علينا أن نتوقف أمام أحوالنا، أن نعيد صياغة وضعنا بشيء من الحقيقة التي يجب أن تصون حياة الناس وأرواحهم وأموالهم، انجرفنا مع الأزمة ومن دون عقلانية، دخلنا محراب الخوف والجوع والبحث عن الحلول الوهمية للاستهلاك ونتجادل في شأن قرارات سالم بن بريك وفي بيان الرئاسة ونحن نعلم أن الحكومة لا تملك الصدق بما يقنع الناس وأحيانا في أسوأ صور وقحة حين تظهر الوقائع وينطق الصدق. في أقل من شهر منينا بكارثتين موجعة وتسببت في ألم شديد وسط المجتمع وفي داخل الأسر المكلومة، في طريق مأرب العبر أكلت النار عوائل وضحايا فجأة داخل باص نقل صغير ومات ما يقرب من سبعة عشر شخصًا بينهم طبيبة حضرمية بارزة وأطفالها، هكذا وسط الطريق المرعب المليء بالحفر والتقاطيع التي تنتشر في هذه الطرقات من دون ترميم ولا إشارات ولا وسائل إنقاذ ولا إسعاف قريب يتمركز لوقت النجدة، وفجأة ورئيسنا وكذا رئيس حكومتنا والاثنان مسافران وبعيدان عنا ولا أحد لنا هنا، احترق ما يقرب من أربعين مواطنًا شابًا في باص بمنطقة العرقوب واهتز لهذا الحادث الفاجع الأليم كل شخص وبكينا عليهم لأنهم ظلموا، فلو كنا دولة ولنا قدر من التأثير لن يغادر باص ركاب من السعودية إلى اليمن وهو خارب ورائحة الحريق تنبعث منه من لحظة التحرك، بل وذكر ناجون أن السائق الثاني قد نبه إلى اشتعال النار من السيارات التي خلفه، ولكن بدلًا من التوقف انطلق دون شعور بمسؤوليته وحجم ما قد ينتج من كارثة وقد حدثت.
الأسوأ ليس أن قيادتنا تركتنا لوحدنا ما بين باحث عما بنا من فقر وآخر يحكي قصة ما بنا من جوع، ونسوا أننا نموت وحدنا ونحترق في الطرقات دون نجدة أو طفاية تنقذ ضحية تحاصره النيران.
حتى التعازي لم يبعثوها بشأن ضحايا لا الباص الأول ولا باص العرقوب، صمتوا وكأنما هؤلاء من بلد غريب وليس مواطنين تحترق أكباد أهلهم وجعًا عليهم، ومن نافلة للقول هنا إن انتقادات شديدة طرحت بشأن الطرقات ومساوئها وكل الاحتياطات في أمر الباصات والسائقين وضمانات السلامة التي تتزود بها الباصات الناقلة للركاب، نحن نعيش إهمال رديء وتشغلنا السياسة والصراعات ونسينا أن هناك مواطنين يحتاجون خدمات للعيش وتجنب لكوارث من أي نوع، فهل تدرك الرئاسة هذا وتلتفت إلى ما بنا من تدهور بغيض، وما موقف الحكومة من هذه الأهوال التي تأكل المواطن وتخطف حياته ويحترق على الطرقات من دون سبب.
مسكين هذا الشعب فقد توسعت معاناته وكوارثه، وغابت كل القيم التي نحتاج إليها لتعيد إلينا حياتنا وتبعد حرائق الطرقات وغيرها عن أرواحنا. وحتى نشعر بالاطمئنان نريد أن يجلس الرئيس رشاد العليمي جنبنا هنا، ويجلس بجانبه سالم بن بريك رئيس الحكومة على الأقل فحين يحترق باص في العبر أو شقرة أو سيحوت يهبوا لإنقاذنا فالقرب منا أفضل من الغياب، والإنقاذ أهم من مؤتمرات الفقر وسد الجوع، وإذا تعذر هذا فإننا نقترح أن يبقى أحدهم أما رشاد أو سالم عندنا وقريبا من التلفون لسرعة إنقاذنا أما أن تتركونا وحدنا فقد غدا هذا مزعج لنا ولا يجوز منكم تركنا وحدنا وقالوا يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.