عن مصر اقول: علموهم أن مصر القديمة حكمها مئات الملوك من أبنائها، وأنها استهدفت لأنها كانت قوية، فدخلها الهكسوس ثم لفظتهم، ثم جاء عليها الرومان الوثنيون بعد موقعة أكتيم، ومع ذلك ظل فيها أثر التوحيد قديما.
علموهم أن فرعون موسى لم يكن من دم مصر الخالص، وأن الله أظهر على أرضها واحده من أعظم معارك الإيمان، طفل ملقى في اليم، وشعب مستضعف، وطاغية يقول أنا ربكم الأعلى، وبحر ينفلق، وجيل يخرج إلى الحرية من على شاطئ النيل.
وقولوا لهم إن مصر كانت أرض إدريس أول من خط بالقلم، وأرض يوسف الذي أقام فيها أعظم إدارة للغذاء في التاريخ القديم، وأرض يعقوب والأسباط، وأرض إبراهيم حين ضيفته، وأرض هاجر المصرية ام إسماعيل اب العرب، وأرض موسى وهارون، وأرض العبد الصالح الذي علم موسى أن فوق كل ذي علم عليم، وأرض اسيا امرأة فرعون المؤمنة، وأرض الرجل الذي يكتم إيمانه.
وكانت ارض امتد إليها نسل النبوة، فجاءت إليها العائلة المقدسة، مريم البتول وسيدنا المسيح عيسى بن مريم، فأقاما فيها نحو ثلاث سنين، تمشي فيهما مريم على ترابها مطمئنة، وكأن مصر خلقت لتكون ملجأ للغرباء من أهل الله.
واذكروا لهم أن من مصر جاءت ماريا القبطية ام ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مصر بقيت بعد ذلك باب من أبواب الإسلام، ان مصر صارت بعد الفتح قاعدة للعلم، ومنها خرج الأزهر يحمل القرآن إلى الآفاق، ومنها جرت جيوش صلاح الدين والأيوبيين والمماليك لترد الصليب والتتار عن الأمة، وكأن مصر كلما ضعفت عادت فنهضت لتقوم بدور الحارس.
واذكروا لهم أن على أرضها كتبت أقدم كتابات الإنسان، ورفعت أقدم عمارة ما زالت قائمة، وأن علماء الدنيا جاؤوا إليها ليفكوا أسرار حجارتها، وأن سيغموند فرويد نفسه قال في موسى والتوحيد "إن عقدة اليهود الأزلية هي الحضارة المصرية" لأنهم وجدوا في مصر نموذج مبكر لدولة منسقة وقانون ونظام ورمزية لا يملكون مثلها.
واذكروا لهم أن يوسف حكم خزائنها، وأن الأنبياء مروا بها، وأن العذراء احتمت بها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ من أهلها صهرا، وأن القرآن ذكرها باسمها، وأن نبي الله قال عن قبطها : «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرضٌ يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا».
فليعرفوا أن مصر ليست صفحة في كتاب التاريخ، ولا حضارة توقفت عند الأهرام، بل هي خيط ممتد من إدريس إلى يوسف، ومن يوسف إلى موسى، ومن موسى إلى عيسى، ومن عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم عبر ماريا، ومن ماريا إلى الأزهر، ومن الأزهر إلى التحرير.
افخروا بتاريخكم وجذوركم العتيقة الراسخة، واعلموا أن مصر ليست دولة تاريخية فحسب، بل منصة جاء الله عليها بالأنبياء ثم جاء التاريخ بعدها.