إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    شركة النفط: تزويد كافة المحطات خلال 24 ساعة    قالوا : رجاءً توقفوا !    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    باجل حرق..!    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    الذكرى الثانية للتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    باكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية حديثة وأسر جنود    حادث غامض جديد على متن حاملة الطائرات الأمريكية ترومان بالبحر الأحمر    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلدون راشد العبسي.. الشهيد الذي اغتالته يد الغدر وهو يروي ظمأ المتظاهرين
نشر في أخبار اليوم يوم 25 - 08 - 2011


خلدون راشد العبسي
عندما يصبح الوطن هو الهم الأكبر، ومرارة الحياة هي الدافع لإيجاد وطن يحترم وجودك، كإنسان تُصان كرامته ويجب أن يحظى بحياة مشرفة تتوفر فيها كافة حقوقه الإنسانية، ذلك وغيره كان هدف ثورتنا الشبابية على ظلم وفساد وقهر واستبداد أطبق على أنفسنا وعقولنا طيلة ثلاثة عقود من الزمن.
ومن هذا المنطلق أرسى خلدون الشهيد مرساته على شاطئ ساحة الحرية بتعز، حيث يقطن مع زوجته وولده الوحيد جوار مكتبته في حي المسبح، كان مناضلا أبيا وبطلا مقداما وزوجا كريما وأبا حنونا، عمره ينيف على الثالثة والثلاثين عاما، زاخرا بشبكة من العلاقات والأصدقاء والحب والثورة.
دعونا نتعرف في هذه السطور على تفاصيل استشهاده ومسيرة حياته الحافلة بالأفراح والهموم وأدران الزمن والتي نروي شذرات منها فيما يلي:-

("* مسيرة حياة الشهيد *")
خلدون راشد من مواليد عام 1978 قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان، الشهيد كافح وناضل وصارع الحياة بكل مصاعبها منذ صغره إلى حين استشهاده، ظل متنقلا في مسيرته التعليمية مابين الحضر والبادية، درس الابتدائية في قريته، وأنتقل إلى المدينة ليكمل مشواره التعليمي، نظرا لعدم توفر الكادر التعليمي المتكامل في قريته.
درس الإعدادية في مدرسة 26سبتمر، وأكمل الثانوية في ثانوية تعز الكبرى؛ كان الشهيد خلدون يدرس الثانوية ويشتغل بجانب الدراسة، لكي يساعد والده كونه الإبن الأكبر في أسرته، كان ناجحا في الدراسة والعمل معا؛ بدأ حياته بكشك صغير لبيع الصحف والكتب والأدوات المدرسية، جوار مبنى التربية والتعليم في تعز، واستمر في العمل طول فترة دراسة الثانوية، تخرج من الثانوية والتحق بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية لمدة عامين في مجال عمله وهو التجارة.
ولم يكتف بذلك، بل واصل مشواره التعليمي بالجامعة ليكمل الأربع السنوات فيها، ولكن نظرا لانشغاله وارتباطه بمجال عمله، حال ذلك بين عمله ودراسته، فأوقف القيد في الجامعة في المستوى الثالث إدارة أعمال.
الشهيد خلدون لم تهزمه عواصف الحياة في ظل نظام استبدادي وديكتاتوري، ولم تحد من طموحاته وكبريائه متاعب الحياة وقسوتها، حيث فكر أن يخوض مشروعه الخاص، وقام بفتح محل إلى جانب محل والده، وهو عبارة عن مكتبة سماها مكتبة خلدون، الواقعة حاليا في جولة المسبح على شارع نادي تعز شارع المنتزه سابقا.
فتح المكتبة وعمل بها ما يقارب العام، وبعدها أكمل خلدون نصف دينه وتزوج.
* زوجة الشهيد وابنه الوحيد ووالداه وأشقائه فقدوا الذي كان ربان السفينة في خضم الحياة.
رغم انشغال خلدون، إلا أنه ظل بجوار والده وكان يساعده من حين لآخر؛ كان مكافحا في الحياة مصارعا فيها، لكي يعيش هو وأسرته حياة كريمة، بعيدا عن الفقر المفروض على الشعب بسبب الوضع المعيشي الإنساني العام.
عرف أيضا بخلقه النبيل وقيمه العالية بين الناس داخل البيت وخارجه، كان يكره الخداع والكذب محافظا على كرامته وإنسانيته مواجها متاعب الحياة وكآبة الزمن بوجه بشوش وقلب راض وعزيمة صلبة وإرادة لا تلين.
بسمة ثغره الآسرة هي حديث روحه المحبة الرقراقة، المليئة بالفرح والصدق والصفاء مع الناس عامة وأصدقائه خاصة.

( "* خلدون والثورة*")
مع انطلاقة أول شرارة لثورة تونس، كان خلدون يتمنى أن تبدأ الثورة في اليمن، وكان يتوقع ذلك بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والحياة الاقتصادية واتساع رقعة الفقر وزيادة البطالة.
وفي11 فبراير انطلقت الثورة الشبابية في اليمن؛ في البداية كان الشباب يتجمهرون في شارع جمال وغالبا في التحرير ليلا، فكان خلدون أكثر تحمسا وكان في الصفوف الأولى دائما، إلى إن أصر الشباب على إقامة ثورة حقيقية لإسقاط النظام واجتثاث رموز فساده، فاختاروا ساحة الحرية جوار محطة صافر مقرا لاعتصامهم.
ساحة لم ينصب فيها الخيام فقراء وعاطلون عن العمل فحسب، بل إضافة إلى أولئك هناك عدد كبير من روادها غادروا بيوتهم وأهليهم، حاملين في صدورهم أحزان البيوت وأحلام اليتامى الذين بلا مأوى وقوت.
لأجل أمه الحبيبة اليمن ترك خلدون – وهو في باكورة شبابه – كل وسائل الراحة والرفاهية، ليفترش مع شباب الثورة وقناديل الحرية، زمهرير الإسفلت وحرارة الصيف، مشاركا في كل الفعاليات والمسيرات، التي كان أكثر شبابها نشاطا وحيوية وكثيرا ما كان يحرص على مشاركة إخوانه في تلك الثورة التي التقى فيها الشاب والكهل على صعيدا واحد.
* تركت ثورة الشباب السلمية أثرها في بيت كل شهيد وقلب كل محب، وما من شهيد إلاَّ وتعلقت به قلوب طالما نبضت بحبه، ومقل ذرفت ماء العيون عليه.
وبينما قوات السلطة كانت تقمع المظاهرات وخاصة أول مظاهرة والتي سميت مظاهرة الاثنين الدامي، كان خلدون من ضمن أولئك المتظاهرين المنادين بإسقاط النظام، كان يقود سيارته الخاصة ليسعف عدد كبير من الذين أصيبوا بالغازات السامة، وأستمر بذلك العمل بين كر وفر لكي يسعف المصابين حتى ساعة متأخرة من الليل، كان لا يهاب إطلاق الرصاص الحي أو الغازات السامة كان يقترب كثيرا من هذه المواقف البطولية، متمنيا النصر أو الشهادة.

("*حب الوطن وحلم الغد المشرق*")
تقاسموا رغيف خبز وشربة ماء معا، يجمعهم حب الوطن وحلم الغد المشرق؛ الغني والفقير الشاب والشيخ، لا فرق بينهم على الإطلاق، فجميعهم عاش الخوف والذل والقهر طيلة ثلاثة وثلاثين عاما.
أما هذا الشهيد فقد عرف بين أهله ومحبيه بحبه لوطنه وطموحه اللامحدود وطيبة قلبه وتسامحه؛ إنه خلدون راشد أحد شباب الثورة في الحالمة تعز، تميز بنبل القيم ودماثة الأخلاق وبساطة التعامل.
محبوب من كل الناس، يتقبل الآخرين بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم سواء كانوا في البيت أو في الشارع أوفي العمل.
أنجز في حياته سيرة ذاتيه اختصرت كل الدروب على أكثر من صعيد، متربعا على قلوب الناس بحسن أخلاقه، شاب مكافح حقق في أعماله إنجازا هائلا، وعطاءً في حبه لفعل الخير وتعاطفه مع الفئة الفقيرة من الناس، حقق خلدون سيرة لا تتسع لها المجلدات ولا تفي بحقها الكلمات.

("* عملية العصيان المدني*")
قام شباب الثورة بساحة الحرية بتوعية أصحاب المحلات بعملية العصيان المدني، وكان خلدون من أول المطبقين لهذا القرار الثوري، كان يغلق محلات والده ومكتبته ويخرجون جميعهم لتأييد المسيرات الشبابية.

("* قصة استشهاده*")
أبناء تعز هم من بدأوا الثورة في اليمن، وكان خلدون واحدا من أولئك الأوائل الذين واجهوا رصاصات النظام بصدورهم العارية، ورغم سقوط الكثير من الشهداء والجرحى، إلا أن أرواحهم الثورية لم تسقط، وحناجرهم لم تهدأ، يواجهون الدبابة والمدفع والبندقية بشعارهم الخالد: النصر أو الشهادة.
في كل مره تتعرض فيها اليمن للأخطار، فإنها تستدعي حبها المغروس في وجدان أبنائها، محتضنة تعز كمخزون مليء بالرجال ومتحف زاخرا بتراث التضحيات وجديد البطولات، ومنذ ثلاثة وثلاثين عاما لم تكن اليمن سوى مرجلا يغلي بداخله صفوة اليمنيون، وتنضج فيه حكمتهم ويُختبر فيه إيمانهم؛ ابتسم شباب تعز ورجالها ونساؤها وأطفالها لثورة الشعب السلمية، وعاهدوها على النصرة، وقدمت قبضة الشموخ والإباء بيرق من بيارقها.. فكان الشهيد خلدون راشد نموذجا فريدا في التضحية والفداء والعمل الدءوب.
غادر حياته واستقبل ثورة التغيير كوجهة ثورية لا حياد عنها.. في يوم الأحد 9/5/ 2011م، أستشهد خلدون راشد العبسي في هجوم شنته قوات السلطة على شباب تعز العزل، في إحدى المسيرات والوقفات الاحتجاجية في شارع جمال أمام مكتب التربية والتعليم، حيث تقع مكتبة والده وقريب من مكتبته.
كان أحد شهداء رصاصات قناصة بلاطجة النظام، حيث اخترقت بطنه ومزقت كل أحشائه، فبينما كان الشهيد ينقذ الشباب و يوزع عليهم الماء وهم يواجهون الرصاص والغازات السامة، اغتالته رصاصات السلطة المغرمة بالانتقام من الثوار وثورتهم الشعبية السلمية.

("*مواقف بطوليه للشهيد*")
تركت ثورة الشباب السلمية أثرها في بيت كل شهيد وقلب كل محب، وما من شهيد إلاَّ وتعلقت به قلوب طالما نبضت بحبه، ومقل طالما ذرفت عليه ماء العيون.
تحدث إلينا الأخ رافع العبسي أحد أقرباء الشهيد المقربين إليه، والذي كان برفقته دائما ويعمل معه، وكانت عيناه تذرفان دموعا لفراق أعز رفيق إليه، قائلا:- الشهيد خلدون – رحمة الله عليه – اتصل بي في يوم استشهاده صباحا، وقال لي: يا رافع أغلق المكتبة الساعة التاسعة، اليوم عصيان مدني وأنا سأتأخر لكي ارتاح لأني لم أنم حتى الصباح، كان عنده عمل، بدأت التجمعات وبدأت المسيرات تمر في الشارع، وكل الأصدقاء استغربوا من ذلك، وسألوني عن عدم تواجد خلدون! فقلت لهم: إنه كان سهران حتى الصباح وذهب ليرتاح، وفي الساعة العاشرة والنصف جاء خلدون، وسألني كيف الأوضاع؟، فأخبرته إن الشباب معتصمون أمام مكتب التربية وسينصبوا الخيام في شارع جمال، فرد عليَّ متحمسا إن شاء الله يكون التصعيد الحقيقي من اليوم، وخرج ليساعد والده ويطمئن علية، فنزلت قوات الأمن المركزي بالطقومات ليفرقوا المتظاهرين، وأطلقوا النيران الكثيفة وخلدون كان هناك عند مكتب التربية، فرجع إلى المكتبة وقال لي: بعض البلاطجة يتمركزون على سطح مكتب التربية، وإن واحدا من البلاطجة نزل من فوق الطقم يهدد الشباب بالسلاح، ويقول لهم مالكم هنا معتصمين؟! تريدوا يرحل علي، علي عبدالله صالح ربكم اعبدوه عباده، تمام.. هيا روحوا بيوتكم.
بينما كان خلدون يصور تلك اللحظة، أطلقوا الرصاص باتجاهه إلى فوق جدران صيدلية النجاشي ولكنه فر منهم، كان ذلك في تمام الساعة الثانية بعد الظهر.
وأضاف "جاء واحد من المتبرعين وأحضر للمعتصمين الغداء، فقال خلدون وأنا عليَّ الماء، وذهب خلدون وأعطاهم الماء، كان الشباب يصورون خلدون وهو يسقي المعتصمين، فناديته: يا عم خلدون الشباب يصورونك، فرد عليَّ يا جماعة انتبهوا ليقولوا أنني من البلاطجة".
* كان الشهيد ينتمي إلى كل الناس وكل اليمن، وليس فقط إلى قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان النبل والشموخ.
ثم عاد إلى المكتبة و قد احضر ابنه راشد الغداء، فتغدينا وراح ليرتاح، وفي العصر قام وصلى العصر، وفي الساعة الرابعة والنصف ذهب ثم عاد فحذرني وأوصاني إن انتبه لنفسي وللمحل وأن أغلق الأبواب وأجلس في الداخل، وقال: إني أتوقع حدوث شيء ما اليوم، سأذهب لكي أطمئن على أبي، وأنت اعمل كما قلت لك.

ذهب خلدون ولن يعود
ويواصل رافع الحديث وكادت الدموع تتساقط من عينيه، مختنقا بالحزن والعبرات، وقال وبعدها حصل الذي حصل، وحين سمعت الخبر هرعت مسرعا إلى مكان الحادث، فوجدت خلدون فوق الدراجة النارية يُسعف إلى مستشفى الحكمة القريب من المكان، وبعدها نُقل إلى مستشفى الصفوة بساحة الحرية، ولكن القدر لا يستطيع أحد أن يقاومه، وأنتقل خلدون إلى جوار ربه شهيدا يوم الأحد بتاريخ 9/5/ 2011م، في تمام الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة، مات خلدون شهيدا رحمة الله عليه، ولم تمت الثورة، وخاصة ذلك اليوم الذي أستشهد فيه خلدون، زاد عدد الشباب عندما سمعوا أن خلدون قد أستشهد، وحتى اليوم لم تمت الثورة.. سال دمه في هذا اليوم الدامي، وتلوى قلب اليمن حزنا لفراق الأبناء المنذورين لمعنى التغيير والحرية والكرامة.

("*ابن الثورة*")
يتذكره أبوه.. ولدا مميزا وقائدا في أسرته، ويكن له الحب الكثير، فهو خلدون ساعده اليمين وابن الثورة، كما قال والده لحظة وصوله الخبر الفاجع.
الحاج راشد سعيد العبسي.. والد خلدون كان منهارا عندما سمع الخبر، ذهب إلى المستشفى فوجد ابنه قد فارق الحياة هناك، فانهال عليه بدموعه واحتضنه في لحظات حزن تراجيدية، غير مصدق أن ابنه الأكبر قد قتل، فظل بعدها حابسا دموعه، يتنهد بحرقة الأب المكلوم، قائلا: وداعا يا ولدي أنت ابن الثورة، وإني أحتسبك عند الله شهيدا لكي تكون شفيعا لي.
خلدون.. رافق والده منذ الصغر، فهو الطفل المطيع والشاب الطموح، الذي وقف على أقدام صلبة في الحياة الاقتصادية، في وقت كان عمره لم يصل إلى الثلاثين، فكيف لوالده أن يقابل خبر اغتيال ولده وصديقه في نفس الوقت.
("* ما الذي جناه أخي وسندي في الحياة لتتمزق أحشاؤه ويحرم من الحياة *")
أعلن الشهيد خلدون العبسي عن جمالية قضيته التي ناضل من أجلها، وارتقى بها إلى عليين، وذهب الخلدون شهيدا إلى جنة الخلود ودماء الشهداء هي من ترسم صورة الوطن.
أما أحمد راشد شقيق الشهيد: فحين سمع الخبر سارع في نفس الوقت الذي قيل أن خلدون أخاه قد أصيب برصاص قناصة، إلى مكان الحادثة فوجد خلدون بين أكتاف الشباب، فأخذه إلى مستشفى الحكمة، وبعد ذلك نقله إلى مستشفى الصفوة، ولم يصدق ذلك الخبر، وظل برفقة خلدون في المستشفى حتى فارق الحياة، وهو الوحيد الذي كان بجواره في مستشفى الصفوة، ولم يستطع الحديث سوى إنه كان يقول ما الذي جناه أخي وسندي في الحياة لتتمزق أحشاؤه، ويحرم من الحياة، هذه الكلمة التي كان يرددها في ذلك الوقت .
("*قتلوا ولدي وقنصوه .. أحرق الله قلوبهم كما أحرقوا قلبي*" )
والدته.. سقطت حزنا على ولدها تحمد الله فيما أصابها، وتحتسب ولدها الكبير عند الله شهيدا، وتصب دعواتها على من حرمها من قرة عينها وفلذة كبدها و قتل ولدها، لم يفارق لسان حالها الحمد والشكر لله، والدعاء على من أحرق قلبها بولدها، ظلت تدعو وتردد (قتلوا ولدي وقنصوه.. أحرق الله قلوبهم كما أحرقوا قلبي ).

("* مات شهيدا ،وتحققت أمنيته *")
الزوج الوفي لزوجته ووطنه وعمود البيت لبيته وأسرته، لم يلهه عمله وبيته عن ساحته وقضية وطنه.
زوجة الشهيد أم راشد خلدون..
لازمتها الدموع الممزوجة بالصمت، فقد قيل لها في البداية مات خلدون، فصُدمت وصرخت وسقطت مغمى عليها، لكن قيل لها فيما بعد إنه كذب، وما هو إلا مجرد تشابه في الأسماء، أما الآن فهي دوما تحمد الله وتشكره، لأن خلدون مات شهيدا، وتحققت أمنيته؛ لأنه كان دائما يتمنى ذلك، وعاهدته أنها لن تنساه فهو في ذاكرتها إلى الأبد .
أبن الشهيد
("* يرحل عفاش قتل أبي كيف لا يرحل أنتم مجانين*")
نال خلدون الشهادة والحياة الأبدية بعد 33 عاما، مخلفا بعده ولدا جسورا بصورته البريئة وكلماته كالطلقات لا تُرد، مكتبة الشهيد خلدون هذه عبارة كتبها بخط يده ورفعها على مكتبة والده، معلنا صموده العارم وافتخاره بوالده الشهيد.
ابن الشهيد الوحيد الذي لازال طفلا.
راشد خلدون.. ابن الثمان سنوات الذي دائما يقول ويردد أبي شهيد وما زال يكتب كلمات (ارحل) (عفاش) وعندما سألناه لماذا يا راشد؟ قال: قتل أبي كيف لا يرحل أنتم مجانين. وفي ذات يوم كتب على أوراق لاصقة عبارات: (حارة الشهيد خلدون) الذي يسكن فيه الشهيد، و(جولة الشهيد خلدون ) بدلا من جولة المسبح، و( شارع الشهيد خلدون ) بدلا من شارع المنتزه، و( مكتبة الشهيد خلدون) بدلا من مكتبة خلدون.

("*أراد خلدون أن يكون مستقبلا زاهرا للجميع فكان*")
كان الشهيد خلدون كل شي بالنسبة لأهله وذويه، وصار كذلك بالنسبة لوطنه ومحبيه، أراد خلدون أن يكون مستقبلا زاهر للجميع فكان..
تحدث إلينا أحد أصدقاء الشهيد، قائلا: الشهيد خلدون رحمة الله عليه، كان هادئا وخلوقا، لا يؤذي أحدا ولا يجرح أحدا.. إنسان وفي ومخلص ومتعاون مع الجميع، وأجمل ما فيه ابتسامته، مبتسم دائما ومتفائل بالخير وبمستقبل زاهر للوطن.
طيبته لا توصف، كان متعاونا مع الجميع سواء أصحابه أو غيرهم؛ يتعاون مع الكل.. إذا رأى مسكينا تعاطف معه، كان يحمل الروح المتفائلة دائما، ونظرا لمكانته تلك بين الناس، فقد كان أشد تعلقا بساحة الحرية وشغفه بها، فهنيئا له تلك الشهادة..
("*طقوس الساعات الأخيرة*")
زوجة الشهيد ووالده ووالدته وأشقاؤه وراشد ابنه الوحيد و جميع محبيه، فقدوا خلدون الذي كان ربان السفينة في خضم الحياة.
إذن فقد كان الشهيد خلدون راشد ينتمي إلى كل الناس وكل اليمن، وليس فقط إلى قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان النبل والشموخ، هناك ولد وفي قلبه كان اليمن يلد كل يوم شمسا وصباحا جديدين، خرج خلدون من أجل التغيير، كانت تبكيه مناظر البؤساء و الفقراء الذي يشاهدهم كل يوم.
("*أحيا باستشهاده عزم أصدقائه ومحبيه*")
لأجل اليمن الكبير تهون المواجع وترخص النفائس والنفوس، ولأجلها عاش خلدون العبسي، ولأجلها أيضا خرج مناديا بإسقاط النظام الفاسد بكل أزلامه وبلاطجته، وأطلق بسمة الخلود في عرسه الأخير إلى الجنة.. لكل شهيد رقمه الشخصي، ومراسيمه الخاصة في المغادرة، وطريقته الفذة في طقوس الساعات الأخيرة، وفي يوم الجمعة 14/5/2011 تم تشييع جثمان الشهيد الطاهر خلدون، في موكب مهيب إلى مقبرة الجينات، عقب الصلاة عليه في ساحة الحرية بتعز.
كان للشهيد في كل المشاهد صولة وجولة، منذ سقوط أول شهيد من شهداء ساحة الحرية بتعز، وحتى توارى الخلدون ذاهبا إلى جوار ربه والخلود، وقد أبلى بلا حسنا.

("*هنيئا الشهادة*")
الذين عرفوا الشهيد خلدون العبسي في ساحة الحرية، لم يدر بخلدهم أن هذا الشهيد الثائر الذي قاسمهم تعب الحلم وهجيل الخيام، بنفس حرة وأشواق الشهادة وجاذبية عليين.
رددوا وداعا أيها الشهيد.. سننهج نهجك وسنواصل مسيرة كفاحك، حتى تحرير وطننا الحبيب من النظام وعصابته، هنيئا لك هذه الشهادة وهنيئا لكل الشهداء الأحرار خلودهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.