يمكن الجزم بأن مقولة "خيانة النص ترجمته" تشكل تخوفاً لدى المتلقي عند إقباله على قراءة الأدب المترجم، إذ يبقى عالقاً في الذهن جودة النص الأصلي ومتانته، وتُطرح الأسئلة حال الانتهاء من قراءة مجموعة شعرية أو رواية مترجمة، حول قدرة المترجم على نقل الأصل بكل جماليته؟ قد تظهر في القلب حسرة عند صعوبة قراءة النص بلغة مؤلفه، خصوصاً إن كان النص مكتوباً بلغة قديمة، أو لغة ليست شائعة أو ما شابه، وحين يتسنى للمرء الإطلاع على ترجمة أخرى أمتن وأكثر قرباً للأصل، أو حتى تسنح له الفرصة بقراءة النصوص بلغته، يتفق حينها مع المثل الإيطالي القائل "المترجم خائن" tradito traduttore . الحديث عن علاقة الكاتب بالمترجم، وعلاقة النص الأصلي بالمنقول، تناوله الكثير من النقاد، وخلصوا إلى أن "خيانة النص ترجمته"، وكان بعضهم متشدداً في قداسة النص الأصل، للحد الذي اعتبر أن الشعر لا يترجم، وإنه إذا تُرجم لا يعد شعراً، وهذا ربما عائد إلى النظرة السيميولوجية التي يكون للصوت والدلالة أهمية عالية في قراءة الشعر . في الوقت الذي يقف الكثير من الأدباء والنقاد معارضاً للترجمة، يرى المترجم صالح علماني، الذي قدم للعالم العربي تسعين عملاً مترجماً من عيون الأدب الإسباني، أن الترجمة تشكل جسور اتصال ووسيطاً لمن لا يفهم اللغة التي كُتب بها النص الأصلي . ويؤكد في - مقابلة سابقة ل"الخليج" - أن الترجمة تلعب دور الآخر في الديمقراطية، لأن الترجمة تولدت من اختلاف اللغات، فالاختلاف بين الثقافات - على وفق علماني - هو مسبب للترجمة ومحفز وجودها . ويلفت إلى أن الترجمة في الوقت نفسه هي ضمانة للحفاظ على الاختلافات، بحيث لا يضطر أحد إلى تعلم كل لغات العالم، ولهذا تلعب الترجمة دورًا مهمًا في ضمان بقاء وتطور اللغات كلها، وتتحول بذلك إلى أداة ديمقراطية لحماية الاختلاف وتفعيل التواصل بين مختلف الثقافات . علماني الذي رغم دفاعه عن الترجمة بقي متخوفاً مهجوساً بالحفاظ على روح النص الأصلي، ومحاذراً جداً في ترجمته، فقد اعترف في مقابلة تلفزيونية حول ترجمته لروايات ماركيز، أنه يقرأ الرواية أكثر من خمس مرات، للدرجة التي يتشربها كاملة من حيث اللغة والمعنى والصور وكل ما فيها . إن كان حرص علماني كبيراً في نقل النص بجمالياته، فإن ذلك نابع من علمه بما يمكن أن تفسده الترجمة، فالمترجم يتحول إلى نصف كاتب في نقله عملاً أدبياً، لأن اللغة الأدبية والصور، والجمل تكاد تموت لتبعث من جديد على يدي مترجمها، فإما أن تعود إلى الحياة فتية وبكامل قواها، وإما أن تعود مريضة هزيلة . الترجمة نفسها في فكرة نقل النصوص من لغة لأخرى يرى صاحب ترجمة أعمال شكسبير المترجم المصري المعروف محمد العناني، "أنه بعيداً عن ما يفقده النص الأصل وربما ما يكسبه، إلا أن الترجمة صراع على الهوية وعلى الوجود"، فيقول: "حارب الغرب كل المحاولات التي تهدف إلى ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الحية، مثل ترجمة "حياة محمد" للكاتب محمد حسين هيكل التي ظلت قابعة في درج مكتب البروفيسور أبا إيبان أستاذ اللغات السامية في جامعة كمبريدج الذي كان وزيراً لخارجية "إسرائيل" في ،1967 مدة عشرين عاماً رفض نشرها حتى لا يعرف الغرب حياة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على حقيقتها ونشرت رغم أنفه عام 1951" . يبقى التخوف من الفارق بين النص الأصل والمترجم قائم، فعناني يؤكد في حديثه عن أسلوب الترجمة والفارق عن الأصل:" عندما أترجم كتاباً علمياً مثل "الاستشراف" لإدوارد سعيد أو "النبي محمد" لكارين آرمسترونغ هذه كتب هدفها نقل الأفكار بوضوح إلى القارئ بغض النظر عن جمال الأسلوب، المهم أن تصل الفكرة بدقة ووضوح إلى القارئ ولهذا أضع نصب عيني فكر العالم الذي أترجم له فالأمانة هي رائدي، وأريد أن أنقل الفكر بدقة ووضوح بغض النظر عن الصياغة الأسلوبية، فقد أبسط أسلوباً معقداً، وقد أتجنب اللف والدوران، وقد أتفادى الأمثلة التي تستعصي على الفهم وأستبدل بها أمثلة أقرب إلى فهم القارئ العربي، لأن مرادي هو توصيل الفكرة بوضوح" . يظهر جلياً إمكانية انحراف القصد وتغيّر الفكرة عند ترجمتها، فالعناني يؤكد أنه يسعى جاهداً لنقل الفكرة التي أراد الكاتب إيصالها، أي أنه يعمل بديلاً عن عقل المتلقي العربي، فهو يفهم ما يترجم ويقدمه كما يفهمه، بمعنى أن القارئ العربي سيصبح محكوماً بما فهمه العناني وليس ما كتبه المؤلف الأصلي . الأسئلة تبقى مطروحة حول الفارق بين النص الأصل والمنقول؟ لكن أهمية الترجمة في التبادل المعرفي الثقافي، وإنتاج لغة معرفية كونية، يجعل المتلقي يغض الطرف عن "خيانة الترجمة للنص"، إذ لا سبيل آخر لتحقيق معرفة بالمنتج الأدبي والمعرفي العالمي إلا بهذا الشكل من الخيانة .