حاورها/محمد محمد إبراهيم - 160 أكاديمياً قدموا خلاصة ما يرونه علمياً ومنهجياً في رؤى تصب في رفد ودعم أكبر تفاعلة حوارية يشهدها تاريخ اليمن السياسي والاجتماعي، هذه الرؤى طرحت في مداولات ونقاشات مازالت مستمرة، حضرها وسيحضرها أكثر من 500 أكاديمي وأكاديمية من مختلف محافظات الجمهورية، ومن ذوي الخبرات العلمية والبحثية في الجامعات الحكومية الأهلية، وفي حشد استثنائي يدعم مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. (صحيفة الثورة) التقت رئيس المؤتمر الأكاديمي الموسع لدعم الحوار الوطني الدكتورة وهيبة فارع وناقشت معها سبل ووسائل الدعم الممكنة من الناحية العلمية والمنهجية لمسارات عمل ومخرجات الحوار الوطني وقضايا وطنية أخرى. ¶ بداية دكتورة وهيبة فارع حدثينا عن فكرة المؤتمر الأكاديمي لدعم الحوار الوطني؟ .. ولماذا تأخرتم حتى اليوم؟ -حقيقة كانت فكرة الإسهام الأكاديمي في تحمل المسئولية الوطنية قائمة من يناير وفبراير 2013م المتمثلة في دعم الحوار الوطني أكاديمياً وبحثياً، وربما سايرت هذه الفكرة مراحل الحوار الوطني من قبل وبعد انطلاقه في 18 مارس، ولكن كان هناك الكثير من الأمور التي تتعلق، باحتمالات انعقاد المؤتمر من عدمه، هل سيتأخر؟ وهل سيكون أحد الحلول المناسبة لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة؟ وغيرها من الهواجس التي ظلت تراود المجتمع بقواه السياسية، وقاعدته الجماهيرية والنخبوية والعامة.. ومع تداخل هذه الاحتمالات والتحضيرات التي سبقت انعقاد الحوار الوطني، كنا قد طرحنا الفكرة على المعدين لهذا الحوار وحاولنا أن نفتح معهم خطوطاً، وأبدينا لهم رغبتنا في أن يكون المؤتمر الأكاديمي داعماً للحوار الوطني وهو مؤتمر استشاري أو مؤتمر موازي أو مؤتمر داعم، ولكن نظراً لطبيعة الأوضاع السياسية، وتخوف المجتمع المدني والدولي بشكل عام من تعدد وجهات النظر وتشعبها في الخلافات، فقد كان الرد بعدم دعم هذا المؤتمر الأكاديمي أو بالحقيقة حاولوا تأجيل فكرته على اعتبار أن هذه الفكرة مبكرة. البُعد التنظيري ¶ لكن يرى البعض في ما يتعلق بالطرح الأكاديمي الداعم للحوار الوطني أنه يهتم بالجوانب البحثية والتنظيرية.. والظرف استثنائي يقتضي حواراً تفاعلياً تلتقي فيه القوى المختلفة فبماذا تفندون هذه الرؤى؟ -الأكاديميون ليسوا منظرين فقط ولكنهم قادة فكر، ومن يعتبرهم غير ذلك فهو مخطئ، الأمر الثاني أن الأكاديميين في مثل هذا الظرف كان من الممكن أن يكونوا هم السفينة التي تنقل المتحاورين إلى بر الأمان كونهم يملكون الرؤية العلمية والقدرة على التحليل والقدرة على التأثير، وفي نفس الوقت إن الأكاديمي عندما يبدأ عمله يخلع جبة الحزبية بينما الآخر يظل مرتدياً ثوبه السياسي حتى تصل السفينة أينما وصلت. ¶ ماذا عن تواصلكم ولقاءاتكم مع الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني ورعاته الدوليين وتقبلهم لما تطرحونه تجاه دعم الحوار؟ - كما ذكرت لك فكرتنا باتجاه العمل الأكاديمي من أجل دعم الحوار الوطني بدأت في فبراير أو يناير، وحاولنا الدخول معهم في الحوار، لكن المجتمع الدولي والمنظمات الراعية لمؤتمر الحوار الوطني، وأدواتها الموجودة في اليمن كانت تنظر إلى أن أي تحرك ربما يأتي بنتائج عكسية لما تريده، لأنه من جهات ليست تحت رعايتها، بمعنى كان هناك تجاهل بأن لدى اليمنيين حس العمل الجماعي والطوعي، ففكروا أن الناس كلهم لا بد أن يدخلوا في سلة الدعم لهذا المؤتمر وأن يكونوا منتجات لهذه السلة.. ولم تكن ثمة آراء واردة غير هذه السلة، وكان لي لقاء مع بعضهم حيث التقيت بمساعد سفيرة الاتحاد الأوروبي بصنعاء وأدركت أن الاتحاد الأوروبي لا يريد غير ما يطرح في "موفمبيك"، وقابلت ممثل الأممالمتحدة المقيم في صنعاء وأبدى تفهمه الكامل، وحاول الترتيب للقاء يجمعنا مع الدول الراعية، ومنظمة الأممالمتحدة ولكن باءت جهوده بالفشل، واتصلت بجمال بن عمر أكثر من مرة ووجدت ترحيباً في البداية بفكرة الدعم الأكاديمي للحوار الوطني، ولكن اعتذار عن المقابلة بشكل متكرر. ¶ هل نفهم من هذا أن ثمة فجوة كانت قائمة بين ما يحمله مشروع مؤتمر الدعم الأكاديمي وما يطرح في موفمبيك؟ - لم يجلسوا أو يستمعوا إلينا، أو يقرأوا الفكرة برغم أننا نأتي بالفكرة ونرسلها لهم، ولكافة الدول والمنظمات الراعية، وحاولنا مع الأمانة العامة كثيراً، ولكن دون جدوى حتى بدأوا يرون شعارات المؤتمر وبروشوراته، فأدركوا أن المؤتمر في الحقيقة ليس مؤتمر ظل لهم، ولا مؤتمر مخالف لهم، ولا يتبع قوى سياسية معينة، وأدركوا أننا قدمنا أنفسنا بأننا نسعى إلى شراكة وطنية واسعة ذات أبعاد مهنية تقدِّر الخبرات وتحترم التخصصات من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، وحلفنا الأيمان أننا لا ولن نتبع أحد انطلاقاً من رسالتنا العلمية السامية والمحايدة، بدليل أن الموجودين والمشاركين في المؤتمر الأكاديمي لدعم الحوار الوطني متطوعون ومن كل الجامعات اليمنية الحكومية والخاصة وليس من جامعة الملكة أروى فقط، بل من جامعات حضرموت وعدن وصنعاء والحديدة، وكافة الجامعات اليمنية الأخرى حيث يصل عدد المشاركين بأوراق عمل ورؤى علمية بحثية حوالي(160) أكاديمياً، فيما وصل عدد المشاركين دعماً في الحضور والنقاشات إلى أكثر من (500) أكاديمي، ومما لاحظته أن جميع الأكاديميين الذين شاركوا وحضروا لديهم إصرار كبير على ضرورة إيصال صوتهم لما يسهم في دعم وإنجاح الحوار الوطني، والكل يقول: لدينا ما نقوله يا مؤتمر الحوار ولسنا ضدك نحن في فكرتك، ولكننا كقادة فكر وأكاديميين لا نحب أن نطرح الأمور بعشوائية بل نريد تأصيلاً مهنياً علمياً للمشكلات والخروج برؤى ذات أبعاد مهنية وعلمية. تفاعل خلاق ¶ طرحت هذا السياق كصحفي على بعض من لهم صلة بالأمانة العامة للحوار الوطني في سؤال حول الإسهام الأكاديمي المتمثل في المؤتمر فلاحظت تفاعلاً خلاقاً معززاً بإرادة تسعى لتوسيع دائرة الشراكة لإنجاح هذا الحوار.. فماذا يعني هذا الطرح؟ - بالتأكيد هناك تفاعل إيجابي الآن، وما طرحته هو ما كان قائماً سابقاً أما الآن فالناس يبحثون أيضاً عن جانب تأصيل لمختلف المشاكل ولا يعني هذا أن مؤتمر الحوار يفتقر للكوادر، فلديه الكثير من القدرات، وأنا أعتقد جازمة، أن المؤتمر الأكاديمي سيغني الحوار برؤى وحلول تستند على قاعدة عريضة من البحث العلمي لكافة المشكلات المطروحة ضمن أجندة الحوار الوطني الشامل. رؤى مقبولة ¶ حتى الآن كيف تنظرون لما قدمته فرق العمل التسع في مؤتمر الحوار الوطني؟ وما الممكن لدعم هذه الرؤى والمخرجات أكاديمياً؟ - ما طرح وما قدم من الرؤى المتعلقة بالمشكلات اليمنية، في مؤتمر الحوار هي رؤى مقبولة جميعها لكنها الآن تحتاج إلى أن يجلس الناس ويتفقوا حولها ويناقشوها، وأن تكون خياراتهم لأي حل من الحلول قائمة على الدراسة والبحث العلمي.. مثلاً إذا اختار أو توافق الناس على الفيدرالية، في ما يتعلق بشكل الدولة الجديدة فيجب أن نعرف إجابة السؤال هل نحن مؤهلون ثقافياً واجتماعياً لأن نكون أقاليم؟ وهذا ما ستجيب عليه البحوث الأكاديمية، إجابة علمية دقيقة، وليس أنا أو أنت أو مجرد رأي صدُح به من القاعة، فالرأي الذي يأتي من القاعة، يجب أن يتجرد من العاطفة من خلال تأصيله تأصيلاً علمياً، ليتم وضع الحلول بشكل علمي يحكم العقل وليس العاطفة، وتأكد أن الرأي متى نوقش بحيادية وعلمية سيقبل به الناس. ¶ هل حضرتم جلسات من مؤتمر الحوار الوطني الشامل؟ وماذا لاحظتم؟ - نعم دعوني الأسبوع الماضي فحضرت جلسة مناقشة القضية الجنوبية ولاحظت أن الحديث عن القضية الجنوبية كان من منطلق "أنتم معكم ونحن ما عندناش.. حصل لنا كذا وأنتم حصل لكم كذا".. أحدهم يختزل المسألة الجنوبية في 1994م وآخر يمددها إلى 1936م وليس فقط 67م أو 1986م فهنا نرجع للجانب العلمي الذي يتطلبه الحوار والمتمثل في ضرورة وجود ثقافة الحوار وأن يكون الحوار بين فصائل مختلفة ولدى كل فصيل ما يقوله من طرح مشكلات وحلول واضحة.. لكن مع هذا لاحظت أن الذي يميز هذا الحوار الشامل على الحوارات السابقة أنه حوار قاعدي جماهيري بينما السابقة كانت حوارات قمم، الشيء الآخر أن الأحزاب كانت في الزفة لتسير مع المنتصر ماعدا الحزبين الحاكمين ولم تقدم تلك الأحزاب أي رؤى مثلما هو حاصل الآن، كما أن التجربة الحالية تتميز بأن الناس الذين اختلفوا وتصارعوا موجودون في الحوار الوطني في «موفمبيك» لسببين لسبب المشكلة ولسبب الحل وهؤلاء المحتربون والمتصارعون بمجرد أن جلسوا مع بعضهم بدأوا يتنفسون نفساً حضارياً وهذا مدعاة للتفاؤل من قبل الناس جميعاً، ولهذا أنا أرى أن الحوار هو مسؤولية اجتماعية وليست سياسية فقط، والحقيقة طريقة إدارة الحوار الوطني جميلة وناجحة ونحن في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأكاديمي عملنا مؤتمرا مصغرا للحوار الوطني ويسير بنفس الآلية وإن اختلفت المخرجات وعناصر إدارة الحوار، والفارق الجوهري أن النخبوية تطغي على مؤتمر الحوار الأكاديمي الداعم للحوار الوطني في حين أن من يتحاور في «موفمبيك» هم أصحاب المشكلة وما سيخرج به المؤتمر الأكاديمي سيكون رافداً وموصلاً علمياً لما ستخرج به فرق العمل التسع من حلول لمعضلات اليمن برمتها.. لأننا الأكاديميين أكثر الناس قرباً من التعاطي مع المجتمع من خلال تعاملنا مع الآلاف من الطلاب على مر السنوات وهم شريحة الشباب الهامة ولكوننا في هذه الفترة وغيرها من الناحية المهنية أمام مسؤولية أخلاقية خارج المشاريع السياسية والحزبية وخارج التنافس الذي يفقد المتنافس سياسياً سمة الحياد، فالباحث الأكاديمي يجمع كل المشكلات في سلة المختبر العلمي ليفصل كل واحدة على حدة يستخرج النتائج أو الحلول المترتبة على ذلك، ولا يستطيع إلا أن يكون محايداً وموضوعياً غصباً عنه وهذا هو الاختبار الحقيقي لرجل العلم الأكاديمي، فعندما يكون محايداً قد يُلام من حزبه لكن إذا فقد الحياد لصالح حزبه سيُلام من شريحة واسعة من عقول العلم التي ستؤثر على وظيفته ومهنيته الأخلاقية. عمل طوعي ¶ هل تمثلتم هذه الأخلاقيات قبل الخوض في المؤتمر؟ ومن يدعمكم؟ - نعم نحن من البداية تمثلنا هذه الأخلاقيات بل وهي أساس مهنتنا فنحن اتفقنا على استجلاء الحقيقة المعرفية العلمية ولا نخاف فيها لومة لائم، فنحن علماً لا ولن نجامل لا فئة أو منطقة أو مجموعة أو مذهب أو حزب سياسي والكل يعلم أنهم لا يدفعون لنا شيئاً ولسنا ملزمين أو مضطرين للخروج عن هدفنا، نحن نعمل طوعياً في المؤتمر وجامعة الملكة أروى تبنت إدارته ودعمه وحشد نخبة كبيرة من الأكاديميين والباحثين بقصد استغلال هذه القدرات والإمكانيات في وضع حلول مقترحة لمشكلة حقيقية يعيشها الوطن .. إذا لم تستخدم هذه العقول الآن فمتى تستخدم؟! هذا الأمر الأول، الأمر الآخر أن هؤلاء المفكرين هم خبرات قديرة وثروة كبيرة قد تغني البلد من استقدام الخبرات الخارجية في مجالات الإدارة المحلية والأسس الدستورية والقانونية وبناء الدولة والحكم الرشيد والعدالة الانتقالية وغيرها. ¶ الآن أين وصلتم في مؤتمركم الأكاديمي؟ وهل بدأتم بتزويد مؤتمر الحوار الوطني ببعض الرؤى؟ - حقيقة بدأ مؤتمر الحوار الوطني الشامل يتعاطى مع رؤانا مدركاً أنه ليس لنا غرض سياسي أو فئوي، وبدأنا نضع بين أيديهم مخرجات بالرغم من إمكاناتنا الضعيفة ولم نتأخر كما يعتقد البعض بل بدأنا معهم خطوة خطوة وصولاً إلى انعقاد الاجتماع الموسع يوم الخميس قبل الماضي، وقريباً سنعقد المؤتمر النهائي وسيتم طباعة الرؤى وتوزيعها وبشكل مجلدات على عامة الناس وسيتم مناقشتها في المؤتمر، وسيتم حشد كل الجهود الممكنة باتجاه دعم الحوار الوطني وتعزيز إيجابياته ومعالجة السلبيات.. نحن معهم وهذا دورنا ورسالتنا هي تقديم رؤى علمية ومهنية متخصصة تجمع بين معايير الكفاءة والخبرة وتقدر الرأي العام الجماهيري وتحفزه للإسهام في رسم معالم الدولة المدنية الحديثة عن طريق الحوار. المحاور والمعايير ¶ ماهي محاور المؤتمر الأكاديمي ومعاييره والرؤى التي ستقدم للمؤتمر؟ ومن سيشارك فيه؟ - المؤتمر الأكاديمي لدعم الحوار الوطني إلى جانب لجنته التحضيرية مكون من أربعة فرق عمل هي السياسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية، يشمل عمل هذه الفرق على عدة محاور هي الرؤية الأكاديمية لهيكل الدولة والنظام السياسي والانتخابي، وكذا الرؤية الأكاديمية لدستور الدولة المدنية الحديثة والرؤية الأكاديمية لمعالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة والقضايا ذات البُعد الوطني والخطوات الهادفة إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وكذلك القضايا الاجتماعية التنموية لبناء الدولة والتدابير التي تضمن عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في المستقبل وحماية حقوق المجموعات الضعيفة بما فيها الأطفال والنساء والمهمشين والأقليات، والنهوض بالمرأة وتعزيز مشاركتها الاجتماعية والسياسية ورؤية للنظام الاقتصادي والأسس الاقتصادية لبناء الدولة. أما بالنسبة للمعايير فلا تخرج عن المعايير العلمية اليمنية بحيث تقدم أي ورقة عمل رؤية علمية في موضوعها وقابلة للتطبيق في اليمن، وأن تكون الرؤية مدعمة ببرنامج تنفيذي وواضحة المعالم مستندة إلى فلسفة علمية وواقع، وأن تتسم الورقة المقدمة بمعايير البحث العلمي من حيث المنهجية والمرجعية وغيرها من المعايير العلمية الفنية. وفي ما يتعلق بالمشاركين في المؤتمر فسيشارك الأكاديميون والباحثون من الجامعات والمراكز البحثية في مختلف المحافظات اليمنية ومؤسسات المجتمع المدني من كل الأطياف الثقافية والتوجهات السياسية من الذكور والإناث والفئات المستقلة من مختلف الاتجاهات الفكرية والفئات الاجتماعية من الجنسين. أخيراً ¶ كلمة أخيرة تودون قولها؟ - ما أود قوله أخيراً هو أن الحوار طريقنا إلى الخلاص من الصراع وأتمنى من الإخوة المتحاورين الذين كانوا سبب المشكل السياسي كله أن يعوا أن هناك شعباً ينتظر نتيجة هذا الحوار وأن المزايدة على أحلام البسطاء والناس ستكون نتيجتها سلبية على مشاريعهم السياسية المتمثلة في أحزابهم كما نتمنى أن لا تكون المحاصصة هي الهدف النهائي.