للمرة الثانية أتطرق إلى قضية هامة تتمثل في ظاهرة تزايد انتشار الدراجات النارية التي ابتلي بها الشارع العام وأصبحت كابوساً تهدد السكينة العامة للمجتمع، فلم تعد تحمل في مضمونها منفعة في تقريب المسافات بقدر ما هي وسيلة لتقريب الأجل نتيجة تزايد الحوادث المرورية التي تمثل فيها الدراجات النارية نسبة 40% من مجمل حوادث مختلف الوسائل من النقل العام والخاص. وبحسب إحصاءات رسمية فالدراجات النارية غلبت عليها الفوضى المرورية ولم تعد تلتزم بآداب وقواعد وأنظمة المرور في الشارع العام، وأصبح رجل المرور يتقي شر سائقي الدراجات النارية وخصوصا الذين يحملون سلاحاً نارياً أو أبيض، تنظمهم عصابات وتجمعهم سمات يتسمون بها ينفردون بها عن الآخرين، تطغى عليها سلوكيات منحرفة اكتسبوها من وسط تجمعاتهم وأصبحوا يتخاطبون بلغة خاصة بهم مع الآخرين، غلبت عليهم العدوانية والقتل بدم بارد حتى أصبح لهم عالم خاص بهم.. وكنا نتمنى كمجتمع اكتوى كثيرا بظاهرة انتشار الدراجات النارية أن تخرج الحكومة بقرار يقضي على الظاهرة والاستعاضة ببدائل تعالج ظاهرة البطالة في أوساط الشباب.. الذين تقطعت بهم السبل في البحث عن وظيفة تؤمن مستقبلهم وتحسن دخلهم ولكن المعالجة زادت من انتشار المرض ليعم جسد المجتمع الذي يصحو على ضجيج الدراجات وما سببته من تلوث بيئي وسمعي وسلوكي لدى العديد من أبنائنا، إضافة إلى ما تخلفه من مآسي في فقدان أحباب وأعزاء أوصلتهم تلك النعوش الصغيرة إلى القبور وهم في مقتبل العمر، علاوة إلى ما تخلفه من إعاقات وعاهات مستديمة في أوساط مستخدميها والذين يصبحون جزءاً معطلاً في المجتمع وعالة على الآخرين فضاع الكثير منهم في زحمة الانحراف والإدمان وتحولوا إلى مشاريع انحرافية غلبت عليها ثقافة الخطف والسرق وأشاعوا الخوف وأقلقوا السكينة العامة وأصبح الفرد لا يأمن على روحه وممتلكاته، وتحولت الدراجة لدى البعض إلى وسيلة لخطف شنط السيدات وجنابي المسنين إضافة إلى وقوفهم أمام محلات الصرافة لمراقبة كل من يخرج حاملاً بيده نقودا، وكأنهم وجدوا لنهبها في وسط الظهيرة ويلوذون بها فرارا في زحمة السيارات، وكأننا في إحدى مدن الصومال وشوارعها. إذن كيف نقرأ هذه الظاهرة ونقر مرسوماً كاملاً بتنظيم استخدام الدراجات النارية بعد أن عرفت البلاد بها وبطريقة فوضوية وتم دخولها بطريقة غير مشروعة. إذاً فهل تستطيع حكومتنا الرشيدة أن تعود عن قرارها غير الصائب لتكبح جماح هذه الفوضى المرورية وتعمل على مصادرة كافة الدرجات لتقطع الطريق أمام المستوردين الذين لم يتوقفوا عن تهريبها مهما كانت القرارات صارمة، على أن تعمل على تعويض أصحابها والعمل على ضخ المزيد من فرص العمل الحكومية لتحافظ بها على ماء وجوه الخريجين مع التنسيق بين مخرجات التعليم الجامعي وأسواق العمل اليمنية للعمل في أوساط القطاع الصناعي بدلا عن العنصر الأجنبي، إضافة إلى توجيه جزء من مواردها الزكوية لدعم الشباب في سوق العمل باستثمارات مصغرة أسوة بمصر التي سبقت في هذا العمل ونجحت في امتصاص الكثير من البطالة في أوساط الشباب الخريجين، الذين كانوا ينتظرون توزيع القوى العاملة سنين وسنين وأصبحوا في غنى عنها، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات ذات التمويل المصغر من البنوك التجارية، والذي يمنحهم التسهيلات في حجم القروض والفوائد حتى يستطيعوا أن يجدوا أنفسهم في أسواق العمل والاستثمارات المصغرة أسوة بتجربة بنك الفقراء في باكستان، الذي انتشل الكثير من الشباب وأوجد منهم "بزنس مان" بمشاريع صغيرة ذات جدوى اقتصادية كبيرة استطاع من خلالها ذلك البنك الحد من جزء كبير من البطالة وتخفيض الكثير من ظاهرة الفقر. إذا فلماذا لم تأخذ بتجارب الآخرين وتدرسها بدلاً عن المشاريع الارتجالية غير المدروسة خاصة المشاريع التي تخلق المزيد من الضياع والانحراف السلوكي العام، فالشباب هم صمام أمان للحاضر والمستقبل ونرجو من المعنيين بمعالجة هذه الظاهرة أن يعوا الموقف الخطير الذي ينتظر الشباب جراء هذا القرار غير الصامت حتى لا ينطبق عليهم مقولة "رمتني بدائها واستلت" مع الإشارة بان تلك الدراجات ستكون لها عواقب وخيمة وضررها أكبر من نفعها، والقاعدة الشرعية تقول "كل مصلحة وراءها مفسدة فتركها أولى".