* يحسب للراحل الكبير غازي القصيبي أنه ساهم إبّان توليه لوزارة العمل في كسر خجل كثيرا من الشباب تجاه العمل المهني، من خلال ممارسته الفعلية لمهنة (النادل) في بعض المطاعم الشهيرة.. لكن المؤسف أنه رغم نجاح الرسالة (القصيبية) المصورة في تشجيع الشباب نحو العمل في قطاعي المطاعم والفنادق تحديدا، إلا أن الكثير من المهن لازالت تعاني من عدم القبول بها شبابيا ومجتمعيًا.. مما يؤكد حاجتها إلى دعم إعلامي مماثل من معالي وزير العمل الحالي، الأمر الذي يجعلنا نطمع في أن نرى معاليه حدّادًا عامًا.. ونجّارًا أو خياطًا أو ميكانيكيًا أعوامًا أخرى!. * فبعيدًا عن إشكالية الأجور المتدنية التي قد تكون السبب الرئيس في العزوف الشبابي عن بعض المهن.. فان شبابنا الذي بات يأنف العمل في بعض المهن لنظرة المجتمع الدونية لها، يحتاج إلى من يلّمع في أذهانهم صورة هذه المهن التي كان جيل (سعوديو) ما قبل الطفرة يمارسها بفخر واعتزاز، إلى أن ارتبطت بسبب توابع زلزال الطفرة الاقتصادية الأولى في السبعينات بشيء من الوضاعة والدونية!. * لن أسرد هذه المهن بشكل تقليدي، بل سأعرض لبعضها من خلال مهن بعض الصحابة وأشراف العرب وسادتهم.. في محاولة لرفع بعض ما لحق بها من ظلم في ثقافتنا الاجتماعية.. فيقال: والعهدة على بصائر وذخائر التوحيدي أن أبي طالب كان عطارًا، بينما كان الصديق -رضي الله عنه- بزازًا، وكان عمر بن الخطاب دلالًا يسعى بين البائع والمشتري، وكان عثمان بزازًا، وكذلك طلحة وعبدالرحمن بن عوف، وكان سعد بن أبي وقاص يصنع النبال، والعوام أبوالزبير خياطًا، وكان عمرو بن العاص جزارًا، وكان الوليد بن المغيرة حدادًا، وكذلك العاص بن هشام.. وكان الخطاب بن نفيل مراقًا، وكان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مفتاح البيت خياطًا، وكان أبوسفيان بن حرب يبيع الزيت؛ والأدم، وكان العاص بن وائل بيطارًا يعالج الخيل، وكان أبوحنيفة صاحب الرأي والقياس خرازًا، وكان المهلب بن أبي صفرة بستانيًا، أما مسلم أبوقتيبة فكان جمالًا. * لن تستقيم المعادلة المختلة بين الأعداد الكبيرة من خريجي الجامعات الذين لا يحتاجهم سوق العمل وبين حاجتنا الفعلية لأعداد أخرى من الفنيين والحرفيين، إلا بالعمل على إعادة شيء من الكرامة المفقودة لتلك المهن في العقل الجمعي.. كما يحدث في كوريا الجنوبية التي تعد أحد أهم معاقل الصناعة في العالم حيث يحتفل الجميع بيوم العامل بدءا بوزير الصناعة الذي يتقمص كل عام شخصية (سبّاك) أو (نجار)، وليس انتهاء بطلاب المدارس الذين يختار كل منهم شخصية حِرفية يرتدي ملابسها فيما يشبه الحفلات التنكرية.. دعما للصناعة وتشجيعا لها. * العقلية العربية التي تهتم كثيرًا بتفاصيل الصورة تحتاج إلى وجود جناح إعلامي مؤثر لوزارة العمل، يُمارس دورًا توعويًا أحسبه لا يقل أهمية عن إيجاد فرص عملٍ للشباب.. كما يمارس ضغطًا على الشركات الكبرى من أجل إطلاق حملات إعلامية تهدف إلى صناعة ثقافة مجتمعية تحترم الحرفة، وتغير النظرة السلبية لها.. تلك النظرة التي أصبح مجتمعنا بسببها سوقًا رائجة للسلع الرديئة من كل أصقاع العالم. Twitter: @m_albeladi [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة