جميل أن يكون هناك يوم عالمي للغة العربية، تحدده منظمة مرموقة مثل اليونسكو للعلوم والآداب، على أن لا يكون هذا التكريم من قبيل التذكرة واعتبار اللغة الأم، لغة منسية، لم يبق منها إلا مزق قليلة! أليس هذا ما تشير إليه هذه الالتفاتة الطيبة في حقيقتها؟! إن لغة الضاد لم تُنسَ بعد، لذلك لا تحتاجُ لمن يُذكّرنا بها، فلِمَ هذا التفضل بإيجاد مثل هذا اليوم؟! وإنَّ عدم الاحتفاء به، من معظم الجهات العربية الرسمية وغير الرسمية؛ لا يعتبر ازدراءً باللغة العربية، ذلك إنَّ هذه اللغة العظيمة، خالدة في أذهاننا راسخة في صميم نفوسنا وقلوبنا، لها من التكريم والاحتفاء نصيب دائم معنا، وإن كان غير بارز أحيانًا، ولعل الجدير ذكره، الاهتمام الملحوظ لجهات رسمية، في بلاد عربية هنا وهناك بلغة العرب التي طالما حملت في ثنايا حروفها وكلماتها؛ هوية وطن عربي كبير وتراث خير أمة أخرجت للناس؛ هذا الاهتمام الذي تجلى حقيقة في تدشين العديد من الكليات والمجامع والمراكز والمدارس على امتداد العالم العربي بطوله وعرضه، التي قد عُنيت حقيقة باللغة العربية وآدابها، إلاّ أنه اهتمام قاصر عن خدمة هذه اللغة، الخدمة الكافية التي تليق بها، وتساهم في إحيائها من جديد، كلما سعى الحاقدون من حولها لطمسها وتجاهلها، بل هو اهتمام عاجز عن حمايتها، من محاولات محوها من قائمة اللغات الباقية إلى زاوية اللغات البائدة، ولكن عبثًا يحاولون، لأنَّ لغتنا الجميلة هي لغة القرآن الكريم، وهذا ما يجعلها لغة سماوية، غنية عن التذكير، عليَّة على التهميش، مترفِّعة بالحفظ الإلهي، لا يجدي معها لا سلخ ولا تحجيم، فهي بذلك أكثر من عالمية وأكثر من باقية، واليوم تبدو هذه اللغة محاصرة بلغات أعجمية، متمثلة بتلك المدارس الأجنبية، المتوزعة في شتى أنحاء الدول العربية، تفرض نفسها وبقوة على الإنسان العربي، تستهدف فكره وثقافته وحضارته بواسطة إهمال لغته، تنسف معالم شخصيته ووجوده، لترسخ بقاء ثقافتها وكيانها هي! على حساب الأعرق والأرسخ! ومدارسنا العربية بالمقابل مناهجها هشة مكررة، بحجة التسهيل والتبسيط على الطالب، إلى معلِّم هو عبارة عن آلة روتينية في المدارس الحكومية، أو مستهلك مستنزف في المدارس الخاصة، واللغة العربية غنية بتنوع علومها، بديعة بجمال آدابها، عبقرية بأساليب أدائها، ولكنه الاضطهاد الممارس بالتبعية على تلك اللغة من قبل أبنائها وأعدائها على السواء «ولا فخر». وبعدُ فإن الاحتفاء بيوم عالمي للغة سامية كونية كاللغة العربية لا يكون بإقامة الاحتفالات وطرح الشعارات عبر الخطابات؛ وإنما يكون بعمل مخلص جاد، يسعى لإحياء لغة الأجداد، فهل من همة نجيبة تطلق لنا قناة الضاد الفضائية، بدلاً من قنوات التفاهة والإسفاف؟! فتسهم حقًّا وصدقًا في تعزيز روابط الألفة الحميمة الفقيدة بيننا؟! غادة أحمد الشريف - جدة