د. صادق القاضي "دماج" قلعة وهابية سنية في محيط شيعي، استُحدثت لتكون حلبة للصراع السياسي بأدوات مذهبية، الرئيس السابق، إيران، السعودية، قطر.. جهات شاركت بتفاوت في صناعة بؤرة الاستقطاب الخطرة تلك، حوثيون ووهابيون كانوا مستعدين سلفا للحرب بالنيابة عن محاور إقليمية ودولية تخبئ أبناءها وتلقي بأبنائنا في محرقة الصراعات العبثية، فيما تتبادل فيما بينها لغة الدبلوماسية والمجاملات.. مرتزقة، لا أكثر، نحن الذين نتقاتل نيابة عن الآخرين، ومن أجل مصالحهم، على حساب مصالحنا وفلذات أكبادنا الذين نضحي بهم رخاصا في حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، تقاتلنا نيابة عن أمريكا وروسيا، من قبل، كما نتقاتل الآن نيابة عن إيران والسعودية، حتى كأننا مرتزقة مأجورون بالفطرة، والحرب بالوكالة مشكلتنا السرمدية.! لا أسوأ من الحرب، سوى أن تكون طائفية، لا حقيقة فيها سوى الدم، وكلاء السماء يقلقون سكينة الأرض، وهناك آلهة بعدد المجاهدين والطوائف والفرق الدينية المتنازعة، التي تهتف جميعا باسم الله، وتعتبر قتلاها شهداء في سبيله. المشكلة سياسية بالأساس، الآلهة والأنبياء والقديسون.. لا يتصارعون، وإنما يتصارع الانتهازيون على المصالح، كل أزمة طائفية أو دينية هي جوهريا قناع سطحي زائف لأزمة سياسية قائمة في العمق، يراد تمريرها بشعار ديني.. هذه الطوائف والأديان والمعتقدات تعايشت بسلام على هذه الأرض منذ البدء، السلام بينها هو الطبيعي، أما في الظروف غير العادية، عندما تتضارب المصالح بخساسة، تصبح أطهر القيم والمبادئ، لُعبا سياسية قذرة، وتبرز السياسة مخالبها الدينية، وتشتعل الحروب الطائفية. لم نتقاتل مرة من أجل الأفكار ولا المصالح الوطنية، التي تتلبس بها الحروب العدمية، وما يحدث في دماج، ومن الممكن أن يحدث في غيرها، ينهك اليمن كلها، هي حرب أهلية، تدمر السلم الاجتماعي والبنية الفكرية والنفسية.. الضرورية لحلم المستقبل المدني، القائم على الحرية والعدالة والمساواة.. لا حق ولا باطل في الأمر، وبالتأكيد لا علاقة للإمام علي ولا لمعاوية في ما يحدث، ولا يمكن بعثهما من الموت، والمصالحة بينهما، لتهدأ أزمة دماج، مشكلة دماج هي جزء من المشكلة اليمنية المركبة، وهي غياب الدولة والقانون والحرية، وغياب الولاء الوطني الذي يتيح الحروب بالوكالة، تلك الأمور كفيلة بخلق سياقات مدنية سلسة لتعدد وصراع المصالح، وغيابها يعني جعل المصالح السياسية المتضاربة تتصادم، وتعبر عن صراعها بمختلف الوجوه والمسميات المذهبية والعرقية والمناطقية.. فقط بتأسيس وتفعيل نظام قوي ديمقراطي معاصر، ستتلاشى عفويا كل الأزمات الناشئة عن غياب هذا النظام، وستعود المياه إلى مجاريها، وصولا إلى تكريس الديمقراطية مجالا واحدا وحيدا لتحقيق المصالح السياسية والتنافس عليها. *اليمن اليوم