أ. د. محمد خضر عريف خلال دعوة خاصة كريمة للعشاء في منزل المهندس الجيولوجي الشاب المهذب الابن عمرو وليد السعدي في اجازة عيد الأضحى المبارك لهذا العام في مدينة كيب تاون الساحرة، استأذنني الابن عمر لدقائق لمقابلة شخص قدم إليه بخصوص قضية قانونية، وبعد عودته سألته عفويا عن ذلك الزائر الليلي، فأخبرني بأريحية أنه محامٍ أو لعله وكيل محامٍ مختص في تخفيض رسوم المخالفات المرورية، ولم أفهم قصده لأول لوهلة، وعدت لأسأله عن نظام المخالفات في جنوب إفريقيا، وعلمت أنه يشبه نظام ساهر لدينا في كون الكاميرات الخفية تلتقط لوحات المخالفين وهذه الكاميرات لديهم يمكن إخفاؤها بسهولة بين الأشجار والغصون الكثيفة في ذلك البلد الأخضر بينما تختبئ في صناديق أو سيارات لدينا أو تثبت على قارعة الطريق ولا تخفى على أحد. كما علمت منه أن مقدار المخالفات يصل إلى أرقام تتساوى مع أرقام المخالفات لدينا ولكن مع اختلاف سعر العملة، فتجاوز السرعة بما لا يزيد عن 15 كلم مثلا غرامته ثلاثمائة (رند) وكذا. وحين سألته عما ذكره من أن هذا الشخص القادم إليه مختص في تخفيض المخالفات ظننت أن ذلك يحصل عن طريق المحسوبية أو الواسطة كما نسميها، ناسيا أن نظام (الواسطة) ليس مطبقا إلا في الدول العربية دون دول العالم كلها، ولكنه أوضح لي أن نظام المخالفات في جنوب إفريقيا يقوم على إرسال إشعارات مكتوبة للمخالف على عنوانه- بينما ترسل في نظام ساهر عن طريق الرسائل النصية إلى الجوال- وترسل هذه الإشعارات لمرة أو اثنتين خلال شهرين أو ثلاثة، حتى تصبح واجبة السداد بعد ستة أشهر تقريبا، وقتها يجب على المخالف أن يذهب بنفسه إلى المحكمة المرورية ليسددها ولكن ليطلب تخفيضها لأي سبب، ومن أهم الأسباب أنه لا يملك المبلغ اللازم لسدادها، وعليه يخفض له المسؤول قيمة المخالفات بنسبة تصل إلى 60% ولا يسدد إلا 40% فقط. وسألته وهل تتضاعف قيمة هذه المخالفات في حال تأخر سدادها قال: أبدا أبدا، لأن ذلك دليل على عجز المواطن عن السداد. أما ذلك المحامي فيستطيع بشكل قانوني تخفيضها إلى 20% بكل سهولة. وبادرت بسؤاله مجدداً: وهل يترتب على عدم السداد أو تأخيره عقوبات أخرى؟ مثل إيقاف خدمات حكومية أخرى كإصدار جواز السفر أو تجديد الرخصة أو ملكية السيارة أو غير ذلك؟ فأجاب مستغربا: وما علاقة ذلك كله بمخالفات المرور لا طبعا لا يحدث شيء من هذا كله. دون أن أبين له ما يحدث عندنا من إيقاف للخدمات وربط ذلك بالمخالفات عدت وسألته: وماذا يحدث لمن يستهتر بالنظام ولا يسدد ولا يذهب للمحكمة للتخفيض؟ أجاب أنه لابد من أن يضبط في إحدى حملات التفتيش وحينها قد تسحب رخصته لمدد مختلفة أو تلغى. وحين سألني عن سبب اهتمامي وإلحاحي في السؤال أفدته بأن ذلك من باب العلم بالشيء فقط. وكنت بالطبع أقارن بين ذلك النظام المطبق في جنوب إفريقيا وكثير من الدول الأخرى الغنية والفقيرة على حد سواء وبين نظام ساهر لدينا، خصوصا ما يتصل منه بمضاعفة قيمة المخالفة الذي لا يطبق في أي مكان آخر- حسب علمي- ولكن علمي لم يرقَ إلى درجة توقع تخفيض المخالفات بدل مضاعفتها إذا مضى عليها أشهر طويلة كما يحدث في هذه الدولة الإفريقية من باب الرأفة بالمواطن حتى لو اركتب مخالفة أو مخالفات عدة. ولكي أنقل الصورة كاملة بأمانه سألته عن العقوبات المغلظة فأفاد أنها تطبق على من تصل سرعته مثلا إلى ما بين 170 كيلومترا وبين 200 كلم مثلا فحينها يمكن أن يسجن أو يغرم بما يصل إلى ثلاثين ألف (رند). وذلك أمر كما قال نادر الحدوث إلى أبعد الحدود. وقد يحصل أن تسحب رخصة المخالف الذي يصل إلى هذا الحد بعد سجنه في بعض الأحيان. أقول وبالله التوفيق إنني وكثيرا من أبناء جيلي مع نظام ساهر قلبا وقالبا لأنه أنقذ أرواحا كثيرة بإذن الله وقلل من تهور الكثير من السائقين دون أدنى شك، ولكني أدعو كما دعوت مسبقا مراراً إلى ضرورة إعادة النظر في تغليظ العقوبة بهذا الشكل الذي لا نعرف له مثيلا، وقد أدت مضاعفة قيم المخالفات إلى كوارث اجتماعية كبيرة تضر بالمجتمع بدل أن تنفعه. كما أدى إيقاف الخدمات إلى تعطيل مصالح أساسية للمواطنين دون مبرر شرعي. ولابد من إيجاد وسيلة للتخفيف عن المواطن دون الإخلال بفاعلية ساهر التي نؤيدها جميعا. ولعل الإفادة من نظام جنوب إفريقيا ودول أخرى شرقية وغربية يكون سبيلا إلى هذا التخفيف والعاقل من وعظ بغيره. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain