ذات يوم اضطررت إلى الاستعانة بدوريات الأمن للإبلاغ عن وجود إزعاج للمتنزهين على كورنيش جدة من أصحاب الدبابات والخيول الذين يعرضون حياة الأطفال والمارة للخطر، ويعملون على اتلاف المرافق والأرصفة والشجيرات المزروعة بالقرب من شاطئ البحر. اتصلت على الرقم المشهور 999 خلال ثوانٍ جاوبني أحد الأفراد بأسلوب لبق واستقبل تفاصيل الشكوى، لكنه فاجأني حينما حاولت أصف له الموقع بأنه يعلم من أين أتحدّث إليه! قال لي: أنت في الموقع الفلاني، وبجوارك المعلم الفلاني. قلت: نعم. فأرسل على جوالي رسالة تحمل رقم البلاغ وبياناته. خلال دقائق معدودة حضرت أكثر من دورية، وتعاملت مع المخالفين، وساد الهدوء المكان. فوجئت بعدها باتصال هاتفي من عمليات الشرطة يطلب مني في تسجيل صوتي تقييم مستوى خدمة الأفراد الذين باشروا الحالة: من مقبول، إلى ممتاز، من حيث سرعة الاستجابة، وأسلوب التعامل، وقدرتهم على إنهاء المشكلة. لم أصدّق نفسي بما سمعت فعاودت الاتّصال بغرفة العمليات، وسألت عن الهدف من هذا التسجيل فرد عليَّ المأمور قائلًا: هذه خدمة صوت العميل التي أطلقت مؤخرًا ضمن برنامج الجودة المطبق في قيادة دوريات الأمن من أجل قياس أداء الأفراد في الميدان وتقييمهم من قبل العميل (صاحب البلاغ). ولإننا تعودنا صعوبة الرد، والاستجابة، وكثرة انشغال هواتف الطوارئ في بعض القطاعات، فقد رأيت أن أقف بنفسي على ما يجري في غرفة عمليات شرطة جدة، وما هي مفاهيم وأدوات الجودة التي يتم تطبيقها؟ وإلى أي مدى ساهمت في تطوير مستوى الأداء ورفع كفاءة العاملين في القطاع الأمني، والحد من الجريمة بالمحافظة؟ البداية بدأت الترتيب لهذه الجولة التي كانت في معية مدير شرطة منطقة مكهالمكرمة اللواء علي الغامدي، ومدير شرطة محافظة جدة اللواء عبدالله القحطاني. عند وصولنا إلى مقر غرفة العمليات كان في استقبالنا قائد دوريات الأمن بجدة العميد سعد بن أحمد الغامدي، الذي تحدث عن مخرجات خدمة صوت العميل بعد مضي ستة أشهر على إطلاقها، وقال إنها تعتبر أول خدمة من نوعها على مستوى العالم في مجال الدوريات، وهي أحد برامج قياس مدى رضاء العملاء عن مستوى الخدمة التي يقدمها رجل الدورية المباشر للحالة في الميدان، عبر رسالة صوتية ترد للمتصل، أو المبلّغ -مواطنًا أو مقيمًا- بعد الانتهاء من مباشرة الحالة؛ ليقوم بدوره بتقييم رجل الدورية بالاختيار من بين أحد الأرقام. فرقم واحد: مقبول، واثنان: جيد، وثلاثة: جيد جدًّا، وأربعة: ممتاز. وتم تدشين الخدمة في أواخر شهر جمادى الآخرة الماضي. 65% امتياز وتحدّث العميد الغامدي بشفافية عن مؤشرات الخدمة وقال: في الشهر الأول من إطلاقها استجاب 3727 متصل وأدلوا بأصواتهم من إجمالي 8868 بلاغًا. أي أن نسبة المتجاوبين بلغت 58%، منح 81% منهم تقدير مقبول لرجال الدوريات، و15% تقدير ممتاز، ولم يكن رجل الدورية يعلم عن مشروع التقييم. أمّا في الشهر الثاني، وبعد إشعار الأفراد بوجود الخدمة فقد ارتفعت نسبة الحاصلين على ممتاز إلى 54%، وانفخض المقبول إلى 33%، وفي الشهر الثالث استمر الممتاز في التصاعد حتى بلغ 65%، وانخفض المقبول إلى 18%. وكشف عن خطوة مستقبلية لتشكيل فريق بقسم المعرفة وتطبيقات الجودة يقوم بدراسة وتحليل تقييم العميل من خلال الاتصال عشوائيًّا على ما نسبته 30% من العملاء شهريًّا لمعرفة نقاط القوة والضعف. وحصر الأفراد المتميّزين شهريًّا وتكريمهم، وإعداد برامج لتأهيل من يتضح حاجتهم لذلك. هنا تدخل اللواء علي الغامدي مدير شرطة المنطقة، وقال ينبغي أن يُستفاد من مخرجات التقييم في ربط الحوافز والترقيات وأولوية الدورات والإجازات والرخص بمستوى أداء كل فرد بحيث يعطى المتميزون حوافز وأفضلية تقديرًا لحسن أدائهم مع العملاء. الجودة خيار التطوير تحدّث اللواء علي وقال إنني سعيد أن أرى هذه البرامج وتلك النتائج التي وصل إليها العمل في دوريات جدة رغم الصعوبات والعقبات التي صاحبت انطلاق مشروع الجودة الذي أصبح الآن نموذجًا يحتذى، فالجودة لا تتحقق إلاّ إذا خلقتها في نفسك ومحيطك، ونقلتها كثقافة إلى منسوبيك، فهي تستهدف خدمة العميل بطريقة حضارية، كما تستهدف الضابط والفرد لتطوير ذاته ووسائله وأدواته ليستطيع تقديم الخدمة الأفضل. ثم يشارك العميل -مواطنًا أو مقيمًا- في عملية تقييم الأداء على مستوى الأفراد وجهاز الدوريات بشكل عام، وهذه في نظري من أهم معطيات مشروع الجودة. سالت اللواء الغامدي عن إمكانية نشر ثقافة الجودة لبقية القطاعات الأمنية بالمنطقة وعن خطته لتطبيق الفكرة في شرط المحافظات فقال: إبان فترة عملي في شرطة جده لاحظت الأثر الإيجابي بعد تطبيق الجودة في الدوريات واستشعرنا أهميتها وبدأنا نتهيّأ في الشرطة لتطبيقها وشرعنا في التدريب، وسيتم خلال ثلاثة أشهر إن شاء الله تطبيق مشروع الجودة في شرطة المنطقة، ومن ثم بقية المحافظات، حيث بدأنا الخطوات العملية وقطعنا شوطًا كبيرًا لتطبيق الجودة الشاملة ونتطلع إلى تحقيقها بشكل كامل خلال الفترة القليلة المقبلة. 13 مرحلة خلال جولتي مع قادة الأمن اكتشفت أن مشروع الجودة الشاملة مر بثلاث عشرة مرحلة أبرزها وأصعبها كانت مرحلة مقاومة التغييرحيث تم التغلب عليها من خلال عدة إجراءات أهمها إشراك كافة العاملين في عملية التخطيط وتنفيذ التغيير وجعلهم جزءًا منها ونشر مفاهيم الجودة وبناء الثقة والانفتاح من الإدارة والعاملين لبناء أنظمة اتّصال فعّالة قادرة على نقل المعلومات بين أقطاب التنظيم داخل الإدارة بموضوعية وحيادية إلى جانب دراسة وتحليل الثقافة التنظيمية للدوريات بصورة متأنية وعميقة ومعرفة أبعادها وطمأنة الموظفين من النتائج السلبية المتوقع تأثيرها في وضعهم الوظيفي، واتّخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تأثيرها عليهم بعد إقناع العاملين بالحاجة إلى التغيير بالتدريج. بعدها جاءت مرحلة اختيار وتدريب فريق الجودة، وتم اختيارهم بعناية ممّن يتميّزون بوجود مهارات متكاملة فيما بينهم حيث يتكون الفريق من (15) عنصرًا برئاسة ضابط من كافة فئات العمل؛ ليساهموا في بناء النظام بعد حصولهم على شهادات في التدقيق وضبط الوثائق ومؤشرات قياس الآداء. الرؤية والرسالة ثم جاءت مرحلة صياغة الرؤية والرسالة والأهداف وبث ثقافة الجوددة على جميع المستويات للأفراد والضباط . تلتها مرحلة دراسة تشخيص الواقع ومقارنتة ببنود المواصفة للآيزو 2008-9001 وتحديد ما هو متطابق معها، وما هو غير متطابق مع وضع تقرير يحدد الموقف من كل بند من بنود المواصفة، من حيث انطباقه أو إمكانية استثنائه، وكذلك من حيث توفره، أو عدم توفره مع توضيح الإجراءات اللازمه للتطابق. كما تم تشكيل المجلس الأستشاري للجودة بموافقة مدير الامن العام وضم في عضويته مجموعة من ذوي الخبرة في هذا المجال ومهمته الإشراف على عملية تخطيط وتنفيذ وتقويم برنامج الجودة. ثم شرع مختصون في توثيق النظام بقسم المعرفة وتطبيقات الجودة وهي الوثائق المتعلقة بالتطبيق المباشر لمتطلبات الآيزو، حيث تم التدريب العملي على تفعيل النظام وتطبيق ما جاء في الوثائق وتفعيل السجلات التي تتطلبها المواصفه مع مراقبة الأداء باستمرار ليتطابق مع النظام الذي يتم تعميمه بعد ذلك تم الانتقال لمرحلة المراجعات الداخلية، الاطمئنان على قدرة العاملين على القيام بهذا الدور بأنفسهم. وتضمنت المرحلة اللاحقة مراجعة الإدارة العليا لنظام الجودة من المدخلات والمخرجات بعد استخلاص النتائج والتأكد من تطابقها مع المواصفة من خلال الجهة المانحة والتدقيق. قبل استقدام الجهة المانحة للقيام بالمراجعة وإعداد التقرير النهائي إلى أن تم منح الشهادة، بعد التأكد من كافة القيود واشتراطات المواصفة. تحويل الجودة إلى ثقافة لمست أثناء الجولة أن المشروع مرّ بالعديد من العوائق والمثبّطات التي نجحت القيادة في تجاوزها بتدريب فريق العمل على المبادئ الأساسية لنشر ثقافة الجودة في أوساط العاملين ضباطًا وأفرادًا بشرحها لهم في مواقع عملهم بطريقة مبسطة وواضحة. بعد أن اتّضح للقائمين على المشروع أن إدخال أيّ مبدأ جديد في الإدارة يتطلّب إعادة تشكيل ثقافة المستهدفين، فقبول أو رفض أي مبدأ يعتمد على العاملين بها، لاسيما إذاعلمنا أن ثقافة الجودة تختلف بشكل كبير عن الثقافة الإدارية التقليدية، وبالتالي أدركت الإدارة أهمية ترسيخ هذه الثقافة الملائمة لتطبيق برنامج الجودة الشاملة، وهو ما انعكس إيجابًا في تقبل فكرة إدارة الجودة الشاملة على عموم منسوبيها، كما اتّضح لي من خلال الحديث مع عينات من الضباط وصغار الافراد الذي بهرني إلمامهم بجزئيات المشروع واستيعابهم لكل بنوده ومعطياته. فقد اكتشفت أن عشرات الجنود تم تأهيل ليكونوا مراجعين داخليين مدربين لنقل الخبرات لبقية زملائهم. ولمست اهتمامًا بالغًا ببرامج التدريب كهدف أساس للجودة، إذ تبين لي بعد الاطّلاع على الإحصائية السنوية لعام 1434ه أن المستفيدين من برامج التدريب وصلوا إلى (4842) فردًا وضابطًا على رأس العمل داخل الإدارة، بالإضافة إلى بعض الدورات التخصصية التي عقدت في الأكاديميات والجامعات لمنسوبي الإدارة بشكل دوري.. أثناء الجولة قدّم المشرفون على قسم المعرفة وتطبيقات الجودة عرضًا عن مجالات التدريب واهتمامات الإدارة بها، ولفت نظري أثناء العرض أن مجموعة من ضباط وأفراد دوريات جده تحولوا إلى مدربين محترفين تمت الاستعانة بهم خارج جدة لتدريب منسوبي الدوريات في كل من مناطق المدينةالمنورة والقصيم وعسير والشرقية وتبوك، وبلغ إجمالي من تم تدريبهم في تلك المناطق طوال العام الماضي حوالى 325 ضابطًا وفردًا إلى جانب 15 متدربًا بينهم ثمانية ضباط من منسوبي قاعدة الملك فهد الجوية، قام بتدريبهم مختصون من دوريات جدة في دورة بعنوان (العمل بروح الفريق). وضوح الإجراءات وأنت تتجوّل في جنبات غرفة العمليات تستطيع أن تكتشف بسهولة الكثير من معطيات الجودة، فالشاشات الكبيرة، واللوحات التعريفية، والإحصاءات التي يتم تحديثها إلكترونيًّا لحظة بلحظة تعطي الزائر صورة حقيقية واقعية وشفافة لمجريات العمل الميداني والاداري بشفافية ووضوح، دون الحاجة إلى الاستفسار أو التساؤل فأنت تلمس مخرّجات الجودة الشاملة من خللال توثيق كافة الإجراءات الإدارية والتنظيمية والميدانية؛ ممّا ساهم في مشروعات تحسينية لافتة بهدف تقليصها إضافة إلى مرونة النظام في التطوير والإلغاء والدمج للإجراءات، وحفظ الحقوق الفكرية لأصحاب المبادرات، ممّا خلق جوًّا تنافسيًّا ممتازًا في تبسيط الإجراءات، إذ تشاهد دليلاً يحتوي على كافة خطوات العمل بالإدارة بلغ عدد صفحاتة 977 صفحة، وكذلك توثيق 291 إجراءً. وترميز 466 نموذجًا.. إلى جانب إصدار أربعة كتب خطوات عمل. ورغم كبر المساحة الجغرافية لمحافظة جدة، وتعدد مواقع انطلاق دوريات الأمن بالمحافظة البالغة خمس مناطق (شمال - جنوب - شرق - غرب - وسط) لكنني لاحظت ربط تلك المناطق بنظام غرفة العمليات من خلال تجهيز قاعات بمراكز الانطلاق المشار إليها وتزويد العاملين ميدانيًّا قبل مباشرتهم العمل الميداني بإحصائيات تقنية عبارة عن رصد دقيق ومباشرة إضافة إلى الخطط الأمنية الآلية لمواجهة تحركات الجريمة، وفق برامج غير مسبوقة، والهدف من ذلك الارتقاء بفكر رجال الدوريات من خلال العصف الذهني في قاعة برنامج الانطلاق والتحليل اليومي لمؤشرات الجريمة والأداء. شباب المستقبل وممّا يثلج الصدر أن القائمين على تنفيذ المشروع باتقان هم مجموعة من الشباب السعوديين بعضهم انضم حديثًا للعمل في هذا القطاع، وهم في الحقيقة أهم المكاسب التي يحتاجها أمن الوطن، بل هم الثروة التي يحق للمجتمع أن يفخر بها. اقتربت من أحدهم كان شابًا في عمر الزهور، باشر عمله منذ أربعة شهور وهو خريج كلية تقنية انخرط في دورة تأهيلية عسكرية، وعُيّن في دوريات جدة مهمته استقبال البلاغات، اسمه عساف عسيري، رتبته وكيل رقيب. سألته: كيف يتم التحقق من مكان المبلّغ؟ قال لي: لدينا ست طرق، أولها رقم الهاتف الجوال، ويعطي دقة تصل إلى 80%، ثم الهاتف الثابت، ودقته 100%، وكذلك فاتورتا الكهرباء والمياه، ثم آلية البحث الذكي المتمثلة في رقم بريد واصل، أو رقم المنزل، واسم الحي والشارع. على شاشة العريف محمد زاهر المجدوعي لاحظت خريطة لأحد أحياء جدة تتوزع عليها إشارة تدل على وجدود ذوي الاحتاجات الخاصة، أو المعوقين سألته بعد أن انتهي من تلقي أحد البلاغات عن دلالة تلك الإشارة فقال لي حينما نتلقى البلاغ عبر نظام البحث الذكي يخرج معنا بشكل آلي موقع المبلّغ على خرائط قوقل، وتظهر مباشرة أهم المعالم القريبة من الموقع، وتظهر مثل هذه العلامة التي تدل على وجود أحد الأشخاص من ذوي الاحتاجات الخاصة. وهنا تدخل الضابط المشرف على غرفة العمليات، وأبلغني أن إدارتهم تبنّت خدمة العملاء (ذوي الاحتياجات الخاصة) من خلال إدخال كافة بيانات ذوي الاحتياجات الخاصة في المحافظة، من حيث بياناتهم الشخصية، والطبية، ومواقع سكنهم، وإنزالها على نظام (GIS) ممّا يمكّن دوريات الأمن من تقديم الخدمات الأمنية والإنسانية لهم، في أي وقت. وقال أصبح لدينا معلومات تخص أكثر من 25 ألف معاق ومعاقة في جدة، ومحددة منازلهم على الخريطة، وتظهر بشكل أوتوماتيكي، وهم مصنفون لدينا تحت مسمّى عميل متميّز، ويهدف هذا إلى سرعة مساعدتهم عند حاجتهم لأي مساعدة، ونحن في تواصل مع كل الجهات ذات العلاقة بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لإدخال وتحديث واستكمال بياناتهم بشكل دوري. إنجازات غير مسبوقة سألت المسؤولين في العمليات عن أهم النتائج التقنية التي تحققت من نظام الجودة، فقالوا في عام 1432 مع بداية الخدمة كان معدل استقبال البلاغ يستغرق 3.18 دقيقة، ووصول الدورية خلال 7 دقائق. وفي السنة اللاحقة انخفض الى 2.45، وزمن وصول الدورية حقق 6.36 دقيقة. وفي العام المنصرم استقر معدل استقبال البلاغ عند 2.37، ووصول الدورية خلال 6.22 دقيقة، وهي من المعدلات النادرة على مستوى العالم. إذ إن المتوسط العالمي يصل إلى 11 دقيقة، رغم ظروف أحياء جدة، وكثرة العشوائيات والمشروعات التنموية الجاري تنفيذها، وما نتج عنها من تحويلات وكثافة الحركة المرورية. في دوريات جدة وجدت نظامًا للصحة المهنية والسلامة، مهمته الحفاظ على سلامة وصحة الإنسان، وذلك بتوفير بيئة عمل آمنة خالية من مسببات الحوادث، أو الإصابات، أو الأمراض المهنية -لا سمح الله- أو بعبارة أخرى هي مجموعة من الإجراءات والقواعد والنظم تهدف إلى الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة، والحفاظ على الممتلكات من خطر التلف والضياع، فهناك مخاطر تواجه رجال الأمن أثناء أدائهم الأعمال المكلفين بها في كافة تخصصاتهم الإدارية والميدانية، ولذلك جاءت أهمية المحافظة على سلامتهم من خلال حصر تلك المخاطر، وكيفية التعامل معها بالطرق العلمية الآمنة للمحافظة على سلامتهم، حيث عمدت إدارة الدوريات بالتعاون مع شركة (Intertek) الدولية لتطبيق نظام إدارة الصحة والسلامة المهنية لتقليل التكاليف الناجمة عن الخسائر والإصابات البشرية من خلال توفير بيئة عمل آمنه للعاملين اعتمادًا على التدريب والتأهيل واستخدام مؤشرات ومقاييس عالمية في السلامة والصحة المهنية، وحيث تمت الدراسة والتدريب والتأهيل والبرامج المعدة لذلك مع شركة عالمية متخصصة في مجالات السلامة المهنية بكوادر فنية محترفة، وبناء عليه منحت الإدارة شهادة الآيزو في خدمات الصحة والسلامة المهنية مطلع يوليو الماضي. إدارة البلاغات تلعب التقنية دورًا رئيسًا في إدارة العمل ومراقبة الأداء، وتوفير البيانات والإحصاءات والتحليلات الرقمية الدقيقة التي يعتمد عليها في بناء الخطط ومعالجة المواقف، وتعمل غرفة عمليات الأمن بجدة بمجموعة من الأنظمة الإليكترونية المتطورة منها نظام إدارة البلاغات الجغرافية، وما يسمّى ب(GIS) ويشتمل على عدة برامج أهمها خدمة تحديد موقع العميل (المتصل). تمكن خدمة «تحديد موقع المتصل» من الوصول بسرعة وسهولة للمتّصلين الطالبين للمساعدة، عبر الهاتف الثابت أو الجوال، أو عبر خدمة رقم اشتراك الكهرباء، أو اشتراك شركة المياه الوطنية، أو رقم المبنى لخدمة البريد السعودي (واصل)، حيث تمكنت الإدارة من تحديد إحداثيات موقع المتصل على الخريطة، وبالتالي إمكانية الوصول إليه. كما يوجد بها نظام إدارة وتوجية الفرق الميدانية ويقوم هذا النظام باختيار الدورية الأقرب لمكان العميل بناءً على قياس المسافة آليًّا بينه وبين الدورية كما بإمكانه معرفة تحرك العميل من موقع الحدث، وبمجرد وصول الدورية لموقع الحدث تعطى إشارة وصول آلي بالوقت. أيضًا يتم توثيق الإجراء المنتهي عليه الحالة، ولديه القدرة على معرفة البلاغات المتكررة في نفس الموقع لربطها وتحليلها مع حالات سابقة. مراقبة المركبات أمّا نظام (AVL) فهو نظام مهمته مراقبة حركة العربات الأمنية بشكل آلي، حيث زوّدت كافة دوريات الأمن العاملة في الميدان والمرتبطة آليًّا بنظام الاتّصالات الذي يحدد مسارات وتحركات الدوريات على مدار الثانية ونقلها إلى غرفة العمليات؛ ممّا يمكّن النظام آليًّا من ربط موقع العميل المتّصل بالدورية الأقرب للموقع الأمر الذي يتيح سرعة وصول الدورية إلى مبتغاها وتحديد مقدار السر التي تسير بها واتجاهها، وكمية الوقود، ومعرفة حالتها إذا كانت متحركة أو متوقفة، ويرصد خروجها من النطاق الجغرافي أو المربع المخصص لها. 100 ألف مخرج وفي غرفة العمليات نظام يُسمّى تقنية دعم القرارات (DSS) ويعتمد هذا النظام على السحابة الحرارية لمؤشرات الجرائم، وتحركاتها؛ ممّا يتيح لمتّخذي القرارات التنبؤات المستقبلية والتي تبني عليها القرارات في إعداد الخطط الأمنية، والتي تعتمد على المخرّجات الإحصائية الفورية والتي وصلت إلى ما يزيد عن (100.000) مخرج إحصائي يمكن استخراجها خلال ثوانٍ معدوده فقط. ويأتي نظام الهواتف الطالبة كواحد من أهم الأنظمة لإدارة المكالمات مع العملاء فهو نظام ذكي يعتمد على استقبال المكالمات من المتصلين وتحويلها آليًّا وفق جهد كل آمر تليفون ممّا يتيح العدل الوظيفي وتوزيع الجهد بالتساوي على العاملين، ويتيح النظام التحليل الآلي لجميع المكالمات الواردة لغرفة العمليات من خلال عرض الأداء والإنجاز مباشرة عبر الشاشات المتناثرة في جنبات غرفة العمليات للعمل على تقديم خدمة سريعة للعملاء تتمثل في سرعة الرد ممّا أدّى للحدّ من عدم الرد على المكالمات، بل إن النظام يحلل أداء آمري مستقبلي البلاغات، سواءً كان الرد من الرنة الأولى أو الثانية أو الثالثة ويعطي المؤشر اللون الأحمر في حال تجاوزت الرنات الثلاث حيث بلغ متوسط زمن استقبال البلاغ خلال العام المنصرم (2.37 دقيقة)، ومتوسط وقت تمرير البلاغ من آمر التليفون إلى الدورية العاملة بالميدان أقل من 25 ثانية، علمًا أن غرفة العمليات استقبلت 3 ملايين و505 آلاف و734 مكالمة في العام المنقضي منها مليونان و816 ألفًا و718 مكالمة تمت الاجابة عليها فيما بلغت مكالمات الازعاج 649 ألفًا 515 مكالمة. 45 كاميرا كما تدير الغرفة تقنية كاميرات المراقبة المباشرة وبلغ عدد المواقع التي تم تركيب الكاميرات بها (45) موقعًا حيويًّا بجدة، ويتيح التحكم فيها آليًّا من غرفة العمليات للمتابعة الميدانية المباشرة، وستكون تلك الأعداد قابلة للزيادة. ومن الأنظمة الدقيقة المستخدمة يأتي نظام (TAPLET): وهو نظام يربط تقنيًّا بين العربات وغرفة العمليات لسهولة التواصل عبر نظام (GIS) حيث يسند البلاغ من العمليات إلى الدوريات آليًّا بعيدًا عن استخدامات الأجهزة اللاسلكية التقليدية. وفي مجال خدمة التواصل مع العملاء وتحسين الجودة تم مؤخرًا تفعيل نظام الرسائل التقنية للتواصل مع العملاء طالبي الخدمة من خلال (3) أنواع من الرسائل تتمثل في مَن يدلي بمعلومات هامة لغرفة العمليات، أو يتعرض لحالة أمنية ويفتح له كرت بلاغ رسمي، ويزود آليًّا برقم البلاغ أو من يقدم اقتراحًا أو شكوى تخص إدارة الدوريات. خلال الجولة سألت العميد سعد الغامدي عن مدى الاستفادة من هذه الأنظمة، وارتباطها بأقسام الشرط في المحافظة، فأوضح أن لديهم نظامًا للربط الآلي بأقسام الشرط، ويعتمد هذا النظام على الاستغناء الكامل للمعاملات الورقية بعد ربط أقسام الشرط بغرفة العلميات بدوائر لاسلكية تقوم على إدخال المحاضر الجنائية آليًّا، وإصدار رقم التقرير من غرفة العمليات دون الحاجة للكتابة اليدوية، وتدوين كافة المعلومات في قاعدة البيانات الرئيسة، وتسليم التقرير الجنائي لضابط قسم الشرطة آليًّا. عزيمة وإصرار قبل ختام الجولة ومن خلال حديثي مع اللواء علي الغامدي واللواء عبدالله القحطاني، ومدير الدوريات «الذي صدر القرار أمس الأول بتعيينه مديراً عاماً للتخطيط في الأمن العام» وجميع الضباط وجدتهم جميعًا متفقين على أهمية تطبيق الجودة والاستمرار فيها، وتعميمها على بقية القطاعات. الكل منهم مقتنع، وعازمون على المضي قدمًا في التطوير، بل رأيتهم فخورين بهذا الإنجاز وتلك المعطيات الناتجة عن تطبيق الجودة والأنظمة الإلكتروتية المتقدمة في عمليات الأمن بجدة؛ لأنها أسهمت -حسب إفاداتهم- في تحقيق العديد من الإيجابيات ومنها: خلق بنية تحتية لنظم المعلومات الجغرافية بمواصفات عالية، يمكّن من استخراج أي معلومة بسهولة ويسر، وفي زمن قياسي. مع إعطاء معلومات وصفية عن أي موقع، وحسب التوقيت الزمني المطلوب وربط المناطق الإدارية للدوريات الأمنية والإدارة مع غرفة العمليات. وكذلك مع القطاعات الحكومية والخدمية بسهولة لتقليل العمل الروتيني والورقي مع إمكانية استخراج المعلومات على نظام الخرائط، أو التقارير أو الجداول، أو الرسومات البيانية والاحصائية، أو خاصية قياس أداء العاملين بما يساعد على وضع الخطط المستقبلية. والبديلة، وسهولة تحويلها؛ لدعم متّخدي القرار بشكل آلي وسريع وعمل دراسات إستراتيجية للمسؤولين.. وقد كان للزيارات الميدانية التي قام بها كل من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة لغرفة العمليات ومتابعتهم الدائمة للمشروع أولاً بأول الأثر الكبير في دعم نجاح المشروع، وتحفيز القائمين عليه للمضي قدمًا، وتجاوز كل الصعاب والعوائق. في نظري إن ما تم تطبيقه في عمليات الأمن بجدة هو نموذج إداري، وعمل إبداعي يستحق الإشادة، بل أجدها فرصة أن أطالب بتعميمه في جميع غرف العمليات في الجهات الأمنية، ومراكز استقبال شكاوى العملاء في الوزارات، والمصالح الحكومية؛ حتى يضمن المبلّغ، أو صاحب الشكوى وجود مَن يهتم بمطالبه، وبلاغاته، ويستيطيع متابعة طلبه بشكل آلي على مدار الساعة. المزيد من الصور :