انتقد القاص فهد الخليوي ما شهدته تجربة الانتخابات الأندية الأدبية مؤخرًا، بروز التكتلات التقليدية ممثلة في الدينية والقبلية، مبينًا أن هذه التكتلات أسهمت بشكل أساسي في استبعاد معظم القيادات الطليعية ذات التوجه الحداثي من إدارات المجالس الأدبية، مما أدى لطغيان تلك النزعة التقليدية عند بعض إدارات الأندية الجديدة التي أصبحت تركز في معظم نشاطاتها على الجانب الأكاديمي شبه انقطاع.. ورغم هذا الانتقاد إلا أن الخليوي طالب المثقفين أن يتحلوا بروح ديمقراطية ويقبلوا بالنتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات مهما كانت صادمة لتطلعاتهم..انتقاد الخليوي امتد أيضًا إلى الساحة الروائية بالإشارة إلى أن معظم الروايات التي أغرقت المشهد الأدبي المحلي مجرد كلام فاضي، كما لم يسلم المشهد النقدي من هجوم الخليوي، ونال المسرح نصيبه، فالخليوي يراه مسرحًا وهميًا لا وجود له إلا في وسائل الإعلام، وأن المهرجانات العديدة التي تقام على مدار العام ليست سوى «حلقات مفرغة وبائسة».. جملة هذه الآراء وغيرها في سياق هذا الحوار مع القاص فهد الخليوي.. شبه انقطاع * لنبدأ من ابتعادك الملحوظ عن الحراك الثقافي.. لأي سبب ترجعه؟ صحيح أنا شبه منقطع عن التواصل الكتابي على مستوى النشر الورقي، لقد أصبحت من المغردين على فضاء الله الواسع، أكتب ما يجول بخاطري من قصص أدبية، ومقالات اجتماعية ونقدية، وبهامش كبير من الحرية لا يتوفر بطبيعة الحال في جرائدنا الورقية، لكني أظل متابعًا ومشاركًا في بعض الأمسيات والفعاليات الثقافية المحلية، وما يصدر عن دور النشر من كتب جديدة. تكتلات تقليدية * تجربة انتخابات الأندية الأدبية لم تسلم من تهمة التكتلات.. على أي مسافة تقف من يرون هذا الاتهام؟ نعم هناك تكتلات تقليدية ذات بعد ديني وعشائري، ظهرت بعد إقرار الانتخابات، ونجحت باستبعاد معظم القيادات الطليعية ذات التوجه الحداثي من إدارات المجالس الأدبية، مما أدى لطغيان تلك النزعة التقليدية عند بعض إدارات الأندية الجديدة التي أصبحت تركز في معظم نشاطاتها على الجانب الأكاديمي كالندوات والبحوث والمحاضرات التي تدرس عادة للطلبة في قاعات الجامعات، ونادرًا ما نسمع أن أندية ما بعد الانتخابات، أقامت أمسيات شعرية أو قصصية أو ندوات عن فن الرواية والمسرح والفن التشكيلي وفن الموسيقى وكل ما له علاقة بجوهر الثقافة والأدب ولإبداع! * هل ترى في انتقال الخلافات في انتخابات الأندية الأدبية إلى المحاكم وجهًا إيجابيًا؟ ما حدث من صراعات وخلافات في بعض الأندية الأدبية وأدت مع الأسف لتعطيل الحراك الثقافي، هي في محصلتها بقع سوداء في واقع الثقافة المحلية! روح ديمقراطية * كيف تقرأ الحراك الثقافي بعد انتخابات الأندية الأدبية؟ الحراك الثقافي لازال يراوح مكانه، وعلى بعض المثقفين الذين طالبوا بالانتخابات أن يتحلوا بروح ديمقراطية ويقبلوا بالنتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات مهما كانت صادمة لتطلعاتهم! جرعة مختزلة * أي خدمة قدمتها مواقع التواصل الاجتماعي للقصة القصيرة جدًا؟ مواقع التواصل الاجتماعي عمومًا أفادت من حيث الانتشار والتأثير في فن «القصة القصيرة جدًّا»، باعتبار هذا الفن الأدبي الوليد مواكب لطبيعة ولغة شبكات التواصل ك»تويتر»و»الفيس بوك» التي تعتمد على لغة مختصرة جدًّا، بمعنى أدق أصبحت «القصة القصيرة جدًّا» جرعة أدبية شديدة الاختزال، استحوذت على ذائقة المتلقي الجديد الذي كان منصرفًا عن قراءة الإبداع الأدبي! قراءة عميقة * في مرآة القراءات النقدية لنصوصك القصصية.. كيف ترى العلاقة بين المبدع والناقد؟ العلاقة بين المبدع والناقد تتجلى متانتها وشفافيتها من خلال قراءة الناقد الواعية وعمق تحليلاته لنصوص المبدع واقترابه من عوالمها وملامسة ما يختلج في تلك النصوص من نبض ورؤى وتطلعات إنسانية، هذه العلاقة تنقطع بين الطرفين عندما يكون النص في واد وشغل الناقد في واد آخر، تشكلت نظرتي أو رؤيتي الشخصية للعلاقة بين الأديب والناقد، من خلال القراءات التي تناولت نصوصي واختلفت بمدى ابتعادها واقترابها من نبض تلك النصوص، وقد صدر للناقدة المعروفة الدكتورة شادية شقروش كتاب نقدي بعنوان «سلطة النص بين المبدع والمتلقي» تناول مجموعتي القصصية «رياح وأجراس»عبر دراسة نقدية موسعة وعميقة، تجاوزت بتركيزها وإسهابها، بعض القراءات النقدية السريعة. ساحة عجيبة! * القصة القصيرة ضائعة في زحام الاهتمام بالرواية السعودية.. ما قولك؟ مشهدنا الأدبي والثقافي لا يخلو من الغرابة والالتباس، نتيجة لعدم إدراك البعض من أن الفنون الأدبية كالرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والنقد الأدبي، وغيرها من الفنون الأدبية، هي أصلاً حلقات متصلة يكمل بعضها البعض من أجل إثراء وتنوع الساحة الأدبية، لكن بعض «نقادنا» إلى جانب الدعاية الإعلامية، تحمسوا بدرجة كبيرة من المبالغة بالتركيز على المنتج الروائي المحلي على حساب إقصاء فن القصة القصيرة! تخيل أن أحد المنظرين برتبة «دكتور» يدريس الأدب في إحدى جامعاتنا، رفض رسالة ماجستير لإحدى الطالبات كان موضوعها عن»القصة القصيرة السعودية» بحجة أن الدكتور كما علمت من الطالبة، برر رفضه لقبول رسالتها بقوله: هذا زمن الرواية!.. إلى جانب الاهتمام بالرواية على المستوى العربي والعالمي، لا تزال القصة القصيرة تحظى بحجم الاهتمام كفن أدبي قائم بذاته، ماعدا في ساحتنا الأدبية العجيبة التي يجوز فيها إقصاء وإلغاء فن أدبي على حساب فن أدبي آخر! كلام فاضي * نعيش «طفرة روائية» من حيث الكم.. هل تعتقد أنها حللت بدقة وجرأة سلبيات وإيجابيات مجتمعنا؟ الطفرة الروائية تعتبر حديثة عهد بالنسبة لساحتنا الأدبية، وهي تشبه الطفرة القصصية في السبعينيات الميلادية التي أفرزت الكثير من القصاصين، وفي نهاية المطاف لم يبدع منهم في كتابة القصة القصيرة إلا القليل!.. كتابة الرواية الحقيقية وسط مجتمع غير مدني وشديد التعلق في سفاسف الماضي، هي كتابة شائكة ومغامرة جريئة، لا يشعر بها إلا القليل من كُتّاب الرواية لدينا، بمعنى أن معظم «الروايات» التي أغرقت المشهد الأدبي المحلي وافتقرت لأبسط التقنيات الفنية، هي مجرد كلام فاضي تحت مسمى»روايات» وبعيدة كل البعد عن تحليل ونقد الواقع الاجتماعي بجرأة وواقعية، ولا تستحق أكثر الروايات التي صدرت حتى الآن كل هذه الدعاية وذلك الورق الصقيل والجهد الذي بذل في سبيل نشرها! استثمار آجل * كيف تقرأ خطاب الأديب السعودي في خضّم الأحداث التي يشهدها العالم العربي؟ الأديب ليس مؤرخا يوثق أو يرصد الأحداث التي تجري في العالم لحظة وقوعها، وما يشهده عالمنا العربي من أحداث وتحولات تاريخية متلاحقة يحتاج استثمارها أدبيًا لسنوات عديدة، حتى يصنع الأديب من صداها عملاً أدبيًا خلاقًا! أزمات بلا حلول * برايك هل استطاع خطاب المثقف السعودي التماهي مع مطالب المواطن اليومية؟ بعض المثقفين السعوديين، وهم كُتّاب الرأي في صحفنا المحلية، حصروا جل اهتمامهم بالتركيز على هموم واحتياجات المواطن، وأوصلوا هموم الناس وقضاياهم بصورة واضحة أمام المسؤولين، ولكن الكثير من تلك الأزمات التي يعاني منها المواطن كأزمة البطالة، وأزمة السكن، وتردي الخدمات، وانفلات أسعار المواد الغذائية بلا ضابط، واستشراء الفساد في بعض القطاعات الحكومية، كل هذه الأزمات للأسف لازالت معلقة وبدون حلول جذرية! مسرح وهمي * كيف تنظر إلى حركتنا المسرحية؟ لا يوجد لدينا مسرح بالمعنى المتعارف عليه عربيًا وعالميًا، مسرح يقصي المرأة التي تمثل نصف المجتمع هل هو مسرح حقيقي؟! مسرح لا ينتشر في مدننا ولا يكون بمثابة منارة لوعي وتثقيف المجتمع هل يحسب مسرحا؟! نحن نتحدث عبر وسائل الإعلام عن مسرح وهمي لا وجود له على أرض الواقع! * لكن هناك العديد من المهرجانات المسرحية.. أليس يدحض ذلك رؤيتك السالبة؟ مع احترامي وتقديري لجهود المهتمين بفن المسرح في بلادنا، إلا أنني أرى أن كل هذه المهرجانات تدور في حلقات مفرغة بائسة، ولن تؤدي لنهضة مسرحية حقيقية، طالما الأسباب المعيقة لهذه النهضة لا زالت قائمة ومهيمنة على كافة مشهدنا الثقافي! قصص في الطريق * على أي مشروع ثقافي تعكف الآن؟ لدي مجموعة قصصية من طيف السرد القصير جدًّا، هي قيد المراجعة وسترى النور قريبًا، كما أنني كتبت عدة مقالات لم تنشر تتناول تجربتي الثقافية والأدبية التي امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، قد تكون نواة لإصدار كتاب بعد جمعها وترتيبها زمنيًا. انتقد القاص فهد الخليوي ما شهدته تجربة الانتخابات الأندية الأدبية مؤخرًا، بروز التكتلات التقليدية ممثلة في الدينية والقبلية، مبينًا أن هذه التكتلات أسهمت بشكل أساسي في استبعاد معظم القيادات الطليعية ذات التوجه الحداثي من إدارات المجالس الأدبية، مما أدى لطغيان تلك النزعة التقليدية عند بعض إدارات الأندية الجديدة التي أصبحت تركز في معظم نشاطاتها على الجانب الأكاديمي شبه انقطاع.. ورغم هذا الانتقاد إلا أن الخليوي طالب المثقفين أن يتحلوا بروح ديمقراطية ويقبلوا بالنتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات مهما كانت صادمة لتطلعاتهم..انتقاد الخليوي امتد أيضًا إلى الساحة الروائية بالإشارة إلى أن معظم الروايات التي أغرقت المشهد الأدبي المحلي مجرد كلام فاضي، كما لم يسلم المشهد النقدي من هجوم الخليوي، ونال المسرح نصيبه، فالخليوي يراه مسرحًا وهميًا لا وجود له إلا في وسائل الإعلام، وأن المهرجانات العديدة التي تقام على مدار العام ليست سوى «حلقات مفرغة وبائسة».. جملة هذه الآراء وغيرها في سياق هذا الحوار مع القاص فهد الخليوي..