في الخامس والعشرين من مارس الماضي اجتمع اللواء حمدي بدين عضو المجلس العسكري بأعضاء في الجهاز المركزي للمحاسبات، بعد تكرار اعتصاماتهم داخل مبنى الجهاز، اعتراضًا على الأوضاع المالية لهم، ونظر مطالبات حركة "رقابيون ضد الفساد" التي شكلوها ليكون الجهاز مستقلًا ولا يخضع رئيسه لرئاسة الجمهورية، وانتهى الاجتماع بأن طلب المجلس العسكري من وزارة المالية تعديل اللوائح المالية الخاصة بالجهاز وتحسين أوضاع أعضائه، وأعقب ذلك بأيام مسيرة إلى مجلس الشعب طالب فيها اعضاء الجهاز، بوقف محاولات المجلس للسيطرة على الجهاز، من خلال مشروعات القوانين التي طرحت في ذلك الوقت. وحسب مصادر في الجهاز فإن صراعًا جرى بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين صاحبة الأغلبية البرلمانية، بعد أن لوحت الجماعة بأن الجهاز سيكون تابعًا للبرلمان، وأنه سيسمح له وفق مشاريع القوانين التي سيتم تشريعها بأن يتم مراقبة ميزانية القوات المسلحة، وحاولت الجماعة استغلال مطالبات الجهاز بالاستقلالية في أن يكون مستقلًا عن رئاسة الجمهورية -التي لم تحسم وقتها-، وأن يكون تابعاً لمجلس الشعب أصحاب الأغلبية فيه. وأمام ما سبق فإن تطورات المشهد السياسي فيما بعد أخذت منحى مختلف حيث عودة المجلس العسكري إلى ثكناته، واختفائه من المشهد السياسي، وتولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية، واستمرار الجمعية التأسيسية للدستور بتشكيلتها الإخوانية، وتحديدًا التشكيلة الإخوانية للجنة الخاصة بالأجهزة الرقابية، حيث تتولى إعداد المواد الدستورية الخاصة بالأجهزة الرقابية، بحيث أصبح في كنف جماعة الإخوان المسلمين. واستطاع الإخوان المسلمون التدخل في تعيين رئيس الجهاز بعد أن تولي الرئيس مرسي الرئاسة، وأصدر قراره في السادس من سبتمبر الماضي بتعيين المستشار هشام جنينة القيادي في تيار استقلال القضاء رئيساً للجهاز، وأعقب القرار الكثير من الأقاويل حول البداية الحقيقية لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الجهاز، ذلك أن القرار جاء بعد تعيين المستشار محمود مكي نائبًا للرئيس والمستشار أحمد مكي وزيرًا للعدل وهم قيادات في تيار الاستقلال، وأمام ذلك نفى المستشار جنية في كل المقابلات الصحفية والتلفزيونية التي أجراها كونه مقربًا من الإخوان، مؤكدًا أنه سيقف في وجه كل المخالفين حتى لو كان رئيس الجمهورية. يقول عضو مكتب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مصيلحي عليوة: إن الإخوان بالفعل سيطروا على الجهاز، بدليل أن رئيس الجمهورية الذي أصدر القرار هو إخواني، ثانيًا: أن أعضاء الجهاز طرحوا آلية لتعيين رئيس الجهاز لم يتم الالتفات إليها، وهي أن يكون الرئيس بالانتخاب من أعضاء الجمعية العمومية وذلك على اعتبار أن يكون متخصصًا في الأمور المحاسبية، ولا تتكرر مشكلات جودت الملط الرئيس السابق للجهاز الذي كان قاضيًا في مجلس الدولة. ويضيف عليوة، بعد أن تدخل رئيس الجمهورية ذو المرجعية الإخوانية في تعيين رئيس الجهاز، وضمان وجود شخصية على رأسه مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، جاء الدور على المواد الدستورية التي ستنظم الدور الرقابي للجهاز، والجهات التي سيراقب عليها ومن سيقوم بتعيين رئيسه، وتضم لجنة الأجهزة الرقابية التابعة لتأسيسية الدستور والموكل لها وضع المواد الدستورية الخاصة بالجهاز شخصيات إخوانية، بداية من رئيسها الدكتور خيري عبد الدايم وهو نقيب الأطباء، والدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، وحسين إبراهيم زعيم الأغلبية في حزب الشعب المنحل. ويتابع، انتهت اللجنة بإعداد مواد دستورية تؤكد السيطرة حسبما أكد احمد عواد عضو الجهاز المركزي للمحاسبات وعضو لجنة الاستماع بالتأسيسية موضحًا, أن مسودة النصوص الدستورية عملت على تسييس الجهاز المركزي للمحاسبات عن طريق آلية ترشيح رئيسه من رئيس الجمهورية والذي ينظر إليه البعض على أنه منصب سياسي, لأنه إذا طغت الصبغة السياسية على وظيفة رئيس الجهاز فمعنى ذلك أن تخضع قراراته للأهواء والميول السياسية والرؤى الحزبية والنتيجة أن يتم حجب أو توجيه تقارير الجهاز لصالح الأحزاب أو التيارات التي ينتمي إليها أو ضد تلك التي يعارضها, كما ستظهر الصراعات بين تلك القوي السياسية جول أحقية أي منها في اغتنام الجهاز الأعلى للرقابة في مصر. ويؤكد عواد، أن الواجب يُحتم علينا أن نُعلن للشعب أن وظيفة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هي وظيفة مهنية رقابية متخصصة؛ وذلك لأن طبيعة العمل الرقابي تُكتسب من خلال الممارسة, والخبرة العملية, وأن تقارير الجهاز يتم إعدادها عن طريق أعضاء الجهاز المتخصصين ثم تُقدم بعد ذلك لرجال السياسة , (رئيس الجمهورية – رئيس الوزراء والوزراء– مجلس الشعب وأعضائه) بحيث يكون بين أيديهم تقارير حقيقية موثقة تعبر عن الواقع بدون توجيه أو (فلترة) حتى تكون قراراتهم السياسية قائمة على سند صحيح وسبب مبرر, ومن هنا كانت ضرورة النص على أن يكون رئيس الجهاز من بين أعضاء الجهاز دون غيرهم , لأن به من الكفاءات والخبرات القادرة على إدارة هذه المؤسسة الكبيرة بكل كفاءة واقتدار, وذلك من خلال الخبرات المتراكمة المكتسبة عن طريق ممارسة العمل الفني الرقابي لسنوات. وتنص المادة (204) في باب الأجهزة الرقابية والتي تم إقرارها أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، وهم غير قابلين للعزل ويحظر عليهم مزاولة الأعمال المحظورة على الوزراء، ويتبع فى اتهامهم وحاكمتهم القواعد والإجراءات المقررة فى الدستور لاتهام الوزراء ومحاكمتهم". ويعلق الدكتور محمد علي سعد عضو مراقب بالجهاز ل"البديل" أنه بالنظر للمواد 202, 204 نجد التضارب الواضح حيث تم النص فى المادة 202 على استقلالية الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة وتمتعها بالاستقلال الفنى والإدارى والمالي, بينما جاءت المادة رقم 204 لتقرر قيام رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ. ويقول طاهر عبد المحسن عضو مجلس الشورى عن حزب النور السلفي وعضو التأسيسية ل"البديل" أنه من الصعب أن يتم إقرار الآلية الخاصة بتعيين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من خلال جمعية عمومية مشيرًا إلى أن الجهاز مؤسسة عمومية وليس ناديًّا أو نقابة مضيفًا أنه من غير المعقول أن حزب الذي جاء بالرئيس ومجلس الشورى – المعنيين بتعيين رئيس الجهاز – يأتي بشخص فاسد لأن ذلك سوف يقضي على شعبية حزب الأغلبية. البديل اخبار/ قضايا ساخنة