من الناحية النظرية هناك ارضيات تجعل التعامل بين ايران واميركا امرا ممكنا في ضوء بعض الظروف. لكن هذه العلاقة وضمن انها بحاجة الى تمهيدات ضرورية يمكننا القول بأنها ستشتمل على تكاليف وفوائد لكلا البلدين وقد تكون تكلفتها اكبر من فوائدها. طهران (فارس) ويشير المحلل السياسي الايراني "مير ابراهيم صديق" في مقال له الى العداء الاميركي لمختلف الحكومات الايرانية وعلى نطاق اوسع مع الشعب الايراني، ليؤكد بأن معرفة جذور الخلافات بين الجانبين وتقديم تفسير صحيح عن التوجهات والإلمام الدقيق بالحقائق وتجنب الإفراط والتفريط هي من اهم العناصر التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار في العلاقات بين البلدين. المقال الراهن يسعى الى مناقشة التكاليف والفوائد والتحديات التي تعترض العلاقات بين ايران واميركا من وجهة نظر الجانبين. ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي التحديات التي يواجهها الجانبان والمزايا التي سيحصلان عليها وتكلفتها. 1- تحديات ايران في العلاقات مع اميركا - تبرير العلاقة مع اميركا: قطع العلاقات مع اميركا تم إثر التطورات النابعة من تطلعات واهداف الثورة الاسلامية ومنها مقارعة الاستكبار الاميركي واهدافه الاستثمارية والتي تتعارض مع اهداف الثورة الاسلامية الرامية الى إرساء العدالة والدفاع عن الشعوب المضطهدة. هذا فضلا عن تدخل وعدوان اميركا على الكثير من الدول الاسلامية مثل افغانستان والعراق وليبيا وسوريا وسائر الدول الاسلامية. سؤال يطرح نفسه، الا تعد العلاقات مع اميركا بمثابة خذلان الشعوب الاسلامية؟. - حقوق الشعب الفلسطيني: النظام الدولي يفرض على الدول تكريس جهودها خدمة لمصالحها القومية، وفي غالبية الاحيان فإن هذه المصالح القومية متشابكة مع مصالح المؤسسات والشعوب الاخرى. الجمهورية الاسلامية الايرانية ايضا غير مستثناة من هذه القاعدة ولها مصالح تتعارض مع مصالح القوى العظمى وتتناغم مع مصالح الشعوب الاخرى. مصالح ومنافع الشعب الفلسطيني مصداق جيد لهذا الموضوع. البعض قد يعترض بأن حقوق الشعب الفلسطيني ليست جزءا من مصالح ايران القومية! الا انه وردا على هؤلاء ينبغي القول ان الاسلام هو اساس حركة الشعب الايراني، فكيف لا تعد حقوق شعب مسلم جزءا من مصالح ايران القومية؟ وفضلا عن ذلك كيف تعتبر اميركا الدفاع عن الكيان الصهيوني بأنه جزء من مصالحها ولا تعتبر ايران الدفاع عن الشعب الفلسطيني جزءا من مصالحها؟. 2 - فوائد العلاقة مع اميركا للجمهورية الاسلامية الايرانية - إلغاء الحظر: لا شك ان الحظر الاحادي المفروض على ايران والتصدي للدول والشركات والجهات التي تتعامل معها لا يهدف سوى الى الإضرار بإيران وعزلها، والموضوع النووي ما هو الا ذريعة. بعض السذج يعتبرون إلغاء الحظر بأنه امتياز لإيران. هذا في حين ان استعادة الحقوق الطبيعية لشعب ما لا يعد امتيازا. - تعزيز الدور الاقليمي والدولي الايراني: قد يبدو بداية ان إقامة العلاقات مع اميركا ستعزز دور ايران في مختلف انحاء العالم وان طهران ستلعب دورا مهما في تسوية الازمات وتذليل العقبات بفضل مكانتها السياسية والاستراتيجية والعسكرية والامنية والاقتصادية. طبعا ان هذا الامر رهن باعتراف اميركا بالقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية الايرانية. - المزايا الاقتصادية: لاشك ان الشركات الاميركية هي من ضمن الشركات الاقتصادية العالمية العملاقة وتطبيع العلاقات بين البلدين سيؤدي الى عودة هذه الشركات لقطاع الصناعة الايراني وبالتبع الحصول على فوائد اقتصادية. من جهة اخرى فإن اميركا لديها نفوذ كبير على المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ولا شك ان تحسين العلاقات مع اميركا سيحول دون عرقلة هذا البلد لنشاطات ايران في هذه المؤسسات الدولية. 3 - تكاليف العلاقات مع اميركا - تغيير موقف الشعوب حيال ايران: ايران وبعد الثورة الاسلامية حملت لواء مقارعة الاستكبار العالمي وعلى رأسه اميركا. وإقامة العلاقات مع اميركا يتعارض بشكل اساسي مع شعارات واهداف الثورة الاسلامية وسيؤدي الى يأس غالبية الشعوب من ايران. - تجاهل الحق النووي: غالبية الهواجس في خصوص العلاقات بين ايران واميركا تعود الى الخوف من تجاهل الحقوق النووية الايرانية. فرغم ان روحاني وبعد عودته من نيويورك صرح بأن الرئيس الاميركي ايضا اذعن بالحقوق النووية للشعب الايراني، الا ان التجربة اثبتت بأن هناك تباينا بين اقوال الاميركيين وأفعالهم. فتجاهل الحق النووي الايراني هو اكبر هاجس في هذا المجال، ولكنه في نفس الوقت يشكل اختبارا جيدا لمصداقية اميركا. - الاعلام السلبي لوسائل الاعلام الغربية: السياسات الاميركية تكشف بوضوح ان هذا البلد وبعد الحرب العالمية الثانية يحاول استغلال اي فرصة لإطلاق الدعايات السلبية ضد الدول الاخرى بهدف إملاء سياساته عليها. الدعاية ضد الشيوعية والاسلام شكلا المحوران الاساسيان لهذه الدعاية السلبية. الكثيرون يرون ان اقتراح الحوار الاميركي جاء في الوقت والزمان المناسبين، حيث ان البرنامج النووي الايراني يخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذرائع السابقة حول الشق العسكري للبرنامج فقد بريقه، هذا فضلا عن ان اميركا تواجه تحديات كبيرة في مختلف انحاء العالم ولا يمكنها تجاهل ايران. لذلك فإن اقتراح الحوار سيكون مجديا لاميركا لتعوض من خلاله عن هزائمها في الشرق الاوسط وفي ايران او تحصل على الذريعة ان رفضته ايران. وفي كلتا الحالتين فإن ايران ستكون الخاسرة. في الحالة الاولى سيتم الترويج ان ايران هزمت واستسلمت، وفي الحالة الثانية فإن وسائل الاعلام الغربية ستروج لمقولة ان سلوكيات ايران تتعارض مع الانظمة والقوانين الدولية لتقوم بما خططت له سابقا. - تعقيد الاحجية الامنية للشرق الاوسط: الاوضاع الامنية في الشرق الاوسط باتت اكثر تعقيدا من السابق والدول العربية بدأت سباق تسلح عبثي. والسؤال هنا هو هل ان تحسين العلاقات بين ايران واميركا سيساعد في حل الاحجية الامنية لمنطقة الشرق الاوسط؟ يبدو ان هذا الامر ليس فقط لن يساعد في حل هذه الاحجية بل سيؤدي الى تعقيدها اكثر من السابق، وذلك لأن دول الشرق الاوسط اثبتت كرارا بأنها مستعدة لإقامة علاقات استراتيجية مع سائر القوى العظمى مثل الصينوروسيا. وتنامي دور سائر القوى العظمى سيؤدي بدوره الى تعقيد الاوضاع الامنية لمنطقة الشرق الاوسط اكثر من السابق. 4 - تحديات اميركا في العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية - تبرير العلاقات: تبرير العلاقات مع ايران من قبل البيت الابيض هو بعكس تبرير مسؤولي الجمهورية الاسلامية الايرانية؛ بمعنى ان اوباما وقادة البيت الابيض مرغمون على تبرير موقفهم امام اللوبي الصهيوني الداخلي والكيان الصهيوني وبعض حلفائهم العرب في المنطقة بدلا من تبريرها امام شعبهم. وهذا التبرير لا يمكن مقارنته ابدا بالتبرير الذي يقدمه المسؤولون الايرانيون لشعبهم. تغيير موقف اوباما بعد لقائه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وتأكيده مرة اخرى على الخيار العسكري يكشف عن ان اميركا تعتبر استرضاء الكيان الصهيوني اهم من رأي الشعب الاميركي. من جهة اخرى فإن هناك اختلافات بين الحزبين الحاكمين في اميركا -وان كان يبدو كذلك- ما يستدعي تقديم تبرير للجمهوريين حول هذه العلاقات. فالجمهوريون يعتقدون ان الضغوط الناتجة عن الحظر بدأت تحقق اهدافها، وان إلغاء الحظر او تعليقه سيمنح ايران فرصة لاستعادة عافيتها. - التعامل مع الملف النووي الايراني: الملف النووي الايراني نقطة خلاف محورية بين البلدين؛ فمن جهة ايران تؤكد على احقيتها ومن جهة اخرى تعرب اميركا عن قلقها حيال النشاطات النووية الايرانية. لذلك فإن اهم خطوة في هذا المجال تتمثل في التوصل الى نقطة اشتراك بين الجانبين. ومن الواضح ان التوصل الى هذه النقطة امر صعب جدا ويشكل تحديا امام الاميركيين في خصوص الاعتراف بحقوق ايران النووية. - امن الكيان الصهيوني: إحدى التحديات الاساسية التي تواجهها العلاقات بين ايران واميركا هي مسألة امن الكيان الصهيوني. فقادة الكيان المحتل يعتبرون المفاوضات بين ايران واميركا بمثابة فرصة لايران لمواصلة برنامجها النووي. اللوبي الصهيوني في اميركا يؤكد دوما على هذا الامر في حين ان اوباما يبذل جهودا حثيثة لإقناع هذا اللوبي بعكس ذلك. وزير الخارجية الاميركي "جون كيري" الذي زار اليابان صرح في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الياباني: "ان قرارات اميركا تأتي وفقا لإجراءات تطمئن الجميع. امن "اسرائيل" هو اولوية لنا ونحن جادون في هذا الخصوص". وهذا التحدي هو بدرجة من الاهمية حيث يقارنه المسؤولون الاميركيون بالملف النووي الايراني. وهو ما يعني ان قادة البيت الابيض ومجلس النواب والشيوخ وضعوا شروطا مسبقة للعلاقات مع ايران، ومنها اعتراف طهران بشرعية الكيان الصهيوني. ويعتقد الكاتب ان موضوع الكيان الصهيوني هو اهم من الملف النووي الايراني. 5 - فوائد العلاقات مع ايران لاميركا - الاستفادة من طاقات ايران لحل الازمات الاقليمية والدولية: ويرى المحلل السياسي الايراني ان إصرار اميركا على الحوار مع ايران يعود من جهة الى فشل سياساتها في منطقة الشرق الاوسط وفي مواجهة ايران، ومن جهة اخرى يعود الى المخطط الذي وضعته لاستغلال هذا الموضوع اعلاميا. فقد اعلن نائب الرئيس الاميركي "جو بايدن" في كلمة له بمؤتمر مونيخ الامني بعد تقديم اقتراح الحوار بين ايران واميركا: "ان الكرة الآن باتت في ملعب ايران". ان ايران وبسبب مكانتها الاستراتيجية والسياسية والايديولوجية تلعب دورا محوريا في منطقة الشرق الاوسط وهذا ما يعرفه الاميركيون جيدا. الاستفادة من طاقات ايران في افغانستان والعراق كانت جزءا من الطاقات التي تمتلكها ايران. ان الاميركيين وحلفائهم الاوروبيين قلقون جدا بشأن المستنقع الذي اوجدوه في الشرق الاوسط وباتوا يغوصون فيه. رئيس الوزراء الفرنسي وزير الخارجية السابق دومينيك دوفيلبان يقول في هذا الخصوص: "لقد سنحت اليوم لنا فرصة ثمينة، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق زعماء العالم بدءا من اوباما وحتى قادة اوروبا وروسيا، لأن إرساء السلام في هذه المنطقة بات امرا ممكنا. يجب ان نذعن بأن عودة ايران الى طاولة المفاوضات (ليس كلاعب يلعب دورا سلبيا، بل لاعب مؤثر) ستغير كل شيء. وهذا هو سر هلع الكثيرين، فعلى سبيل المثال انظروا الى السعودية والحكومات الملكية في الشرق الاوسط، ان هذه التغييرات ستشكل صدمة لهم". - احتواء المواقف الروسية: ان الولاياتالمتحدة وضعت مخططا طويل الامد لتقويض الدور الروسي. فقد كشفت مستجدات الاحداث السورية عن رغبة روسيا باستعادة دورها السابق والتصدي للمواقف الاحادية الاميركية. روسيا لديها علاقات جيدة مع الصين في منظمة شنغهاي، وتركيب هذا الاتحاد مع الجمهورية الاسلامية الايرانية سيؤدي لا محالة الى تقويض الدور الاميركي. تفكيك هذا الاتحاد هو الخطوة الاهم لاحتواء سياسات كرملين الجديدة. العلاقات المتينة بين طهران وموسكو من شأنها وضع عقبات كبيرة امام النفوذ الاميركي في مختلف انحاء العالم لاسيما الشرق الاوسط. تقويض الدور الروسي له فوائد جمة لاميركا وتحسين العلاقات بين طهران وواشنطن يلعب دورا كبيرا في هذا المجال. - تغيير موازنة القوى في النظام الدولي: موازنة القوى في الوقت الراهن والمستقبل بدأت تشهد تغييرات كما ان الهيمنة الاميركية لم تعد كالسابق. لذلك فإن اميركا تسعى الى المحافظة على الوضع الراهن لتبقى القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية الوحيدة في العالم. ومن هنا فإنها تسعى الى تحسين علاقاتها مع القوى الاقليمية لاحتواء قدرات القوى المنافسة. وتحسين العلاقات مع ايران التي تعد القوة المتفوقة في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج الفارسي هو خيار جيد لاحتواء منافسين مثل روسياوالصين والاتحاد الاوروبي. الامتياز الذي تحصل عليه اميركا هو انه سيكون بإمكانها تغيير موازنة القوى لصالحها في المستقبل. - المكاسب الاقتصادية: الاقتصاد الاميركي المتأزم منذ عام 2008 لم يستعد عافيته لحد الآن، ولذلك فإن اميركا تسعى الى إقامة علاقات مع دول لها طاقات اقتصادية كبيرة. ايران هي احدى الدول التي تدرك اميركا جيدا مدى الطاقات التي تمتلكها، ولذلك فإنها تسعى الى مراجعة موضوع علاقاتها مع هذا البلد. الكثير من المحللين الاميركيين يتفقون على ان الطاقات التي تمتلكها ايران يمكنها إنقاذ الاقتصاد الاميركي المتأزم. 6- تكاليف العلاقات مع ايران - الاعتراف بشرعية نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية: لا يخفى على احد ان سياسة اميركا منذ بداية انتصار الثورة الاسلامية كانت مبنية على إسقاط هذا النظام. عمليات مخلب الصقر، الحرب المفروضة على ايران بدعم من الغرب، وضع ايران في قائمة محور الشر والتهديدات العسكرية، الإيحاء بخطورة البرنامج النووي السلمي الايراني، دعم الفوضويين بعد انتخابات عام 1988، فرض الحظر الاقتصادي والسياسي وغيرها من الامور الاخرى هي من مصاديق الاجراءات التي اتخذتها اميركا لاإسقاط النظام الاسلامي في ايران. - خفض مستوى العلاقات مع الدول العربية بالمنطقة: ان الدول العربية الاقليمية تنفق اموالا طائلة لاحتواء دور الجمهورية الاسلامية الايرانية، وفي هذا الخصوص فإنها تحسب حسابا خاصا على اميركا. تحسن العلاقات بين طهران وواشنطن قد يؤدي الى تثبيط عزيمة هذه الدول ويحفزها على البحث عن بديل. - التأثير على العلاقات الاميركية الاسرائيلية: كما اشرنا سابقا فإن موضوع الكيان الصهيوني هو من الموضوعات المحورية في خصوص العلاقات بين ايران واميركا. اميركا تواجه تحديا كبيرا في هذا المجال ومعالجة هذا التحدي قد يكون اصعب بكثير من تبرير العلاقات مع ايران بعد ثلاثة عقود. الاستنتاج التحديات في علاقات البلدين اعمق من ان يتم الحديث عن الحوار والعلاقات المتينة والودية بين البلدين. وفي نفس الوقت فإن هذا الامر لا يدل على استحالتها؛ لأنه على اقل تقدير هناك احتمالات تشير الى إمكانية إقرار مثل هذه العلاقات من الناحية النظرية في ضوء ظروف خاصة. لكن إرساء مثل هذه العلاقات بحاجة الى تمهيدات خاصة فضلا عن انه سيحمل البلدين تكاليف وسيمنحها فوائد ايضا. نظرة عابرة تكشف عن ان التكاليف التي ستتحملها ايران بسبب هذه العلاقات هي اكثر من اميركا. ففي حين ان العودة الى حقبة ما قبل الحظر ستعد امتيازا لايران الا ان اميركا ستستفيد من الطاقات الايرانية لحل الازمات الدولية والاقليمية واحتواء المواقف الروسية وتغيير موزانة القوى الدولية فضلا عن الاستفادة من المزايا الاقتصادية. /2926/