كان الأخ حمود قد ترك الدراسة قبل ان يكمل الثانوية وانخرط في الجيش بفضل والده الضابط بأحد المعسكرات الذي أمن له وظيفة ادارية مساعد نائب أمين مخازن التأمين الغذائي بالمعسكر وسرعان ما قام بتزويجه بفتاة من قريته ثم ما لبث وأن أحيل إلى التقاعد تاركا ابنه الشاب في عهدة أصدقائه الضباط يولونه الرعاية عن بعد وهو ما يفسر ان فتح الله عليه واستطاع في مدة وجيزة ان يبني الدور الثاني بمنزل والده ويشتري سيارة رباعية الدفع رغم ان مرتبه لا يزيد عن 40 الف ريال وسبحان مقسم الارزاق. وبالمقابل كان لحمود صديق اسمه خلدون كانا زملاء في الصف الثالث ثانوي حين قرر حمود فجأة ترك الدراسة والالتحاق بالوظيفة التي أمنها له والده واعدا صديقه خلدون ان يؤمن له وظيفة بجانبه في القريب العاجل لكن خلدون كان شغوف بالدراسة يراوده طموح لن يتحقق سوى بالعلم حيث انهى الثانوية العامة والتحق بكلية الإعلام قسم صحافة التي استنزفت من عمره اربع سنوات حتى تخرج بعدها تنفس الصعداء ظنا منه أن الحظ قد ابتسم له فباشر البحث عن عمل فطرق أبواب الصحف المحلية وتقدم بالسيرة الذاتية لكل الصحف العربية عساه يحظى بفرصة عمل مراسل صحفي لكن دون فائدة في حين كان قد قدم ملفة لوزارة الخدمة المدنية للحصول على الوظيفة الحكومية التي لن تأتيه إلا بعد سنوات. وخلال رحلة البحث عن فرصة عمل اكتشف خلدون أن الحياة لا تزال عابسة في وجهه فأصحاب الصحف غالبا ما يعتمدون على الكتابات المجانية التطوعية واستراقهم الاخبار من الانترنت فمالك الصحيفة غالبا هو المخرج والكاتب والمصحح اللغوي والمعد وليس له هيئة تحرير إلا ما رحم ربي ولذا فقد تعذر عليه الحصول على عمل في الصحف المستقلة والحزبية كما كان يأمل لتأمين مصارف معيشته في حدها الادنى. أما حصوله على فرصة عمل مراسل لصحيفة عربية أو من تلك المهاجرة التي تصدر بلندن وغيرها من العواصم الغربية فمستحيلة إذ اكتشف ان هذه المهنة تخضع للسمسرة بالدولار والوساطة والتزكية من قبل مراكز القوى السياسية في البلاد. بعد مرور خمس سنوات على تخرجه وبعد ان كاد اليأس والاحباط يقتله تم تعيينه للعمل كموظف رسمي بديوان عام وزارة الإعلام فاعتقد انه قد تنفس الصعداء وسرعان ما باع جنبية المرحوم والده وتزوج من إحدى فتيات قريته عله يسابق الزمن ويلحق يستمتع ببقية شبابه ويكون أسرة مثل صديقه حمود الذي صار له خمسة أبناء ولا يزال ينعم بمستوى معيشي ممتاز رغم أحداث ما يسمى الربيع العربي حيث يمضغ اجود أنواع القات يوميا ويستهلك باكت سيجارة حتى المساء ولم تنقطع اللحمة أو الدجاجة يوميا عن مائدة الغداء كل ذلك وهو لم يكمل تعليمه أو حتى الحصول على الثانوية العامة وسبحان مقسم الارزاق.. وفي وزارة الإعلام اكتشف خلدون انه بديوان عام وزارة نمطية لا علاقة لها بالعمل الصحفي حسب تخصصه إذ يمارس عمل اداري بسيط ويعاني معظم الوقف من البطالة المقنعة ولا توجد أي مزايا أو حوافز مالية شهرية كما في الكثير من المرافق الحكومية وليس له دخل غير راتبه الشهري الحقير الذي بالكاد يكفي الخبز الحاف وتمر السنين وهو على تلك الحال من الفقر المدقع والسكن في غرفة ضيقة بمنزل والده في حين لا زال صديقه الذي لم يكمل الثانوية يهنأ بالسكن الفسيح المستقل والسيارة الفاخرة والأولاد الذين تبدو عليهم علامات النعمة.. عندها كان خلدون في قرارة نفسه يلعن اليوم الذي فضَّل فيه الشهادة الجامعية على الوظيفة التي كان قد وعده بها صديقه حمود وسبحان مقسم الأرزاق!!.