كيف كانت حياة المجتمع الإماراتي في الماضي؟ وكيف كان يعيش الإنسان حياته في ظل ظروف قاسية وصعبة؟ لكن متى وجدت الإرادة والعزيمة، فإن لا شيء يقف أمام الإنسان، الذي يستطيع أن يكيف حياته وفقاً لظروفه وإمكاناته، فالحرف والصناعات التقليدية، التي كان يشتهر بها المجتمع الإماراتي في الماضي، كانت بمثابة صناعات حيوية، تشكل قوام اقتصاده في ذلك الوقت، وقد اضطرت الظروف لإتقان واحتراف العديد من الحرف والصناعات، التي لها علاقة مباشرة بالبحر، الذي كان مصدر الرزق والغذاء. وكذلك استغل الآباء والأجداد مصادر الصحراء والريف، على الرغم من شح الموارد وظروف الطبيعة القاسية، في سبيل تأمين سبل الرزق والمعيشة الكريمة، لكن في مجمل حياته كان المجتمع الإماراتي، يعتمد بشكل رئيس على النخلة، فمنها يأكل ومنها يصنع احتياجاته الضرورية في المنزل وفي البحر وفي غيرها من الوسائل، التي اعتمد فيها على شجرة النخلة، ولكي نتعرف اكثر عن المواد التي يستفاد منها في حياة الإنسان الإماراتي قديماً، كان لنا هذه الحوارات مع الرجال والنساء الذين عايشوا جزءاً من تلك المرحلة الماضية من حياة المجتمع الإماراتي. الشقاء والنعيم عبد الله محمد الحروب يقول: النخلة كانت وما زالت في حياتنا عنصراً مهماً، فمنها نأكل ثمارها ومنها ينتج العسل، ومنها استفاد آباؤنا وأجدادنا من سعفها وجذوعها، فبنيت اسقف البيوت منها، وعملت وسائل البحر من قراقير وحبال وغيره، كذلك كافة استخدامات البيت الإماراتي القديم، كانت من سعف وبطن النخل، لم يكن في ذلك الوقت توجد إمكانية لاستيراد المواد الضرورية من الخارج، فالسفر صعب جداً والحياة المعيشية كانت أصعب، لذلك اعتمد فيها الإنسان على نفسه، لقد كانت حياة شقاء، نعم لكنها علمت الأجيال الماضية كيف يعتمدون على أنفسهم، تعلموا الحرف وعلموها أبناءهم، واستغلوا الطوي لحفظ مياه الأمطار لزراعة أراضيهم الزراعية، والبحر للصيد وجلب السمك، كما أنهم زرعوا الأرض فكانت لهم الغذاء، وعملوا على الاستفادة من الطبيعة في أشجارها وأمطارها، فكانت لهم حياة النعيم، لذلك مازال الآباء والأجداد يتذكرون تلك الفترة، بكل ما فيها من شقاء ومن نعيم، واليوم نحمد الله على أننا نعيش التحضر، لكننا لم ننس ماضينا وتراثنا. ويضيف سالم سيف الجابري قائلاً: كان معظم أهل الإمارات صناعاً مهرة في تلك الأيام الماضية، وكانت صناعاتهم متعلقة بوسائل عيشهم وحياتهم اليومية، فهم يصنعون القوارب والسفن وآلات الصيد والفخار والنسيج والحدادة والنجارة والحلي والسيوف والخناجر والسروج والجلود والأدوات المنزلية، وقد اندثرت بعض هذه الصناعات والحرف التقليدية لعدم الحاجة إليها، بعد أن توفر للمجتمع الإماراتي كافة وسائل الحياة الحديثة. في الماضي كان الصناع الإماراتيون يبنون السفن الكبيرة، لاستعمالها في الغوص ونقل البضائع، أما اليوم فقد قلت هذه الأنواع من السفن لعدم الحاجة إليها، ومع ذلك لا تزال صناعة السفن من الحرف الموجودة وتشاهد بقاياها قائمة حتى الآن، وهذه السفن كانت تصنع كلها باليد، يصنعها النجار، والسفينة التي كانت تستعمل لصيد السمك يصنعها شخص أو شخصان، أما إذا كانت كبيرة وتستخدم في الغوص، فيقوم بتصنيعها عشرة أفراد، لذلك وكما قلت إن الإنسان الإماراتي اعتمد على مهاراته وإمكاناته في سبيل العيش في ظل ظروف صعبة ومعيشة أصعب. صناع الحياة علي محمد علي السويدي حرفي صناعة القراقير، بدأ حديثه بقوله: كان البحر مصدر رزقنا قديماً، سواء في البحث عن اللؤلؤ أو صيد السمك الذي انعم الله به علينا، وقد اعتبرت مهنة صيد السمك في المرتبة الثانية بعد البحث عن اللؤلؤ، فتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، ارتبطت مهنة صيد السمك بأغلب أبناء المناطق الساحلية وهم يمثلون النسبة الأكبر من عدد السكان، حيث يفضل السكن قريبا من الساحل لسهولة التنقل والحركة عبر البحر، ولكي يكون الصيد أمراً سهلاً فقد ابتكر الأولون سبلاً لصناعة أدوات الصيد، فكان منها (القراقير) وهي بأشكال مختلفة ويطلق على أحجامها، (باع ونص)، و(وباعين). وهكذا حتى تصل أربعة وخمسة باعات، وهي أقفاص بيضاوية الشكل، صنعت منذ بدايات نشأة مهنة الصيد لدى سكان السواحل، بسواعد الأجداد الذين استخدموا سعف النخيل أو أنواعاً معينة من الحطب، وقد تعلمت هذه الحرفة من عمي وأنا في عمر العاشرة، وتعتمد فكرة القرقور على اعتباره مصيدة تدخلها الأسماك، عبر فتحة دائرية على أحد جوانب القرقور، تكون على شكل مخروطي، تضيق عند النهاية لمنع هروب الأسماك للخارج، ويتم بعد حين إخراج حصيلة الأسماك من فتحة مؤقتة على الطرف الآخر تُسمى (بابه)، واستُخدم فيها (عوم وشبه وزبوت)، كطعم يوضع داخل القرقور للأسماك. أو ما يشبه العجينة من الطحين، ويختلف نوع الطعم حسب نوع الأسماك المراد صيدها، وتختلف أماكن غمر القراقير بين مياه ضحلة وأخرى عميقة، وبرعت القراقير في اصطياد الأسماك وهي إحدى أكثر أدوات صيد الأسماك استهلاكاً، وهذه القراقير، كما قلنا تستخدم من سعف النخيل ومن الحبال ومن (الصاجرو) و و(معاط) و (كاروب)، وكل هذه من مسميات أدوات القراقير وأدوات الصيد، وعلى ظهر السفينة تخرج الأسماك من القراقير، لتضع في سلال أيضاً مصنوعة من سعف النخل، وتسمى باللهجة الشعبية، (صيرم). يصنع الحابول من سعف النخل، وهو حزام حبلي، يلفه متسلق النخلة حول بدنه وحول جذع النخلة ليكون كالعتلة تساعده على تسلق النخلة وتحميه من السقوط، ويصنع من ليف النخيل بعد نقعه في الماء وتجفيفه، حيث يفرك ويفتل باليدين ليشكل حبلاً طويلًا، يؤخذ الحبل بطول عشرين باعاً ويلف بالقماش، ثم يطوى من المنتصف، ويفتل الجزاءان على بعضهما بعضاً ليشكلا جديلة، يتم شدها اكثر بإدخال عدد من جريد النخل بين فتحات الجديلة، تسحب الواحدة تلو الأخرى مع شد طرفي الحبل بعد سحب كل عصا، ويبقى ما طوله باع ونصف الباع من كل طرف من دون شده بالعصي، يربط الطرف الأيسر منها بحبل يسمى غبط، ويربط الأيمن بحبل آخر يمسى الساق، ثم ينظف بعدها من الشوائب ويستعمل.