بالرغم من يقيني الكامل بأن التعامل مع المواقف السياسية القطرية تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين خصوصاً، وبقية دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، لم يأت كرد فعل متسرع تقوده الرغبة بالانتقام، ولكنه اتُخذ بعد الكثير من المحاولات والاتصالات الجادة مع مُسيّري السياسة والتوجهات القطرية التي أسفرت عن القرارات الأخيرة بسحب السفراء من الدوحة. ولا جدوى من سرد تفاصيل ما قام به ولاة الأمر في قطر ضد دول الخليج العربي من حيث إيوائهم بل وتربيتهم لأفاعي وعقارب المنظمات المنحرفة والإرهابية، التي تهدف إلى ضعضعة الوضع الخليجي بشكل خاص، والعربي بشكل عام، حيث أصبحت تلك المؤامرات التي رعوها وشجعوها، بل مولوها أيضاً، ظاهرة للعيان ومعلومة حتى للقطريين أنفسهم. ومهما حاولنا في دول الخليج أن نفهم كنه هذه السياسة التي انتهجها حكام قطر في العشرين سنة الماضية، بدءاً بالاتصالات السرية مع الدولة العبرية والوقوف دائماً وراء تقويض المبادرات والمساعي العربية الجماعية، والتي أدت في أغلبها لخسائر سياسية جسيمة في الوطن العربي بشكل عام، فإن تلك المواقف لا يمكن تفسيرها أو تصنيفها ضمن أطر سياسية نمطية تمكّن من تفسير المواقف السياسية لحكام قطر. تلك السياسة التي وقفت مع تدمير اليمن من الداخل، وتقويض الأمن السعودي، والإضرار بالمصالح الإماراتية، وإذكاء الفتنة الطائفية في البحرين، وغيرها من الدول الخليجية والعربية. وعبر القيام بكل ما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للعالم العربي؛ يجعل الجميع يتساءلون ليس عن الأسباب والدوافع فقط، ولكن عن الماهية والأيديولوجية السياسية التي اعتنقها هؤلاء، فالسياسة تهدف دائماً في نهاية المطاف إلى الحفاظ على مقدرات الوطن، والعلاقات المتوازنة التي تخدم تلك المصالح، لا سيما الوحدة الوطنية ومكتسبات الوطن، وعلى رأس الأولويات الاستقرار الاقتصادي والأمني اللذان لا يتحققان بتهديد أمن واستقرار الآخرين خصوصاً الدول المجاورة، والتي كان هؤلاء يرددون على الدوام حرصهم على سلامتها وتقوية العلاقات معها. إن ولاة الأمر في قطر والذين تعصف بهم الكثير من الأزمات والاحتقانات الداخلية، والذين يمرون باختيارات واختبارات الولاء وعرض عضلات القوة السياسية والسيادية، قد أوصلوا قطر وكيانها السياسي إلى مرحلة متقدمة من الخلل الإداري في قمة هرم الدولة، فمنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، اتجهت السياسة القطرية بصورة رعناء إلى التخبط وعدم العمل بصورة متوازنة مع أداء دول مجلس التعاون. خلال تلك الفترة من التخبط توجهت القيادة القطرية مباشرة إلى الكنيست الإسرائيلي ودوائر اللوبي الصهيوني بتكتم إعلامي صارم وبفتاوى دينية من مفتي الفتنة الإخواني، الذي مُنح الجنسية القطرية مكافأة له على تلك الفتاوى، وعندما وجدت تلك القيادة نفسها فعلت ما بوسعها من زج قطر في النفق المظلم الذي هندسه بعناية وزير خارجيتها، آثرت تسليم الأوضاع إلى جيل قليل الخبرة تحركه تلك التوجهات والأهواء وقادة الجماعات الإرهابية، ويعتمد في وضع سياساته وردود أفعاله على تقارير قناة الجزيرة المسمومة. إننا نعلم أن القطريين يمتلكون الوعي والدراية الكافيين، مما يمكنهم من فهم الوضع الحقيقي لقمة الهرم السياسي في بلادهم، والوضع المأساوي الذي أوصلتهم إليه السياسة غير الواعية. كما نعلم تماماً أن هناك في قطر من هم أكثر إمكانية وقدرة على إدارة السياسة القطرية بالكفاءة والتوجه الخليجي والعروبي الإسلامي الحق، والذي يضمن بقاء وسلامة قطر واستعادتها لدورها الإقليمي والعربي والدولي الصحيح، فالنار التي أججتها الجماعات الإرهابية ودعاة الفتنة، والمخربون الذين جُمعوا في قطر؛ لن تفتأ أن تلتف على قطر نفسها لتحرقها بنفس اللهب الذي حاولوا إشعاله في الدول الأخرى، فمن يبيع بلاده ويقتل أفراد قومه لن يكون أبداً موالياً لقطر أو حكامها. إننا في الخليج شعوباً وحكومات، وأقولها بملء الفم، لا نحمّل الشعب القطري تبعات ووزر الرعونة السياسية، وإننا نأمل ونعتقد أنه مازال بالإمكان إنقاذ قطر من التدهور المتسارع نحو الهاوية، فلا يمكن تصور استمرار قطر في نهجها المعادي لحاضنتها العربية والخليجية الكبيرة، في حين على القطريين التأكد دائماً أن صدورنا وقلوبنا وبيوتنا جميعاً مفتوحة للشرفاء منهم. وإننا على يقين بأن هذا التغيير المأمول في قطر سيأتي لا محالة، ولكننا لن نكون طرفاً فيه، ولن نحاول أن نحدد خيارات الشعب القطري أو نعمل على تقويض استقراره بالدسائس والمؤامرات. وسنتعامل مع الوضع كما سيؤول إليه بخيارات مفتوحة بأحقية الرد والدفاع عن النفس، إلا أننا سنفرح كثيراً بتغيير هذا النهج السياسي غير العقلاني في قطر كفرحة الأسرة بعودة ابنها الضال. The post عودة الابن الضال appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية