عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تماسك اللغة .. اتساع الرؤيا قراءة في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بدر بدير حسن بقلم عبد الناصر الجوهري
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 04 - 2013


تماسك اللغة .. اتساع الرؤيا
قراءة في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بدر بدير حسن
بقلم
عبد الناصر الجوهري
عضو اتحاد كتاب مصر
لقد أُخبرنا عند ارتاد المنتديات من النقاد الثقاة أنه (كلما اتسعت الرؤيا.. ضاقت العبارة) أي البعد عن الإطناب واستخدام أسلوب تكثيف النص الشعري .. ومن المعروف أن هذه العبارة قالها الصوفي/ ابن عبد الجبار النفّري المولود بالعراق .. حيث أن مكونات البيت الشعري هي
(اللفظ – المعنى – القافية – الوزن) يجب أن تتآلف وتنسجم ولا تتنافر .
وقد نقل عن الجاحظ .. أنه قال: (أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج.. فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغاً واحداً.. وسبك سبكاً واحداً.. فهو يجري على اللسان كما يجرى الدهان) فالتماسك في اللغة.. مقابل التفكك. وهو بهذا يعني الترابط التام وقد عبر عنه اللغويون العرب بجودة السبك. وقد عرّف (أسامه بن منقذ) السبك.. أن تعلّق كلمات البيت بعضها ببعض من أوله إلى آخره.. ويقول (ابن طبطبا).. ينبغي للشاعر أن يتأمل تأليف شعره وتنسيق أبياته ويقف على من يجاوره..
وقد تطرق أسامه بن منقذ لخاصيتي السبك والحبك فقال: (خير الكلام.. المحبوك المسبوك.. الذي يأخذ بعضه برقاب بعض)
فثنائية السبك والحبك عند أسامه تشبه الجسد والروح عن ابن طبطبا وحينما وقع بين يدي (غناء البدر) وهي الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بدر بدير حاولت كثيراً أن أجد مدخلاً لأقدم.. منحي نقدي أو حتى قراءة.. فلم أجد خيراً من لغة التماسك.. التي أزعم أنها تجمع بين (ائتلاف المبنى والمعنى) أو السبك والحبك أو جودة السبك سمها ما شئت. والأعمال الكاملة للشاعر بدر بدير تضم خمس مجموعات شعرية تتنوع بين الشعر البيتي والتفعيلي.. وهى..
م المجموعة الشعرية
1-
2-
3-
4-
5- لن يجف البحر
ألوان من الحب
ابتسامات باكية
دموع وابتسامات
نبضات متنوعة
وجدير بالذكر أن الخطاب الشعري المقرون بالقريحة.. لن يصل للمتلقي.. ويؤثر فيه أو يتفاعل معه وهذا النص مهلهلٌ.. فيتشتت المتلقي ويجعله يبذل جهداً خارقاً للتواصل مع النص الشعري.. فيجعل مهمته صعبة بتلاشي دلالات النص والروابط شيئاً فشيئاً..
فليست الروابط الشكلية كافية في تماسك النص فهناك الجوانب الدلالية التي تعمل على تماسك النص واتساعه.
وغالباً تنقسم وسائل التماسك النصي إلى:
(أ) وسائل شكلية: وهي عبارة عن السبك أو التماسك.
مثل: 1- أدوات نحوية: (فمعنى الكلام لا يفهم إلا من الإعراب) لأن العلاقة الإعرابية يتوقف عليها المعنى.
2- أدوات معجمية
(ب) وسائل دلالية: وهي عبارة عن (الحبك أو الانسجام)
ومن خلال الإبحار في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بدر بدير أستطيع أن أقسّم ائتلاف (المبنى والمعنى) داخل نصوصه الشعرية على عدة محاور:
(1) ائتلاف اللفظ مع المعنى المحور الأول
وقد تحققت في عدة نصوص.. وهي عدم الزيادة في اللفظ ما يفسد به المعنى.
حينما يترك لخطابه الشعري العنان.. تجد الشاعر.. يبنى بناء محكماً.. ففي قصيدة
(كوم امبو حين تفرق الأحبة) وهي من (بحر الكامل) (ص40) يؤكد الشاعر.. على ائتلاف اللفظ والمعنى..
بالله يا بنت الغصون إذا رأت عيناك من أهوى ومن تهواني
فاستنشقي مسك العبير وقبّلي كفين كَم عطفا على أشجاني
وتلمسي أعطافها وتحسّسي نبض الفؤاد عساه لا ينساني
قولي لها فاض الحنين وذبت في دمعي وطول الشوق قد أضناني
والشاعر في هذه الأبيات يذكرني بجودة السبك لدى أبي فراس الحمداني.. حينما كان يخاطب ابنته حين أوصاها بالصبر قبل أن ينعي نفسه..
أبنيّتي لا تجزعي كل الأنام إلى ذهابِ
قولي إذا ناديتني ووعيتُ من ردِّ الجوابِ
زينُ الشبابِ أبو فراسٍ لم يمتِّع بالشباب
وحين ينزف قلبه الرقراق بالحب يقول في قصيدة بعنوان (الحب أرزاق) وهي قصيدة غزلية من بحر البسيط (ص61)..
سحر الوجود إلى عينيكِ مشتاقُ
يفنى الوجودُ وفي عينيكِ أشواقُ
فأنتِ لحنُ الجمال العبقريّ وكم
أمُسي على عزفه في الصدر خفَّاقُ
قد أمعن الدهر في تجريحه فإذا
عيناكِ بلسمه والثغرُ ترياقُ
كما أنه يؤكد على أن نار الحب لا تحرق وأن من يحب يرى محبوبته أينما ولى.. فتجاوز كل الخرائط والحدود والجغرافيا.. لأنها لوعة وهيام وسهد.. حتى الوصول لمرحلة الافتتان حيث يقول في نفس القصيدة (ص62).
وروعة الحُبِّ في نارٍ تؤججه
حول القلوب وما للنار إحراقُ
وأنت دنياى يا دنياى باسمةٌ
وأنتِ شرقٌ وغربٌ لي وآفاقُ
وحين يأتي العيد.. يقابله الشاعر بالعتاب الرقيق لأن العيد جاء والأمة حزينة في انكسار.. فيقول في قصيدة بعنوان (عد بالسلام) وهي من بحر البسيط (ص71) .
يا عيد جئت فما واسيت باكينا ولا مسحت دموعاً في مآقينا
ولا كسوناك في أفراحنا طللاً ولا تدفقت نوراً بين نادينا
ويذكرني في آلية الحبك والسبك.. بمطلع قصيدة للمتنبي:
عيدٌ بأية حالٍ عدتَ يا عيدُ .. بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ
ويستمر الشاعر بدر بدير في عتابه الموجه للعيد الذى أتى والعدو يزين دياره بالأهازيج بينما الأمة العربية مازالت لم تنعم باسترداد الحقوق والسلام العادل.. فالأرض مازالت محتلة فيقول في نفس القصيدة (ص72).
وكل يومٍ لهم عيدٌ فزينتهم تعلو الدياَر ونحن الحرب تفنينا
عد بالسلامِ.. وإلا لا تعد أبداً ما مرّ من عمرنا في البؤس يكيفنا
ومن منطلق إصرار الشاعر بدر بدير على عشق البناء.. ونبذ الهدم.. والتخريب.. يؤكد على انحياز إلى خيار الوداعة وحب الآخرين.. والتعايش السلمي مع الآخر.
فيقول في قصيدة (قالت لي) وهي من بحر (الرجز) (ص74) .
غداَ سنترك الربى جميلةً لغيرنا
لم يبكها رحلينا ولا ذبول حبنا
(2) ائتلاف اللفظ مع الوزن المحور الثاني
ويشمل:
- انتظام نسق الكلام.
- عدم حشو البيت الشعري بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن.
وقد تحقق في عدة نصوص.. ففي قصيدة بعنوان (إلى أبي) وهي من بحر الكامل (ص152).. ومن منطلق الوفاء والحنين إلى ذكرى والده الذى رعى موهبته.. ومازال في ذاكرته ابتسامته ووجه الكريم اللذين لا ينساهما أبداً.
الشعر يسمو للمقام الأعظمِ يمضى إلى ناديك فوق الأنجم
متهادياً فوق العنان يزفّه شوقٌ إلى الوجه الكريم الباسمَ
وحين يداعب الشاعر أحد أصدقائه الطلاب كتب قصيدة بعنوان (مداعبة صديقي الطالب المغترب) وهي من بحر البسيط.
إذا نسيت فإني لست بالناسي
أيام فقرٍ وإقلالٍ وإفلاسي
أيام إقراضك الحليم معتذراً
ويصرخ السوس جوعاً بين أضراسي
تذكرني بمأساة الشاعر الراحل عبد الحميد الديب الذي عانى من قسوة العيش وآلام التصعلك..
ما فاتني منك عطفُ الصُّحب والآلِ
يوماً ولا بخلت كفَّاكَ بالمالِ
احبسْ عطاءكَ مالي فيه من أدبٍ
ما في العطاءِ سوى قهري وإذلالي
وفي قصيدة (ما أروعك) المهداه لصديقه الشاعر/ محمد سليم الدسوقي وهي من (بحر الكامل) (ص224).
[غرد كثيراً أيها الشادي/ فإني أرهف الأذنَ المُتيَمة/ الخبيرةَ باللحون لأسمعكْ/ غرد إذا شط المزار/ لكي يجمعني إليكَ الشدو/ بعد شتات نفس في الدروب التائهات/ ويجمعكْ]
وحينما تنتاب الشاعر ذكريات الحنين لرفيقة دربه التي صاحبته طوال الأعوام التي مرت بهما بحلوها ومُرها يقول في قصيدة (لا تسرعي) وهي من بحر الكامل (ص255).
لا تسرعي قبلي الخُطا نحو الجنان فلن تطيب قطوفها إلا معي
يا جنة الدنيا وأنس الروح في الأخرى وعيني فيهما ومسامعي
مازال عندي من فنون الحب باقاتٌ أُندِّيها بقلبي المبدع
وكان الشاعر يشير إلى اختلاط الحب بالشعر لأن النبع واحد ولأن قلبه ليس هو ينبوع الحب فقط ولكن أيضا قد صار ينبوع الشعر لديه.. فهي علاقة للتوحد (بقلبي المبدع) وحينما يرثى الشاعر صديقه فكري فايد في قصيدة بعنوان (اهنأ بقرب الله) وهي من بحر الكامل (ص297).
يا صاحبي أنا فيك أرثى النفس والقيم النبيلة
أنا فيك أرثى النفس لست بصاحبٍ يبكى خليله
إنْ كنت أُبت إلى رحاب الله تنهل سلسبيله
فأنا بدنيا الناس أسعى تحت أحمالي الثقيلة
(3) ائتلاف المعنى مع الوزن المحور الثالث
لم يضطر فيها الشاعر إلى إحالة المعنى وقلبه إلى خلاف ما قصد.. ولم يصبح الوزن عائقاً أمامه عند الحبك والسبك..
ففي رباعية بعنوان (الكتوم) وهي على بحر الخفيف (ص337) أكد فيها الشاعر على أن السر إذا انتقل من بين ضلوع الإنسان لم يعد سراً.
والتي استأمنت على السر أخرى
حلّفتها بالله ألا يذاعا
وأسرت لكل من قابلته
ورجته ألا يشاعا فشاعا
وحينما يعبر الشاعر عن ذاته أصدق تعبير في تلك المفارقة بين (الحزن والفرح) وهذا واضحاً جلياً في عناوين اصدارين له الأول ابتسامات باكية والثاني دموع وابتسامات ففي رباعية بعنوان (مررت عليها) وهي من بحر الخفيف أيضاً (ص346) .
صورٌ كلها مررتُ عليها
باسم الثغر دافئ الدمعات
بين حزنٍ وفرحة تاه خطوى
هكذا حائراً قضيت حياتي
يذكرني الشاعر بدر بدير بصدق التجسيد لدى الشاعر الشرقاوي الراحل هاشم الرفاعي في التعبير عن ذاته اليافعة التي يتوقع فيها مصيره وكأنه يعرف حاله جيداً.
فيقول الرفاعي واصفاً ذاته:
مأساتنا مأساة ناسٍ أبرياءْ
وحكايةٌ يغلى بأسطرها الشقاءْ
حملتْ إلى الآفاق رائحة الدماءْ
وجريمتي كانت محاولة البقاءْ
أنا ما اعتديتُ ولا ادخرتك لاعتداءْ
وفي رباعية أخرى بعنوان (طفلان) وهي من بحر الخفيف (ص416) يضع الشاعر بدر بدير يده على الجرح في العلاقة الزوجية في مجتمعنا وهى علاقات معقدة.. شائكة.. كاشفاً الوجه الحقيقي.. لسر اهتمام المرأة بزوجها.. مثلما تهتم بأولادها.. الذي يبقى العلاقة في توهج وإلا كانت النتائج كارثية.. فالرجل طفل كبير..
قال: أمى أرجوكِ نامى بجنبي
لا تقومي لكي تنامي هناكا
قبَلَتْه في رقِّةٍ ثم قالت
انتظرني حتى أنيم أباكا
ونلاحظ في الموال الرباعي الذي استخدمه الشاعر في أعماله الكاملة أن معظمه يتخذ الشكل الآتي:
أ البيت الأول غير مقفى
ب البيت الثاني
أ البيت الثالث غير مقفى اتحاد الثاني والرابع في القافية
ب البيت الرابع
ونلاحظ أيضاً أن الموال الرباعي لدى الشاعر على بحر الخفيف من ناحية الوزن الشعري ليس على بحر البسيط كما اعتدنا على الموال الرباعي لدى شعر العامية.
(4) ائتلاف المعنى مع القافية المحور الرابع
- لم تكن القافية مستدعاة.. أو فيها تكلف في طلبها..
ولم تكن الأبيات فيها مبنية على طلب هذه القافية وقد تحققت في عدة نصوص .. ففي قصيدة (لا تحزني) وهي من بحر الكامل (ص350) وهي ممزوجة بالحس الوطني الصادق والتي تتعرض فيها محبوبته مصر لمحنة الاستيلاء على الدين والاستقواء بالخارج والعنف.. وتهديد السلم الأهلي وللأسف من بني جلدها.
لا تحزني يا أمُّ تلك سحابةٌ
ستمَرُّ والقُيومُ لن ينسانا
فجميعنا متمسكون بدينه
صفاً قوياً ثابتاً وجنانا
والناس تعرف أننا في دارنا
نحمي الحمى والعرفَ والأديانا
حين يتفاعل الشاعر مع قضايا أمته العربية العادلة يحيي انتصار الشعب الجزائري.. على المحتل.. كما شيد بالمناضلة الجزائرية (جميلة بو حريد) ففي قصيدة (فرحة النصر) وهى من (بحر الكامل) ص157 عبر عن تلك الفرحة.
هاتوا الزهور فليلتي الغراء في عيني (جميلة)
ودعوا البلابل صادحاتٍ بين أغصان الخميلة
البدرُ يلثم أفقنا مهد البطولة والرجولة
ويقبّل الأهدابَ في أجفان أمتن الكحيلة
وحين ينعى الشاعر بدر بدير الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي قادة ثورة التحرير العربي والإفريقي وألمح إلى أنه إذا كان قد مات إلا أنه مازال حياً لأنه غرس شجرة القومية العربية وتركها من بعده لتنمو بين أجيال الأمة .
فيقول في قصيدة بعنوان (لن يجف البحر) ص48
ليس ميتاً من يبث الروح في أنقاض أمة
ليس ميتاً مطلع فجر الليالى المدلهمة
لن يجف البحرُ لن تنهد بالزلزال قمة
وفي رثاء صديقه الشاعر حسين على محمد كتب قصيدة بعنوان (شهقة) وهي من بحر الرمل ص453
يا حبيبي لم أخلفت مع الأحباب عهدك
فتعجلت وأنهيت طريق الحب وحدكْ
تذكرني بقصيدة للشاعر محمد أبو سنه.. حينما رثى أخيه فيها وكانت بعنوان (ما أعجلك).
كما رثى الشاعر بدر بدير صديقه الشاعر محمد السنهوتي في قصيدة بعنوان (سكت الهزار) وهي من بحر الكامل ص462
يا صاحبي ما أسرع الزمن الذي
يجتث أعمار الخلائق جاهداً
يا صاحبي وغداً سيجمعنا غدٌ
أكرم به بين الأحبة موعداً
 بعض الوسائل التي استعان بها الشاعر بدر بدير للوصول إلى لغة متماسكة في المقاطع الشعرية الواردة في دراستي:
(1) أحكام بناء القصيدة:
بناء القصيدة بناءً محكماً.. دون أن يعتريها ما يجعل منها أبعاضاً متشرذمة وقد تنبثق القصيدة من رمز يلوح في أولها ويمضي الشاعر في تنمية هذا الرمز إلى آخر القصيدة محققاً لها الوحدة العضوية.
(2) قلة اللجوء إلى الضرورة الشعرية:
- ألا يلجأ إلى ضرورة قبل استعمال الاسم الظاهر في الربط بدلاً من الضمير .
- أو حذف ضمير الربط والإتيان بالفعل معرى من الضمير وقبله اسم مرفوع بالابتداء مثلاً.
(3) المستوى اللغوي.. لغة تتحد مع دلالات الطبيعة تتأرجح بين الحلم والواقع فقد استخدم لغة لا تتخلى عن التراث في شقها المعجمي.
(4) التكثيف.. فالتكثيف هو اختيار الضرورة اللغوية للنص الشعري وهذا ليس معناه الشطب إنما بمعنى الاختزال المبني على رؤية الفضاء وخلق حالة من التوتر قادرة على عمل القلق الذي هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفن الأدبي عموماً.
(5) الربط.. من أبرز أدوات الربط في العربية هو الضمير وهو الأصل على حد تعبير النحاة وهو الذي يربط بين جملة الصفة بالموصوف وجملة الخبر بالمبتدأ و جملة الصلة بالموصول وجملة الحال بصاحبه وهكذا....
لا أنكر أنني كنت منحازاً في اختياري للمقاطع الشعرية بالدراسة (لجودة السبك).. غير مهتماً بمعيار النظم فقط الذي يخدع الباحثين ولقد لاحظت بالأعمال الشعرية الكاملة للشاعر
بدر بدير أنه يجيد (جودة السبك) في قصائده البيتية عن قصائده التفعيلية .. وهذا دليل آخر على أن الشكل البيتي للقصيدة ليس عائقاً أمام الإبداع الجيد.. أما وجود قصائد لشعراء آخرين بالأعمال الكاملة غير الشاعر قد تم إهدائها له.. لم تكن فكرة جيدة إضافتها بجوار قصائد الشاعر ولقد عنون الشاعر بدر بدير أعماله الشعرية الكاملة وسماها (غناء البدر).. فالقمر لا يسمى بدراً إلا إذا اكتمل في مفازات السماء لينير الليل الحالك.. شاعرنا أصدر أعماله الشعرية الكاملة وقد أتم ثمانين عاماً.. وكأنه في اختياره لعنوان (غناء البدر) ربط بين إشكالية الزمن والعمر وبين استمرارية الملكة الشعرية في الغناء.. لأنه هو البدر.
الحواشي
(1) غناء البدر / بدر بدير / الأعمال الشعرية الكاملة / مركز همت لاشين للثقافة والإبداع / دار الإسلام للطباعة عام 2013م .
(2) التكثيف اللغوي في القصة القصيرة بين الشعرية والسرد عبد الرحمن ضاحي – مجلة الأدب العربي الالكترونية.
(3) التماسك النصي بين الدراسات البلاغية القديمة والدراسات النصية الحديثة – نجولة بن الدين – الجزائر – مجلة عود السند الالكترونية.
(4) لغة الشعر – دراسة في الضرورة الشعرية – د. محمد حماسة عبد اللطيف – دار الشروق – عام 96 .
(5) نقد الشعر – لأبي فرج قدامه بن أبي جعفر – لبنان – 1958 .
(6) ديوان هاشم الرفاعي – الأعمال الكاملة – دراسة عبد الرحيم الرفاعي – مكتبة الإيمان 1996.
(7) الشاعر عبد الحميد الديب – حياته وفنه للدكتور/ عبد الرحمن عثمان – دار المعارف 1968.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.