فلسطين في الذاكرة الموسيقية بقلم : د. ساهر ياسين الفن هوية قد تتجاوز أهميتها حدود الزمان والمكان ، وقد تغدو بطاقة التعريف الأكثر صدقا للشعوب ، وان كانت الموسيقى هي اللغة العالمية المشتركة فان الأغنية بموسيقاها وكلماتها هي اللغة الخاصة التي تعتبر من "مثيرات الفضول" في هذا العالم، فالأغنية الوطنية الفلسطينية بموسيقاها تعتبر ممثلا ثقافيا لتجربة شعب أمضى حياته مقاوما للاحتلال وكذلك تعتبر بمثابة الذاكرة التي وثقت وأرخت مجريات الحياه اليومية للشعب الفلسطيني . لقد كانت فلسطين حاضرة في أذهان غالبية الموسيقين والملحنين الفلسطينيين حتى انها اصبحت عنصرا أساسيا في أعمالهم الفنية سواء كان ذلك في اللحن من حيث اختيار المقام الموسيقي او من خلال البناء الموسيقي نفسة، او في التنوع في استخدام الايقاعات . وبالعودة الى القرون الماضية نلاحظ ان العديد من الموسيقين قد وظفوا الأحداث التي مرت بها فلسطين في موسيقاهم وخير مثال على ذلك ما قام به الفنان الشعبي نوح ابراهيم من صياغة بعض الابيات الشعرية التي وثقت حادثة اعدام الابطال الثلاثة محمد جمجوم ، فؤاد حجازي ، وعطا الزير من قبل الاستعمار البريطاني على نمط غناء الدلعونا . وقد برز في تلك الفترات الكثير من الموسيقيين نذكر منهم عبد السلام الأقرع ، رياض البندك، روحي الخماش ، يحيى اللبابيدي ، محمد كريم ،جورج عرنيطه وغيرهم. أما الملحن مهدي سردانه الذي عايش مرارة النكبة عام 1948وما تبعها من تهجير وتشريد للشعب الفسطيني فقد ابدع في لعب دورا بارزا في بث روح العزيمة والقوة في نفوس ابناء الشعب من خلال موسيقاه والحانه للكثير من الأغاني مثل : بكره تروح الغيمه وأهدم بايدي الخيمه ونعود للحواكير نسمع غناوي الطير محلاها من ترنيمه محلاها من ترنيمه بينما الملحن ابراهيم محمد صالح "ابو عرب" يرى أن الغربة قد طالت وأن الاشتاق والحنين للوطن قد زاد فيلحن الأغاني المليئة بالعاطفة والحنين للوطن ومنها اغنية "هدي يا بحر هدي" الذي صاغها عل مقام الحجاز ليعبر عن الحزن والفراق والبعد عن الوطن فيغني : هدي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا ودّي سلامي ودي للأرض اللي ربتنا ومن أوائل الموسيقين الفلسطينيين الذين كان لهم دورا بارزا في ابقاء فلسطين شعلة متقدة في نفوس معظم الشعوب الملحن حسين نازك الذي كان له الباع الطويل في أغاني الثورة الفلسطينية ومؤسس فرقة العاشقين ، وما أغنية "اشهد يا عالم " من كلمات الشاعر أحمد دحبور الا خير مثال على الابداع الموسيقي فتغني فرقة العاشقين أحداث حرب 1982 والصمود الاسطوري للمقاتلين الفلسطينيين : اشهد يا عالم علينا وعابيروت اشهد للحرب الشعبية واللي ما شاف بالغربال يا بيروت أعمى بعيون أمريكية وتأتي مرحلة جديدة في تاريخ فلسطين وهي مرحلة الانتفاضة الأولى " انتفاضة الحجارة" لينتفض معها الأدباء والشعراء والموسيقيون وتظهر أعمال فنية ابداعية متميزة ، ويبرز موسيقيون ساهموا في رسم أحداث الانتفاضة بكل دقة وتفصيل أمثال سعيد مراد ، جميل السائح ، مصطفى الكرد ، وليد عبد السلام ، سهيل خوري ، فمن كلمات الشاعر محمود درويش يرسم الملحن سعيد مراد ابن مدينة القدس العديد من الألحان المعبرة عن الحالة الفلسطينية ومنها لحن أغنية "عن انسان" المصوغة على مقام العجم المصور على درجة الكرد ومستخدما العديد من الايقاعات ليعبر عن حالة الأسر الذي مارستها قوات الاحتلال بحق ابناء الشعب الفلسطيني فتغني كميليا جبران من ألحانه: وضعو على فمه السلاسل ربطو يديه في صخرة الموتى .... وقالو انت قاتل أخذوا طعامه والملابس والبيارق ورموه في زنزانة الموتى ..... وقالو انت سارق أما الملحن مصطفى الكرد فيرى فلسطين من زاوية أخرى زاوية الوحدة الوطنية ، فيغني على احدى المقامات الموسيقية المعبرة عن القوة " مقام الكرد" اغنية اسمي عربي فلسطيني : لا تقول لي ايّ تنظيم ولا تسألني عن ديني أنا ترابي من هالأرض اسمي عربي فلسطيني بينما الفنان وليد عبد السلام فيرصد بالحانه الشجية حدث معين من أحداث الانتفاضة وهو الاضراب فيغني : عالاضراب وعالاضراب غزه والضفة اضراب عالاضراب وعالاضراب اليوم وبكره اضراب لقد مرت فلسطين في الكثير من الأحداث السياسية ، وكان الملحنين يوثقون بالحانهم تلك الأحداث ، فبعد اتفاقيات أوسلو وما اشيع من وجود عملية سلام لانهاء الاحتلال لحن الفنان جميل السائح بطريقة السخرية أغنيته الشهيره "عم السلام" من كلمات جورج ابراهيم فيغني بصوته الدرامي : طلع الخبر زي القدر عم البشر بوش انتصر وغاب الجوع ، طاب السمر وزال الخوف ... حتى الفقر ... كله اندثر يعني بالمختصر .... عم السلام .... كل البشر الى أن تأتي مرحلةالانتفاضة الثانية عام 2000 وتغير مسار الاحداث الفلسطينية ويستشهد المئات وتدمر البيوت ، ويصعد نجم موسيقيون آخرون ليضيفوا الى الذاكرة الموسيقية احداث مرت بها فلسطين أمثال ريم بنا الذي رصدت بألحانها أجمل القصص المواقف والأحداث التي مرت بها فلسطين خلال الانتفاضة الثانية فمن كلمات الشاعر ماجد ابو غوش اوصلت الفنانة ريم بنا بلحنها وأدائها حادثة اغتيال الشهيد الطفل "محمد الدرة " فتغني على مقام نهاوند وباستخدام ايقاع slow "مات الولد" : محمد ولد صغير ما كان حلمه الأخير ...... انه رصاص يخطف بريق عينيه محمد حلمه يصير .... حر بوطن كبير لحظه يخلص الحلم ..... لما يصوب القناص مات الولد هكذا كانت فلسطين حاضرة في الذاكرة الموسيقية ، من خلال توثيق الاحداث لحنا وأداءً ، وما تم ذكرهم من ملخنين الا بعض الاسماء الذين ساهمو وكان لهم دورا رائدا بعطائهم وانتمائهم لقضيتهم ، فهناك ايضا العديد ممن لم يتسنى لي تسليط الضوء على أعمالهم الموسيقية أمثال سهيل خوري ، ريما ترزي ، خالد صدوق ، غاوي غاوي، حبيب شحاده ، نسيم دكور ، نبيل عازر ، باسل زايد ، أمل مرقص ، نزار زريق ، فيوليت يارا ، مهران مرعب .. وغيرهم آملا الحديث عن أعمالهم الموسيقية لاحقا.