقصد به ان الحزب الذي يعتقد انه اكبر من الشعب وان الثقة به تخوله الحق في اخضاع التشريع والتنفيذ للحوارات الثنائية والاتفاقات الحزبية القابلة للتمرير عبر ما لديه من الأغلبية البرلمانية دون اقناعهما ومشاركتهما في ذلك لا شك بأنه يعرض نفسه لشبهات من قبل الهيئة الناخبة هو في غنى عنها، هذا إذا لم يعرض نفسه لعواقب عقابية وخيمة من قبل الهيئة الناخبة في أول دورة انتخابية قادمة كأن تقول انه لم يحسن استخدام الثقة التي منحت له، وراح يقدم تنازلات لصاحب الأقلية مبرراً ما يقوم به من باب الحرص على الوحدة الوطنية وكأنه بذلك أكثر حرصاً من الهيئة الناخبة التي منحته الثقة دون غيره من الاحزاب المنافسة التي بدت سياستها البرنامجية منفرة للهيئة الشعبية الناخبة. انني لا أحرض صاحب الأغلبية على صاحب الأقلية، لكنني أقول ما اعتقد انه لا يتفق مع رأي الهيئة الناخبة، التي لو كانت موافقة مع ذلك الرأي لكانت دعمته ومنحته ثقتها ومعنى ذلك انه لا يحق لحزب الأغلبية ان يساوم صاحب الأقلية في تنازلات لا تتفق مع ارادة الهيئة الشعبية الناخبة، لأن واجبه الحرص على تمثيل ارادتها وقناعاتها بأمانة مجردة من الدخول في لعبة مساومات مفروضة على الارادة الشعبية بارادة حزبية، وكأن الارادة الحزبية هي العليا والارادة الشعبية هي الدنيا.. وكأن هذا النوع من الثقافة الشمولية غير الديمقراطية لا زالت هي المهيمنة على الثقافة الديمقراطية والمتحكمة في العملية السياسية، بدليل ان احزاب الأقلية في بلادنا لا زالت في موقع من يملي شروطه غير الديمقراطية على صاحب الأغلبية إلى درجة تفقده القدرة على الاستفادة مما لديه من الاغلبية المعطلة وغير القادرة على ممارسة ما كفله لها الدستور والقانون من الصلاحيات والسلطات. ان حزب الأغلبية يحاور ويساوم احزاب الأقلية من موقع الضعف خوفاً مما تهدد وتتوعد في اللجوء اليه من ممارسات نشير اليها بما يلي: - هددت في اللجوء إلى الشارع ونفذت التهديد ولكن بدون جدوى. - هددت في تأييد حرب صعدة ونفذت التهديد فاساءت إلى نفسها. - استخدمت تشكيل اللجنة العليا وطالبت بالقائمة النسبية والحكم المحلي الواسع الصلاحيات في غير مكانه وزمانه. - هددت في تأييد المظاهرات والاعتصامات الانفصالية ونفذت التهديد فاضافت معاناة إلى معاناة. - هددت في المطالبة بالتحول من النظام الرئاسي النيابي إلى النظام النيابي دون جدوى. - ما برحت تلجأ إلى نوع آخر من التهديد في تشكيل الهيئة التشاورية للمؤتمر الوطني الذي لن يضيف لها جديداً إلى رصيدها الانتخابي وفي جميع الحالات والحوارات اقحمت نفسها في تحمل جزء كبير من قصور الحزب الحاكم وأوجدت له ما هو بحاجة إليه من المبررات التي تمكنه من الحفاظ على مكانته الشعبية ملقياً بصعوباته الاقتصادية والاجتماعية على ما يواجهه الوطن والشعب من التحديات الداخلية والخارجية الناتجة في صعوباتها عن الممارسات اللامعقولة واللامقبولة للمعارضة التي ما برحت تفتعل الأزمات وتزج التجربة في متاهات ودروب هامشية ناتجة عن سوء استخدام المعارضة للحرية والديمقراطية. وخلاصة القول يتبين مما تقدم أن الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية لا زالت في قناعاتها الأيديولوجية أسيرة ما لديها من ثقافات وأيديولوجيات شمولية ترفض الاعتراف بحق الآخر، تعيش أزمة سياسية يمكن القول بأن أزمة الثقة فيها ناتجة عن أزمة الثقافة الديمقراطية، وان المطالب الحوارية المعلنة غير المطالب غير الحوارية غير المعلنة، أي ان ما هو مستتر ويحتاج إلى حوار غير ما هو معلن ويدور حوله الحوار، أي ان هناك ظاهر معلن وباطن غير معلن في المطالب وفي الحوار، وان الحوار الذي يدور حول ما هو معلن من نقص في القوانين يحتاج إلى حوار غير الحوار حول ما لم يكن معلنا من الموضوعات المستترة، وهذا بالتأكيد عبارة عن حالة مرضية تحتاج إلى نوع من المعالجات السياسية النفسية التي تنطلق من المعلن شكلا إلى غير المعلن مضموناً، وتحتاج إلى شجاعة لا تقوى عليها احزاب المعارضة التي تشبه وضع ذلك المريض الذي لا يعترف انه مريض في عصر يقال عنه عصر الشفافية والوضوح. هل يستطيع الرئيس علي عبدالله صالح بحكم تجربته الطويلة في الحكم وعلاقاته القديمة والجديدة مع المعارضة ان يقوم بنفس الدور الذي قام به اخوان الصفا في معالجتهم لذلك النوع من المرض السياسي القديم الجديد؟ أحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمتهم الاصلاح والاشتراكي مهما تظاهروا بأنهم طلاب حق في حواراتهم مع المؤتمر بكامل صحتهم لا يعانون من أي امراض سياسية ولا يحتاجون إلى الطبيب الذي يستهل رحلته العلاجية منذ اللحظة الأولى للاقتراب من امراضه ومصاحبتهم ومصارحتهم بعد ان يشعرهم بأنهم لا يحتاجون لأية معالجات نفسية وبأنهم اصحاب حق، وأن الحق المعلن يخفي خلفه حقاً مستتراً يحتاج إلى فهم ويحتاج إلى العلاج في حوارات خلف الكواليس أقرب إلى حوار الصفقات منه إلى حوار المبادئ. وذلك مرض لا يمكن فهمه إلا من خلال خبرة سابقة بطبيعة الامراض المستترة وغير المعلنة، وبدون مصارحة ومكاشفة سوف يظل الحوار يدور شكلاً حول اللجنة العليا للانتخابات وحول النظام الانتخابي وحول النظام النيابي وحول القائمة النسبية وكلي أمل للمتحاورين أن يصلوا إلى نتيجة، كلما ظهرت من خلف الأكمة قضايا خلافية تحتاج إلى حوار جديد وجولة جديدة من الحوارات.