د. عبدالإله محمد جدع يُحكى أنه كان عند حكيمٍ ولدٌ وحيدٌ، وعددٌ من البنات.. ربّاه فأحسن تربيته، وأراد -بعد تعليمه- أن يزوّجه بمَن تستحقه، فترك له الحرية في الاختيار.. فاختار الشاب على عجل -كحال أكثر الشباب- مَن أُعجب بها من أول نظرة، وبعد مرور أسبوع من الزواج اتّفق الحكيم مع بناته على حيلة لاختبار الزوجة، فطلبن من أخيهنّ أن يخرج إلى الشارع، ويدفع جذع شجرة كبيرًا لا يطيقه، فخرج الشاب، وحاول مرارًا، لكنه لم يستطع حتى تحريكه.. وحسب حيلة الحكيم مع بناته، صِرْن يضحكن عليه، ويسخرْن منه.. فما كان من الزوجة الموجودة بينهن إلاّ المشاركة في الضحك والسخرية.. فنظر الحكيم إليها نظرة استنكار، ثم أمر ابنه فيما بعد الحادثة بطلاقها فاستغرب الابن واستنكر؛ لأنه كان مولعًا بها وسأله: لماذا يا أبي؟ قال الحكيم: إنّها لا تصلح لك!! وستعرف بعد حين.. وبعد عدّة أيام طلب الحكيم من ابنه البحث عن زوجة حتى تهدأ نفسه، ونصحه أن يركّز هذه المرة على الدين والأخلاق، فاستجاب الشاب لكنه قال: اختر لي أنت هذه المرة يا أبتاه، فاختار الحكيم الزوجة الصالحة، وكرر هو وبناته ذات الحيلة، فطلبن البنات من الشاب دفع جذع الشجرة، فلمّا لم يستطع ضحكن عليه، وسخرن منه! لكن موقف الزوجة هنا كان مختلفًا، إذ صاحت بأعلى صوتها.. كفى.. كفاكنَّ ضحكًا وسخريةً.. حرام عليكنَّ، ونادت على (الحكيم) ليساعدها، بل لم تنتظر، وركضت مسرعة لتساعد زوجها، وتدفع معه ليزحف الجذع فيتدحرج قليلاً، فلمّا عادوا إلى البيت فرح الحكيم، وبارك لهما الزواج، وقال لابنه: هل أدركت يا بني الآن الفرق بين الزوجتين؟ هذه هي الزوجة التي تناسبك، ولا تشمت فيك، ولا ترضى عليك الضيم والدنيا مثل الشجرة لا بد فيها من شريكة حياة أمينة، تتقي الله فتساعد على مواجهة مصاعب الحياة ولا تفضحك!!).. وقصة أخرى على صلة وثيقة بحسن الاختيار لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما زوج ابنه إسماعيل عليهما السلام من إحدى بنات قبيلة (جرهم)، وكان اسمها (عمارة) فجاء سيدنا إبراهيم عليه السلام لزيارة ابنه فوجده غائبًا فسأل زوجته وكانت لا تعرفه.. من تكونين؟ قالت زوجة إسماعيل، فقال لها: وأين زوجك؟ قالت خرج يتصيّد ما نعيش به، ثم قال: وكيف حالكما؟ قالت إننا في شرّ حال.. ونعيش في ضيق! فقال سيدنا إبراهيم: إذا ما جاء زوجك فاقرئيه السلام، وقولي له:(غيّر عتبة بابك)، ولما جاء سيدنا إسماعيل أبلغته بأمر الرجل الشيخ وما دار بينهما، فعرف سيدنا إسماعيل أن أباه غير راضٍ عن زوجته، فقال لها: اذهبي إلى أهلك، وطلّقها.. ثم تزوّج بأخرى من ذات القبيلة اليمنية (جرهم) أيضًا، ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء سيدنا إبراهيم لزيارة ابنه فلم يجده، وطرق الباب وسأل زوجته عن الحال، وكان اسمها (مضاض)، فقالت نحن بخير بفضل من الله.. فقال لها سيدنا إبراهيم عليه السلام: إذا ما جاء زوجك فاقرئيه السلام، ومُريه أن يثّبت عتبة بابه.. ولما جاء سيدنا إسماعيل عليه السلام أخبرته بما صار، وما قال الشيخ.. ففرح سيدنا إسماعيل ورضي عن زوجته، فقد كان حريصًا على رضاء والده. وفي القصتين حكمتان بالغتان.. ترشدان إلى أهمية الاختيار للزوجة، فالقرار هنا مصيري، لن يدفع الرجل (الشاب) ثمنه وحده فحسب، بل سيولد من تلك الزوجة من يتحمل ذنبه؛ لأنه لم يحسن اختيار أمّه. فكانت وبالاً على الجميع، وقد ذكرت ذلك في كتابي الأخير (خلاف أم اختلاف.. لأن العلاقة كقطعة البازل)، مشيرًا إلى أن الشرع الحنيف قد ركّز كثيرًا على الاختيار قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)، فالأمر قد يصل ليس لسوء العشرة فحسب، بل للعداوة والبغضاء. "وقد جاءت الأحاديث في هذا الجانب لأهميته البالغة في استقرار الحياة وسلامة النشء. فالزوجة تحمل أمانة عظيمة تبرأت منها السموات والأرض والجبال، وأشفقن منها؛ لأن الزوج يأمنها على بيته وماله وولده، ليتجه خارج البيت طلبًا للرزق.. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ). وقال عليه الصلاة والسلام للمرأة التي جاءته وافدة النساء (اعلمي أيتها المرأة وأعلمي مَن خلفك من النساء أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، يعدل ذلك كله) يعنى الجهاد في سبيل الله. وعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ)، وواقع الشباب اليوم الحيرة والتردّد في الزواج حتى أن بعضهم كان يستشيرني بعد أن فسخ خطبته لغير مرة عن الطريقة المثلى في الاختيار، فحكيت له القصتين وأضفت: بأن اتخاذ القرار في فترة الخطبة هو بالتأكيد أفضل من بعد الزواج وإنجاب من يدفعون الثمن؛ لأن أكبر خطأ يرتكبه الإنسان في حق نفسه وولده هو سوء الاختيار. فبعض النساء لا يزيدهن حلم الزوج وصبره إلاّ غرورًا ويكرسن حياتهن لإثبات سوء الزوج، ويوظفنّ كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل فشله، والتأليب ضده عند الأولاد والمعارف بدلاً من إصلاح ذواتهن. دوحة الشعر: يا سيدي أشكو إليك لئاما ملأ الجحود قلوبهم أسقاما تهديهم الثقة البريئة ويلهم يهدونك الأحقاد والإجراما [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (45) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة