أنه القائد الحقيقي بلا منازع لثورة25 يناير, وعلي الأطراف التي تدعي غير ذلك أن تلتزم الصمت. ففي ذروة الارتباك في المشهد السياسي واحتشاد الملايين في الميادين بين مؤيدين ورافضين للدستور, وبينما ميليشيات مسلحة تخرج علينا فيما يشبه استعراض القوة وإرهاب الرأي العام والرأي الآخر معا, وبينما تتضارب الآراء بين نخبة جبهة الإنقاذ والتيارات الإسلامية علي تنوعها, ألقي شعب مصر كل هذا جانبا, وأزاح عنه هذه الصورة الضبابية, وخرج شيوخه قبل شبابه ونساؤه قبل رجاله لتحديد مصير الدستور بأنفسهم دون وكالة لأحد أو وصاية من أحد, إن كم المرضي وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن الذين أصروا علي المشاركة في الذهاب للاستفتاء بمرحلتيه, يؤكد أنه لا أحد في مصر يمكن استثناؤه أو إقصاؤه عن صدارة المشهد السياسي, لقد تغلغل الوعي في وجدان المصريين, وتبين لهم أن مصيرهم بأيديهم وأنهم وحدهم القادرون علي قيادة سفينة الوطن. إن شعب مصر أكثر إصرارا الآن علي التمسك بالديمقراطية لأنه مهما حدث معها من تجاوزات ستكون أسلم الطرق لتحقيق الأمن والاستقرار لمصر, وربما لهذا كانت الغلبة للاستفتاء بنعم للدستور والتي وصلت إلي638% مقابل362% لا, فالاختيار في الديمقراطية, يمكن تصحيحه إذا استدعي الأمر في تصويت قادم, أما اختيار العنف والاستقواء علي الغير, فلن يكون معه إلا مزيد من الإرهاب والدماء والتطاحن مما يقودنا إلي مصير مظلم مدمر لن تكون فيه فرصة لعقل أو حوار أو إقناع بل سيكون للسلاح فقط حق السيطرة والنفوذ, والدليل علي ذلك أنه للأسف في المحنة الأخيرة التي مر بها الوطن بسبب رفض القوي السياسية للإعلان الدستوري الجديد والاستفتاء علي الدستور, ضاع مبدأ الحوار وصوت العقل وحل محلهما التطاحن والنزاع والصراخ والسب والقذف عبر الإعلام وعلي الأرض في الشوارع والميادين, وامتد الأمر إلي التراشق بالمولوتوف والخرطوش والرصاص الحي وكأن تلك الوسائل المدمرة القاتلة أصبحت لدينا كمصريين هي أبجديات لغة الحوار المجتمعي, لقد غيرنا في تلك الفترة التي سبقت الاستفتاء كل المفاهيم والأعراف المتفق عليها بشأن الديمقراطية, فأصبح الاحتشاد في الميادين والتسلح بأدوات العنف التي أرحمها الهراوات والطوب والأحذية هي الوسائل المفضلة للتعبير عن الرأي, والمأساة أنه بينما أعلنت جميع القوي أن مظاهراتها سلمية, تواصل التراشق بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي وتساقط الضحايا وسط هذه السلمية المزعومة. وهذا يفرض علي القيادة السياسية في مصر, ممثلة في حزب الحرية والعدالة, العمل علي توفير أجواء ديمقراطية أفضل, لأن هذا الشعب العظيم صاحب الحضارة الراسخة يستحق الحرية والكرامة, وهذا ليس هبة أو منحة من أحد, ولكنه حقه الطبيعي الذي وهبه له الله عز وجل. وعلي حزب الحرية والعدالة أن يعي أن دوره الأساسي لا ينتهي بمجرد فتح باب الحوار لقوي المعارضة, لأن الديمقراطيات العريقة في العالم لا تتبع هذا المنهج بل يتولي الحاكم عادة الاستماع إلي نبض الرأي العام والتجاوب معه. فالرئيس الأمريكي أوباما لم يكن في حاجة للحوار والمناقشة مع أي طرف حتي يعلن تأييده لقانون جديد من مجلس الشيوخ يقيد ترخيص الأسلحة ويحظر بيع ونقل مائة نوع من الأسلحة, بعد الحادث البشع الذي وقع في الشهر الماضي بمدرسة ساندي هوك بمدينة نيو تاون في ولاية كونيتيكت, وأودي بحياة ثمانية وعشرين شخصا من بينهم عشرون طفلا, قتلهم شاب مختل بسلاحه, مما دفع عدد من المناهضين لقانون حمل السلاح بالتظاهر أمام إحدي الجمعيات الوطنية للأسلحة النارية في واشنطن. نريد من الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة أن يتجاوب مع طموحات الشعب المصري الطامح إلي العيش بكرامة, فقد آن لهذا الشعب أن يحيا مرفوع الرأس ويتمتع بديمقراطية يستحقها عن جدارة بعد ثورة هو القائد الرسمي لها, فليتنا نترك هذا الشعب يقود ثورته فهو صاحب السفينة, وسيكون أحرص من غيره علي حمايتها من الغرق.