أ. د. محمد خضر عريف مَن منّا لم يواجه معضلة كبيرة في حجز ولو مقعدًا واحدًا على متن إحدى طائرات الخطوط العربية السعودية في إحدى الرحلات الداخلية، التي تقتصر على «السعودية» بوجه عام، ما عدا خطوطًا بعينها يُسمح لطيران «ناس» أن يشارك فيها ببعض رحلاته. ذلك أن المواطن أو المقيم قد تواجهه ظروف تقتضي سفره خلال يوم واحد، أو خلال ساعات في بعض الأحيان، كحالات الوفاة، أو المرض، أو المشكلات الاجتماعية المختلفة، أو مراجعة المعاملات المهمة، وكذلك المناسبات الدينية كرمضان أو الحج، وهذه بالذات لا يجد حجزًا لها إلاَّ إن حجز قبل عام كامل ربما، علمًا بأن حجز «السعودية» لا يتم إلاّ بشراء التذاكر كاملة، ليس قبل موعد الرحلة بأيام، بل بعد إجراء الحجز بيومين أو ثلاثة، وفي كثير من الأحيان -إن لم يكن في معظمها- يضطر المواطن المسكين أن يستقل سيارة للانتقال بين مدن المملكة، والمملكة قارّة كما هو معلوم، ومن أراد أن يقطع المسافة بين أقصى شرقها وأقصى غربها، أو من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها، أو العكس، فإنه يحتاج إلى ساعتين للسفر جوًّا، وأكثر من أربع وعشرين ساعة للسفر برًّا، والسفر بالبر محفوف بالمخاطر الجمة كالسرعة الجنونية، والعواصف الرملية، والجمال، وحدّث ولا حرج، ولطالما قضت عائلات بكل أفرادها في هذه الرحلات البرية، كما حصل لأحد أرحامنا، وبعض أفراد عائلته، ومنهم زوجته -رحمهم الله جميعًا- حين انقلبت سيارتهم في الطريق بين الدماموجدة، وهم قادمون للعمرة قبل سنوات قليلة، ومثلهم كثير، في ظل هذا البؤس، وسوء الحال، وتقطّع السبل بالمسافرين على مدى العام، الذي بات لا يخلو يوم واحد منه من المناسبات كالعمرة والحج، وسفر المدرسين، وعطلة منتصف العام الدراسي، وعطلة منتصف الفصل الدراسي، والعيدين، واليوم الوطني وهلمّ جرا، في ظل كل ذلك، وعندما تحظى بمقعد على الخطوط السعودية «بطلوع الروح»، و»بشقّ الأنفس» تسمع عبارة مكرورة تقول: «شكرًا لاختياركم السعودية»، وكأنّ هناك اختيارات أخرى، ولربما كان المقصود: شكرًا لاختياركم «السعودية» دون النقل الجماعي، أو سيارات الأجرة ... إلخ. ولا أريد في هذه المقالة أن ألقي باللائمة على الخطوط السعودية، ولكن أنحي باللائمة على كل جهة كانت سببًا في تأخير وتعطيل تسيير رحلات لبعض الشركات الخليجية داخل المملكة التي حازت برخصة «ناقل جوي وطني» في المملكة، وقد سمعنا وقرأنا في عدة صحف، وفي بعض القنوات أن الخطوط القطرية، وطيران الخليج قد حازا على هذه الرخصة، ولكنهما لم يتمكنا من بدء التشغيل بسبب عدم خفض أسعار الوقود لهاتين الشركتين حتى الآن، وذلك أن اللجنة المكونة من هيئة الطيران المدني، وأرامكو السعودية لم تتوصل إلى حل لهذه المشكلة حتى الآن، ولم يحسم ملف أسعار الوقود الذي تعتبره هيئة الطيران المدني العامل الرئيس للاستفادة من الرخصة التي حصلت عليها الشركتان، والتي تخولهما الدخول للسوق السعودية، ومازالت الهيئة تطالب أرامكو بتوفير الوقود للشركتين بأسعار منخفضة أسوة بالخطوط السعودية، وذلك لتكون المنافسة عادلة بين هذه الشركات جميعًا، ويكون المستفيد بالطبع هو الراكب الذي يتوق لحل مشكلات تنقله بين مدن بلاده الشاسعة الواسعة منذ سنوات طويلة. وأعتقد جازمًا أن قيادتنا الرشيدة تسعى جاهدة لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بكل وسيلة ممكنة، ومن أهم هذه الوسائل دعم وقود السيارات، بحيث أصبح سعره في المملكة أقل سعر له في العالم كله، بما في ذلك دول الخليج العربي قاطبة التي يصل سعر لتر البنزين فيها إلى أربعة أضعاف، أو خمسة أضعاف سعره في المملكة، والمقصود من تلك السياسة الحكيمة أن ييسر تنقل المواطن داخل مدن المملكة الضخمة، التي يبلغ طول بعضها مئة كيلومتر أو يزيد، وكذلك تنقله بين مدن المملكة بآلاف الكيلومترات، وعليه يمكن قياس التنقل الجوي على التنقل البري، وإذا ما خفضت أسعار الوقود للشركات الناقلة -ولا فرق في ذلك بين الشركات السعودية والشركات الخليجية- فإن المستفيد الأول سيكون المواطن؛ لأن تكلفة السفر ستظل مخفضة له، بل ستتنافس الشركات في تخفيضها لكسب الزبائن، ولن يواجه المواطن بعد ذلك مشكلة عدم العثور على مقعد في تنقله بين مدن المملكة إن طرأ عليه طارئ بين اليوم والليلة، لذا أعتقد جازمًا أيضًا أن حسم هذا الأمر أصبح يحتاج إلى قرار لتخفيض أسعار وقود الطائرات للشركات الخليجية التي ستعمل داخل المملكة، حينها فقط يمكن لخطوطنا السعودية أن تذيع لنا بفخر: «شكرًا لاختياركم السعودية». [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain