الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة والعلم والمجتمع والمنهجية العقلانية المحايدة !!!
نشر في الجنوب ميديا يوم 19 - 02 - 2014

"أننا نشكل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكلنا، فكيف ما كانت نكون"
عبرالكثيرون من العلماء والمتخصصين في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية عن ما يكتنف دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية من معوقات منهجية ونظرية تحول دون تحقيق شروط العلم ومنهج البحث العلمي الموضوعي المحايد حتى في أفضل الظروف مواتاة ,اقصد في البلدان التي تمتلك تقاليد وخبرات بحثية علمية راسخة ومتراكمة منذ مئات السنين.
وبهذا المعنى يمكن لنا فهم فحوى تساؤل عالم الاجتماع الفرنسي الشهير, بيار بورديو, هو "كيف يمكننا إنجاز خطاب ابستمولوجي في موضوع سيوسولوجي" دائم الحركة والتحول والتغير والتبدل, شأن جميع الظواهر الاجتماعية ؟" إذ أن الباحث او الدارس في القضايا الاجتماعية هو جزء من الظاهرة بما هو إنسان يعيش في مجتمع يؤثر ويتأثر وينفعل بما يعتمل فيه من قضايا وأحداث صغيرة أم كبيرة , تمارس تأثيرها المباشر على حياة جميع أفراد المجتمع الذين يعيشون الحياة بسياقها الحي والمباشر,تلك الحياة التي نمنحها تسعة شأعشار من وقتنا الذي نعيشه في عالمنا الواقعي المعيشي الفوري , بلا ماض ولا مستقبل , عالم اللحظة الحاضرة الراهنة المباشرة , عالم الحياة وتدفقها بملموسيتها وكليتها. أي الحياة اليومية البسيطة المليئة بالانشغالات الروتينية والمتطلبات المعيشية الملحة الصغيرة والروتينية التي تستغرق الكائن الاجتماعي الساعي إلى إشباع حاجاته بمختلف الوسائل والسبل والحيل والتقنيات والعادات التقاليد والأساليب والصراعات والرهانات والتفاعلات والنجاحات والخفقات,المكاسب والخسارات وكل أنماط العلاقات والممارسات اليومية التي ننهمك بها والتي تشكل فعلاً عصب الجسد الاجتماعي برمته "أي" الحياة بلا مزايا "، التي يسميها عالم الاجتماع "جلير دوران" بالجو الخانق."
والسياسة هي "الزمن الذي لا يمر" حسب دوبرية بمعنى أنها حضوراً مستمر وانشغال دائم للكائن الاجتماعي السياسي بفطرته, حسب أرسطو وابن خلدون , وهي لذلك تمارس تأثيرا طاغيا في حياة الناس بأشد مما تأثر بهم تقلبات الظواهر الطبيعية : المناخ, الحر البرد, الجدب, الخصب, الفيضانات, الرياح ,العواصف ,الزلازل والبراكين...الخ.ولسنا بحاجة إلى التذكير هنا بمدى ذلك الأثر الفاجع الذي أحدثته السياسية واضطراباتها في حياتنا في هذا الصقع المسمم بالفساد والعنف والخوف والظلم والجهل والجريمة والانكسارات والكوارث السياسية, والتي تعد القضية الجنوبية الراهنة أحد أبرز تجلياتها الفاجعة , تلك.وهي بحكم راهنيتها وحضورها الكارثي المؤلم في العقول والقلوب مشبعة بشحنة انفعالية وعاطفية أيديولوجية بالغة الحساسية والتأثير في حياة الفاعليين الاجتماعيين في الجنوب اولا وفي الشمال بهذا القدر أو ذاك من الشدة والحدة ومن الاشتباك والاحتكاك ومن مختلف المواقف والمواقع والاتجاهات بل والمسافات التي نشغلها بالنسبة لها ومنها من حيث القرب والبعد المع والضد ... الخ . هذا الشعور الملتهب المنفعل يصعب علينا التحرر من تأثيره الطاغي فينا وعلينا مهما حاولنا ذلك.
وبقدر ما يتعاظم الجزع الذي تحدثه ظاهرة من الظواهر, يبدو معها المرء أقل قدرة على ملاحظتها بشكل صحيح والتفكير فيها بشكل موضوعي وإعداد الطرق الملائمة لوصفها ومراقبتها وتفسيرها وفهمها وتوقع مآلاتها بقدر من التجرد والحياد والموضوعية بما يؤمن حد أدنى من الصدق والأمانة والنزاهة والإنصاف في معرفة الحقيقة وفهمها. إذ إن الحقيقة مستقلة دائما في أخر المطاف .وفي طلب الحقيقة لا يهمني أن اعَّارض بقدر ما يهمني أن أكون على صواب ولو نسبيا .
وهذا هو قدر الإنسان مع ذاته وحياته ومع مجتمعه ومشكلاته ومع الآخرين ومجتمعاتهم ومشكلاتهم التي لا فكاك منها مهما حاولنا الهروب والتهرب واللامبالاة إذ لا بد من المحاولة مرة ومرات وبذل المزيد من الجهد والبحث والدراسة والنقاش وتداول الرأي والنقد والقييم فليس لدينا سبيل آخر للتعرف على المشكلات التي تؤرق حياتنا وفهم العلل والأمراض التي تفتك بنا وبحث السبل والممكنات الناجعة لتجاوزها, فلا عذر لنا طالما ونحن موجودين هنا والآن, وقّدر لنا أن نكون شاهدين على هذه الحقبة الصاخبة بالحروب والعنف والظلم والظلام وبالمآسي والأزمات والإخفاقات , إذ أنه من المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لمصائبنا وأزماتنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد ولا شيء يمكن انتظاره إن نبادر نحن بعمله .
وفي سبيل أن لا نظل ندور في حلقة مفرقة في دوامة سوء التفاهم والتعصب والتمترس والهرج والمرج والانفعالات والخصومات لابد لنا من محاولة انتهاج طرق وأساليب مقاربة منهجية ورؤى متبصرة وفاعلة في دراسة وبحث المشكلات التي تؤرقنا جميعا . طريقة المنهج النقدي العقلاني الذي يقوم على اساس التفكير القائم على الانفصال عن مشكلة البحث بقدر الإمكان , بمعنى أن رؤية ظاهرة من الظواهر غير متاحة إلا بعد التحرر من أسرها وسطوتها , ووضع ذواتنا على مسافة كافية منها بما يمكننا من رؤيتها بوضوح من جميع أبعادها, إذ أن الغارق في البحر لا يراه, والغاطس في السياسة لا يراها. وهذا ما ألمح إليه عالم الاجتماع الفرنسي "ميشيل مافيزولي" في فترات القلاقل والغليان وفي سبيل مقاربة وفهم المشكلات المؤثرة من الأجدى تناول الظواهر الاجتماعية بعقل متحرر ما أمكن من العواطف الملتهبة ومن أي أحكام مسبقة ومعتقدات قبلية"وألامر كذلك فإن رؤية متبصرة للظاهرة السياسية, الراهنة, الحيوية, المعقدة, التي جرى تبسيطها بتعرفها ووصفها ب" القضية الجنوبية وتدعياتها " بما يوحي بأنها جزئية بسيطة أي مجرد (قضية) واحدة من قضايا مشابهة في اليمن!. في حين إن المطلوب كي تتضح الصورة أن نحاول الابتعاد عن الصيغ السهلة والكليشات الجاهزة, والتعريفات الشائعة, المبتذلة من كثرة الاستخدام عند الرأي العام ونعتقد أن مثل هذه الإمكانية المعرفية في فهم القضية هي مهمة أولئك المتحررين من الأيديولوجيات والاستلابات الكثيرة المختلفة , ممن يمتلكون عيون نقدية قادرة على رؤيتها كما هي في واقع الحياة المعيشة بأسبابها الفعلية وحدودها الواقعية وعناصرها ونتائجها وحلولها الممكنة بعيدا عن الرغبات والأهواء والأمنيات والأوهام الشائعة او التهويل والتهوين او الوصفات السحرية الجاهزة أو كما تروج الوسائط الرسمية والايديولوجية المختلفة الآن لمخرجات الحوار والفيدرالية والأقاليم وكأنما عثروا على الوصفة السحرية الجاهزة لعلاج المشكلة والأمر كذلك فلا خيار لنا من منهج النقد العقلاني من منظور منهجية الممارسة الانعكاسية المجردة عن الأحكام المسبقة الجاهزة والمواقف المتسرعة والأهواء المبتذلة وحسن النوايا أو التعصب الأعمى , والعواطف الملتهبة. فالانفعالات والشهوات لا تفسر شيئاً على الإطلاق بل تزيد الطين ضغثا على أبالة !!
بمعنى أن يمتلك الباحث او الدارس النقدي حساسية نقدية تجاه ذاته الفردية والجمعية _ حساسية نقدية واعية _ تمكنه من القيام بإحداث قطيعة فكرية بين مصالحه الضيقة وعواطفه ورغباته وتأويلاته وغاياته, ومواقفه, واتجاهاته الايديولوجية والاجتماعية _ قطيعة _ مع رؤيته للمشكلة المتعينة موضوع البحث ومع الخطاب السياسي والإيديولوجي الرائج ومع السوسيولوجي التلقائي العام ومهما يكن موقفنا من الماضي فإنه تاريخنا ولا جدوى من الثأر منه أو السخرية منه , كما أن حبنا له وإجلاله لا يغيران من حقيقته شيئاً, وحينما يكون الماضي الذي نود معرفته, ماضياً سياسياً اجتماعيا قريباً وحاضراً ومؤثراً , مليئاً بالإحداث المأساوية فإن المهمة ستكون شاقة,غير أنه ليس هناك من خيار لنا طالما ونحن بشر يفترض أن نمتلك, العقل والحكمة, لا قطيع من الكائنات الحية. لا تدري لماذا تعيش ولماذا تموت , وكيف تتصدى لمشكلاتها وتبحث في مآلاتها وممكنات حلولها , فمهما حاولنا فلابد مما ليس منه بد ولا يجدي التسويف والتبسيط واللف والدوران والمغالاطات والترقيع والتخدير والتأجيل ... الخ كما أن تجليات الواقع مكررة على الدوام , وليس في الإمكان المعرفة إلا ضد معرفة سابقة أُسيء تكوينها, أو كما قال الفرنسي باشلار " ستكون الحقيقة خطأ مصححاً أو لا تكون".
فإذا ما عرفنا الأخطاء تعلمنا منها, وإذا ما فهمنا الأسباب الحقيقية التي أفضت بنا إلى ما نحن فيه من حال ومآل ربما استطعنا من تجاوز وضعنا المنذر بأشد وأوخم العواقب . وكلما كانت صياغتنا للأسئلة دقيقة وواضحة وسليمة كلما انجزنا نصف المهمة . فما هي المشكلة الجوهرية التي تعصف بمجتمعنا وما الذي حدث هنا بالضبط , وكيف حدث ما حدث ولماذا ,وماهو حجم الكارثة وكيف يمكن علاجها ... الخ ؟ من الأسئلة التفصيلية التي تبحث عن إجابات دقيقة يصعب تجاوزها بالكلام المرسل والخزعبلات الفارغة . ، فاذا ما تمكننا من تشخيص جذور المشكلة استطعنا اختيار وصفات العلاج الملائمة لها ، ومن المهم ان نكون على بينة ومعرفة دقيقة بحقيقة الوصفة وصلاحها وقدرتها ، فما قيمة الترويج للمخرجات مؤتمر الحوار والفيدرالية والاقاليم اذا لم نكن على ادراك واعي بمقدرتها على حل المشكلة الجذرية .
إنني إذ اكرر الاشارة الى هذا بعد ان جرت مياه كثيرة في نهر الجنوب وقضيته وثورته المشتعلة وبعد إن اتضحت الكثير من إبعادها وصيرورتها قضية سياسية نوعية عادلة محلية ودولية وإقليمية وملحة , وذلك بهدف لفت نظر الزملاء والزميلات الاكاديمين المهتمين بالبحث المنهجي العقلاني النقدي بهدف معرفة وفهم الحقائق الواقعية المحتملة معرفة وفهما مجردا عن إي غايات وأهداف ومصالح اإيديولوجية وأخلاقية حسنة أو سيئة النية _ من حيث كانوا طبعا _ انطلاقا من الخاصية الأساسية للبحث والمعرفة المنهجية التي هي( القدرة على التبوء بالمآلات المستقبلية للظاهرة موضوع البحث ) وهذا لا يتحقق الا لمن اخلص النية في محاولته فهم الحقيقة والحقيقة الصافية مهما كانت مؤلمة وغير محبذة , إذ إن الحقيقة مستقلة عن أهواءنا في آخر المطاف .
يجب أن نواجه الحقيقة المرة التي مؤداها أن ثمة أشياء كثيرة في حياتنا وطباعنا وعلاقاتنا وخبراتنا وعادتنا وثقافتنا تحول دون التفاهم وفقدان والثقة وشيوع الريبة والتوجس مثل، الضحالة والسطحية والتفاهة والمزايدة والرضا عن الذات، والكذب والولوع بالطرق المختصرة والرغبة في التساهل مع الامور الجدية وعدم الكفاءة ونفاذ الصبر ، وغياب المعايير الموضوعية واختلال المثل، وشيوع الفساد .و(أن نعترف بحقيقة وضعنها ونتخيل ونتقبل أنفسنا كما نحن هو الخطوة الأولى على الطريق الصحيح لحل المشكلات وتجاوزها) ويسلك الإنسان كما يعتقد فإذا اعتقدت بأنني مريض واعترفت بمرضى فسوف أذهب إلى الطبيب، أما إذا كنت مقتنعا بأنني خالي من المرض، فليس هناك قوة في العالم تدفعني إلى زيارة الطبيب حتى وأن كنت فعلاً مصاب بأفدح الأمراض.
والسؤال الذي يواجهنا هنا بعد الذي حدث اليوم في جامعة عدن هل التدشين والترويج للمشاريع والاجندات السياسية الايديولوجية التي هي دائما مواضع خلاف واختلاف وبؤر صراع وتخاصم بين القوى والمصالح والاهدف المختلفة أمر يساعد على تمهيد السبيل لحل المشكلة وهل هو من اختصاص المؤسسات الاكاديمية التي يجب ان تظل محايدة عن كل التجاذبات السياسية في كل الاحوال والظروف ؟؟؟ فاذا لم تكن الجامعة مؤسسة محايدة تقف على مسافة واحدة من جميع افراد وتكوينات مجتمعها فاين يمكن لنا البحث عن روابط ممكنة للعيش المشترك في حدود القواسم المشتركة للجميع ، وكيف يمكن للناس الثقة بالجامعة وبمخرجاتها ؟!
وبدون أن تأمن الجامعة بيئة مناسبة للأساتذة والطلبة في ممارسة نشاطهم التعليمي والعلمي، فلا يمكن لها النمو والتطور والازدهار.هكذا نلاحظ أن حرية الجامعة واستقلاليتها المالية والإدارية والأكاديمية ليست من الأمور التكميلية والثانوية، بل هي أس الأسس ولب المسألة برمتها.لكن كيف يمكن للجامعة أن تكون مؤسسة حرة ومستقلة؟! هذا هو التحدي الحاسم الذي يجب أن يستفز كل عضو من أعضاء الهيئة التدريسية والتدريسية المساعدة في جميع الجامعات اليمنية الحكومية الأهلية ويستثير فيهم استجابة فعاله وفاعله.
وختاماً علينا أن نتذكر أن الفساد هو انتهاك القواعد والقوانين المعتمدة في المؤسسة من اجل تحقيق مكاسب شخصية،وقد لاحظ أفلاطون أن الحس القوي بالواجب يساعد على منع الفساد وهذا يجعل سلوك الأكاديميين بخاصة مهما غاية الأهمية لترسيخ معايير مؤسسية ثابتة نسبياً وهذا ما جاء في كتاب هوى رنان تسوكي الصين عام122ق.م بالقول:أذا كان خط القياس صحيحا فان الخشب سيكون مستقيما لا لان المرء بذل جهدا خاصا،بل لان أداة القياس التي التزمنا بها جعلته كذلك،وبالمثل إذا كان الحاكم مخلصا ومستقيما فان الموظفين الأمناء هم الذين سيعملون في حكومته بينما يختفي الأنذال والأشرار والفاسدين ،وإذا لم يكن الحاكم مستقيما فان الأشرار يجدون سبيلهم ممهدا أما المخلصون الأمناء فسوف ينسحبون إلى حيث يعتزلون متوحدين.على هذا النحو تعلمنا الحكمة القديمة بان السلوك الفاسد في المستويات العليا يحدث أثارا تتجاوز النتائج المباشرة لهذا السلوك.كما أن السمات المميزة للحرية لها جوانب متباينة تتعلق بمجموعة مختلفة من الأنشطة والمؤسسات والدلالات المتنوعة.و التنوع هو الذي يمنح التنمية خصبها كما قال وليام كوبر: الحرية تزهر بألف وجه من الجمال والفتانلا يعرفها العبيد مهما كانوا بحياتهم قانعين".
فيما يشبه الخاتمة ... صرخة ...........لا للعبث بالجامعة والزج بها في ميدان اللعبة السياسية العابرة !!!
اليوم تحولت أقدم وأعرق جامعة في شبه الجزيرة العربية ؛ جامعة عدن إلى ثكنة عسكرية وساحة معركة حامية الوطيس بين الهيئة التدرسية وهيئة التدريس المساعدة والطالبات والطلاب وجحافل كبيرة من جند وعتاد عصابات الغزو والتكفير والاحتلال، عشرات الاطقم والعربات المدرعة داخل حرم الجامعة وخارجها ، ذهبنا صباحا كالعادة الى ديوان الجامعة لمتابعة بعض اغراضنا فاذا بنا نرتطم بهذا البنتاجون اليمني الرهيب ، لم اصدق ما رأيت ، سألت بعض العسكر المدججين بكل انواع الاسلحة في البوابة : اليست هذي جامعة عدن ؟؟؟ اجابوني بنبرة غاضبة ولهجة شمالية ما تشتي ؟! قلت لهم انا عضو هيئة تدريس في جامعة عدن اليست هذه هي الجامعة ام خانتني الذاكرة ؟؟؟!!! قالوا بصوت مرتفع اقتلع !!!! اليوم معنا تدشين مخرجات الحوار والاقاليم ، ادخل او رح لك !!! دخلت لكي اتأكد من الأمر ، فكانت صدمتي اقوى مما رأيت في الداخل ، لم اجد علامة واحدة تدل على ان هذه هي جامعة او مؤسسسة اكاديمية ، عشرات العسكر وعشرات المدرعات من مختلف القطاعات كانوا منتشرون في الساحات والزوايا والممرات وفي وضعية قتالية عالية ، تقدمت بخطى حذرة بين صفوف المسلحين صوب قاعة مخرجات الحوار المسلح ، اخضعوني للتفتيش ثلاث مرات قبل الوصول الى قاعة لقمان ، لم استطع التعرف على احد من المقتحمين حرم جامعتنا العزيزة ، كنت الغريب الوحيد وسط هذا الحشد الرهيب ، تلفت يسار يمين لعلني اعثر على احد ممن اعرفهم ، فاذا بي المح وجه احد طالباتي كانت على عجلة من أمرها فتحوا لها بوابة قاعة المخرجات فاغتنمت الفرصة لاختلس نظرة سرعية عما يجري في الداخل ، كانت القاعة شبه فارغة من الاكاديميين ، فقفلت راجعا الى خارج معسكر التدشين ، منظما الى الوقفة الاحتجاجية المدنية السلمية امام بوابة جامعة عدن التي كانت ! مع جموع المتظاهرين من الزملاء الاكاديميين /ميات / والطلبة والطالبات ، والاخوة والاخوات من مختلف الفعاليات والفئات الاجتماعية المدنية وهم يتصدون لهجمات متواصلة من جحافل القوات المعتدية على حرم جامعتنا الحبيبة ولم يهنوا ، مرددين شعارات مناوءة لمخرجات الحوار العقيم معلنيين رفضهم القاطع لاقلمة الجنوب ومشروع الفيدرالية المقيتة ، مطالبيين تحييد الجامعة عن السياسة والشهوات الضيقة ، خضنا ساعات من الكر والفر وامطرونا بوابل من القنابل السامة المسيلة للدموع وخراطيم المياة القذرة واطلاق الرصاص الحي على جموع المتظاهرين العزل والضرب بالهروات بدون تمييز بين النساء والرجال ، واختطاف وأسر العشرات من المتظاهرين المسالمين المدنيين العزل فضلا عن جريمة الاعتداء النكراء التي ارتكبها بلاطجة وحيد رشيد بحق الطلبة الناشطة انسام عبدالصمد في قاعة لقمان امام انظار الجميع والتي اساءت اساءة بالغة لهذا الصرح الأكاديمي ومنتسبيه . لقد كان يوم تدشين حافل بمخرجات الحوار اللعين ، ويبق السؤال الحارق هو لماذا العبث بالجامعة ، الم تجدوا مكانا غيرها لتدشين حوار الموفنبيك المهين ؟! لماذا جامعة عدن بالذات تستباح حرمتها بينما كل الجامعات اليمنية معززة مصونة ؟! بيد ان ما يثير الأسف الشديد ان يكون رئيس نقابة جامعة عدن في مقدمة المدشنيين ! واذا كان رب البيت للطبل قارع فشيمة اهل الدار كلهم الرقص، ولا ملامة على الاغراب والمدعويين ، ولله في خلقة شؤون ، والافراد يأتون ويذهبون اما المؤسسات في وحدها الباقية !!! اللهم قني من شرور زملائي المتمصلحين واصدقائي اللامبالين ، اما اعدائي فانا اعرفهم والله المعين .
موقع قناة عدن لايف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.