لبنان.. هيئة علماء بيروت تحذر الحكومة من ادخال "البلد في المجهول"    سان جيرمان يتوصل لاتفاق مع بديل دوناروما    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    تعرّض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    تعاون الأصابح يخطف فوزاً مثيراً أمام الشروق في بطولة بيسان الكروية 2025    إيران تفوز على غوام في مستهل مشوارها في كأس آسيا لكرة السلة    أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى !    شباب الغضب يحمل العسكرية الأولى مسؤولية القمع في تريم    وزير التجارة يكشف في حوار مع "الصحوة" إجراءات إنعاش الريال ويعلن عن حدث اقتصادي مرتقب    المجلس الانتقالي الجنوبي يصدر بيانًا هامًا    قبيل مشاركته بكأس الخليج.. التعديلات الجديدة في قانون التحكيم الرياضي بمحاضرة توعوية لمنتخب الشباب    مجلس القضاء: المطالبة بتحسين الأوضاع ليس مبررا لتعطيل العمل بالمحاكم    الرئيس الزُبيدي يشدد على أهمية النهوض بقطاع الاتصالات وفق رؤية استراتيجية حديثة    إجراءات الحكومة كشفت مافيا العملة والمتاجرة بمعاناة الناس    ترتيبات لاقامة مهرجان زراعي في اب    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    مهما كانت الاجواء: السيد القائد يدعو لخروج مليوني واسع غدًا    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الرئيس الزُبيدي يطّلع من وزير النفط على جهود تشغيل مصافي عدن وتأمين وقود الكهرباء    رصاص الجعيملاني والعامري في تريم.. اشتعال مواجهة بين المحتجين قوات الاحتلال وسط صمت حكومي    هائل سعيد أنعم.. نفوذ اقتصادي أم وصاية على القرار الجنوبي؟    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    عساكر أجلاف جهلة لا يعرفون للثقافة والفنون من قيمة.. يهدمون بلقيس    إصابة 2 متظاهرين في حضرموت وباصرة يدين ويؤكد أن استخدام القوة ليس حلا    منتخب اليمن للناشئين في المجموعة الثانية    حتى لا يحتضر السياسي الاعلى كما احتضر البرلمان    محاضرات قانونية بالعاصمة عدن لتعزيز وعي منتسبي الحزام الأمني    الأرصاد الجوية تحذّر من استمرار الأمطار الرعدية في عدة محافظات    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    خبير طقس يتوقع أمطار فوق المعدلات الطبيعية غرب اليمن خلال أغسطس الجاري    من هي الجهة المستوردة.. إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثي في ميناء عدن    الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    من الصحافة الصفراء إلى الإعلام الأصفر.. من يدوّن تاريخ الجنوب؟    طالت عشرات الدول.. ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    الهيئة التنفيذية المساعدة للانتقالي بحضرموت تُدين اقتحام مدينة تريم وتطالب بتحقيق مستقل في الانتهاكات    الاتحاد الأوروبي يقدم منحة لدعم اللاجئين في اليمن    خسارة موريتانيا في الوقت القاتل تمنح تنزانيا الصدارة    آسيوية السلة تغيّر مخططات لمى    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلدون راشد العبسي.. الشهيد الذي اغتالته يد الغدر وهو يروي ظمأ المتظاهرين
نشر في أخبار اليوم يوم 25 - 08 - 2011


خلدون راشد العبسي
عندما يصبح الوطن هو الهم الأكبر، ومرارة الحياة هي الدافع لإيجاد وطن يحترم وجودك، كإنسان تُصان كرامته ويجب أن يحظى بحياة مشرفة تتوفر فيها كافة حقوقه الإنسانية، ذلك وغيره كان هدف ثورتنا الشبابية على ظلم وفساد وقهر واستبداد أطبق على أنفسنا وعقولنا طيلة ثلاثة عقود من الزمن.
ومن هذا المنطلق أرسى خلدون الشهيد مرساته على شاطئ ساحة الحرية بتعز، حيث يقطن مع زوجته وولده الوحيد جوار مكتبته في حي المسبح، كان مناضلا أبيا وبطلا مقداما وزوجا كريما وأبا حنونا، عمره ينيف على الثالثة والثلاثين عاما، زاخرا بشبكة من العلاقات والأصدقاء والحب والثورة.
دعونا نتعرف في هذه السطور على تفاصيل استشهاده ومسيرة حياته الحافلة بالأفراح والهموم وأدران الزمن والتي نروي شذرات منها فيما يلي:-

("* مسيرة حياة الشهيد *")
خلدون راشد من مواليد عام 1978 قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان، الشهيد كافح وناضل وصارع الحياة بكل مصاعبها منذ صغره إلى حين استشهاده، ظل متنقلا في مسيرته التعليمية مابين الحضر والبادية، درس الابتدائية في قريته، وأنتقل إلى المدينة ليكمل مشواره التعليمي، نظرا لعدم توفر الكادر التعليمي المتكامل في قريته.
درس الإعدادية في مدرسة 26سبتمر، وأكمل الثانوية في ثانوية تعز الكبرى؛ كان الشهيد خلدون يدرس الثانوية ويشتغل بجانب الدراسة، لكي يساعد والده كونه الإبن الأكبر في أسرته، كان ناجحا في الدراسة والعمل معا؛ بدأ حياته بكشك صغير لبيع الصحف والكتب والأدوات المدرسية، جوار مبنى التربية والتعليم في تعز، واستمر في العمل طول فترة دراسة الثانوية، تخرج من الثانوية والتحق بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية لمدة عامين في مجال عمله وهو التجارة.
ولم يكتف بذلك، بل واصل مشواره التعليمي بالجامعة ليكمل الأربع السنوات فيها، ولكن نظرا لانشغاله وارتباطه بمجال عمله، حال ذلك بين عمله ودراسته، فأوقف القيد في الجامعة في المستوى الثالث إدارة أعمال.
الشهيد خلدون لم تهزمه عواصف الحياة في ظل نظام استبدادي وديكتاتوري، ولم تحد من طموحاته وكبريائه متاعب الحياة وقسوتها، حيث فكر أن يخوض مشروعه الخاص، وقام بفتح محل إلى جانب محل والده، وهو عبارة عن مكتبة سماها مكتبة خلدون، الواقعة حاليا في جولة المسبح على شارع نادي تعز شارع المنتزه سابقا.
فتح المكتبة وعمل بها ما يقارب العام، وبعدها أكمل خلدون نصف دينه وتزوج.
* زوجة الشهيد وابنه الوحيد ووالداه وأشقائه فقدوا الذي كان ربان السفينة في خضم الحياة.
رغم انشغال خلدون، إلا أنه ظل بجوار والده وكان يساعده من حين لآخر؛ كان مكافحا في الحياة مصارعا فيها، لكي يعيش هو وأسرته حياة كريمة، بعيدا عن الفقر المفروض على الشعب بسبب الوضع المعيشي الإنساني العام.
عرف أيضا بخلقه النبيل وقيمه العالية بين الناس داخل البيت وخارجه، كان يكره الخداع والكذب محافظا على كرامته وإنسانيته مواجها متاعب الحياة وكآبة الزمن بوجه بشوش وقلب راض وعزيمة صلبة وإرادة لا تلين.
بسمة ثغره الآسرة هي حديث روحه المحبة الرقراقة، المليئة بالفرح والصدق والصفاء مع الناس عامة وأصدقائه خاصة.

( "* خلدون والثورة*")
مع انطلاقة أول شرارة لثورة تونس، كان خلدون يتمنى أن تبدأ الثورة في اليمن، وكان يتوقع ذلك بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والحياة الاقتصادية واتساع رقعة الفقر وزيادة البطالة.
وفي11 فبراير انطلقت الثورة الشبابية في اليمن؛ في البداية كان الشباب يتجمهرون في شارع جمال وغالبا في التحرير ليلا، فكان خلدون أكثر تحمسا وكان في الصفوف الأولى دائما، إلى إن أصر الشباب على إقامة ثورة حقيقية لإسقاط النظام واجتثاث رموز فساده، فاختاروا ساحة الحرية جوار محطة صافر مقرا لاعتصامهم.
ساحة لم ينصب فيها الخيام فقراء وعاطلون عن العمل فحسب، بل إضافة إلى أولئك هناك عدد كبير من روادها غادروا بيوتهم وأهليهم، حاملين في صدورهم أحزان البيوت وأحلام اليتامى الذين بلا مأوى وقوت.
لأجل أمه الحبيبة اليمن ترك خلدون – وهو في باكورة شبابه – كل وسائل الراحة والرفاهية، ليفترش مع شباب الثورة وقناديل الحرية، زمهرير الإسفلت وحرارة الصيف، مشاركا في كل الفعاليات والمسيرات، التي كان أكثر شبابها نشاطا وحيوية وكثيرا ما كان يحرص على مشاركة إخوانه في تلك الثورة التي التقى فيها الشاب والكهل على صعيدا واحد.
* تركت ثورة الشباب السلمية أثرها في بيت كل شهيد وقلب كل محب، وما من شهيد إلاَّ وتعلقت به قلوب طالما نبضت بحبه، ومقل ذرفت ماء العيون عليه.
وبينما قوات السلطة كانت تقمع المظاهرات وخاصة أول مظاهرة والتي سميت مظاهرة الاثنين الدامي، كان خلدون من ضمن أولئك المتظاهرين المنادين بإسقاط النظام، كان يقود سيارته الخاصة ليسعف عدد كبير من الذين أصيبوا بالغازات السامة، وأستمر بذلك العمل بين كر وفر لكي يسعف المصابين حتى ساعة متأخرة من الليل، كان لا يهاب إطلاق الرصاص الحي أو الغازات السامة كان يقترب كثيرا من هذه المواقف البطولية، متمنيا النصر أو الشهادة.

("*حب الوطن وحلم الغد المشرق*")
تقاسموا رغيف خبز وشربة ماء معا، يجمعهم حب الوطن وحلم الغد المشرق؛ الغني والفقير الشاب والشيخ، لا فرق بينهم على الإطلاق، فجميعهم عاش الخوف والذل والقهر طيلة ثلاثة وثلاثين عاما.
أما هذا الشهيد فقد عرف بين أهله ومحبيه بحبه لوطنه وطموحه اللامحدود وطيبة قلبه وتسامحه؛ إنه خلدون راشد أحد شباب الثورة في الحالمة تعز، تميز بنبل القيم ودماثة الأخلاق وبساطة التعامل.
محبوب من كل الناس، يتقبل الآخرين بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم سواء كانوا في البيت أو في الشارع أوفي العمل.
أنجز في حياته سيرة ذاتيه اختصرت كل الدروب على أكثر من صعيد، متربعا على قلوب الناس بحسن أخلاقه، شاب مكافح حقق في أعماله إنجازا هائلا، وعطاءً في حبه لفعل الخير وتعاطفه مع الفئة الفقيرة من الناس، حقق خلدون سيرة لا تتسع لها المجلدات ولا تفي بحقها الكلمات.

("* عملية العصيان المدني*")
قام شباب الثورة بساحة الحرية بتوعية أصحاب المحلات بعملية العصيان المدني، وكان خلدون من أول المطبقين لهذا القرار الثوري، كان يغلق محلات والده ومكتبته ويخرجون جميعهم لتأييد المسيرات الشبابية.

("* قصة استشهاده*")
أبناء تعز هم من بدأوا الثورة في اليمن، وكان خلدون واحدا من أولئك الأوائل الذين واجهوا رصاصات النظام بصدورهم العارية، ورغم سقوط الكثير من الشهداء والجرحى، إلا أن أرواحهم الثورية لم تسقط، وحناجرهم لم تهدأ، يواجهون الدبابة والمدفع والبندقية بشعارهم الخالد: النصر أو الشهادة.
في كل مره تتعرض فيها اليمن للأخطار، فإنها تستدعي حبها المغروس في وجدان أبنائها، محتضنة تعز كمخزون مليء بالرجال ومتحف زاخرا بتراث التضحيات وجديد البطولات، ومنذ ثلاثة وثلاثين عاما لم تكن اليمن سوى مرجلا يغلي بداخله صفوة اليمنيون، وتنضج فيه حكمتهم ويُختبر فيه إيمانهم؛ ابتسم شباب تعز ورجالها ونساؤها وأطفالها لثورة الشعب السلمية، وعاهدوها على النصرة، وقدمت قبضة الشموخ والإباء بيرق من بيارقها.. فكان الشهيد خلدون راشد نموذجا فريدا في التضحية والفداء والعمل الدءوب.
غادر حياته واستقبل ثورة التغيير كوجهة ثورية لا حياد عنها.. في يوم الأحد 9/5/ 2011م، أستشهد خلدون راشد العبسي في هجوم شنته قوات السلطة على شباب تعز العزل، في إحدى المسيرات والوقفات الاحتجاجية في شارع جمال أمام مكتب التربية والتعليم، حيث تقع مكتبة والده وقريب من مكتبته.
كان أحد شهداء رصاصات قناصة بلاطجة النظام، حيث اخترقت بطنه ومزقت كل أحشائه، فبينما كان الشهيد ينقذ الشباب و يوزع عليهم الماء وهم يواجهون الرصاص والغازات السامة، اغتالته رصاصات السلطة المغرمة بالانتقام من الثوار وثورتهم الشعبية السلمية.

("*مواقف بطوليه للشهيد*")
تركت ثورة الشباب السلمية أثرها في بيت كل شهيد وقلب كل محب، وما من شهيد إلاَّ وتعلقت به قلوب طالما نبضت بحبه، ومقل طالما ذرفت عليه ماء العيون.
تحدث إلينا الأخ رافع العبسي أحد أقرباء الشهيد المقربين إليه، والذي كان برفقته دائما ويعمل معه، وكانت عيناه تذرفان دموعا لفراق أعز رفيق إليه، قائلا:- الشهيد خلدون – رحمة الله عليه – اتصل بي في يوم استشهاده صباحا، وقال لي: يا رافع أغلق المكتبة الساعة التاسعة، اليوم عصيان مدني وأنا سأتأخر لكي ارتاح لأني لم أنم حتى الصباح، كان عنده عمل، بدأت التجمعات وبدأت المسيرات تمر في الشارع، وكل الأصدقاء استغربوا من ذلك، وسألوني عن عدم تواجد خلدون! فقلت لهم: إنه كان سهران حتى الصباح وذهب ليرتاح، وفي الساعة العاشرة والنصف جاء خلدون، وسألني كيف الأوضاع؟، فأخبرته إن الشباب معتصمون أمام مكتب التربية وسينصبوا الخيام في شارع جمال، فرد عليَّ متحمسا إن شاء الله يكون التصعيد الحقيقي من اليوم، وخرج ليساعد والده ويطمئن علية، فنزلت قوات الأمن المركزي بالطقومات ليفرقوا المتظاهرين، وأطلقوا النيران الكثيفة وخلدون كان هناك عند مكتب التربية، فرجع إلى المكتبة وقال لي: بعض البلاطجة يتمركزون على سطح مكتب التربية، وإن واحدا من البلاطجة نزل من فوق الطقم يهدد الشباب بالسلاح، ويقول لهم مالكم هنا معتصمين؟! تريدوا يرحل علي، علي عبدالله صالح ربكم اعبدوه عباده، تمام.. هيا روحوا بيوتكم.
بينما كان خلدون يصور تلك اللحظة، أطلقوا الرصاص باتجاهه إلى فوق جدران صيدلية النجاشي ولكنه فر منهم، كان ذلك في تمام الساعة الثانية بعد الظهر.
وأضاف "جاء واحد من المتبرعين وأحضر للمعتصمين الغداء، فقال خلدون وأنا عليَّ الماء، وذهب خلدون وأعطاهم الماء، كان الشباب يصورون خلدون وهو يسقي المعتصمين، فناديته: يا عم خلدون الشباب يصورونك، فرد عليَّ يا جماعة انتبهوا ليقولوا أنني من البلاطجة".
* كان الشهيد ينتمي إلى كل الناس وكل اليمن، وليس فقط إلى قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان النبل والشموخ.
ثم عاد إلى المكتبة و قد احضر ابنه راشد الغداء، فتغدينا وراح ليرتاح، وفي العصر قام وصلى العصر، وفي الساعة الرابعة والنصف ذهب ثم عاد فحذرني وأوصاني إن انتبه لنفسي وللمحل وأن أغلق الأبواب وأجلس في الداخل، وقال: إني أتوقع حدوث شيء ما اليوم، سأذهب لكي أطمئن على أبي، وأنت اعمل كما قلت لك.

ذهب خلدون ولن يعود
ويواصل رافع الحديث وكادت الدموع تتساقط من عينيه، مختنقا بالحزن والعبرات، وقال وبعدها حصل الذي حصل، وحين سمعت الخبر هرعت مسرعا إلى مكان الحادث، فوجدت خلدون فوق الدراجة النارية يُسعف إلى مستشفى الحكمة القريب من المكان، وبعدها نُقل إلى مستشفى الصفوة بساحة الحرية، ولكن القدر لا يستطيع أحد أن يقاومه، وأنتقل خلدون إلى جوار ربه شهيدا يوم الأحد بتاريخ 9/5/ 2011م، في تمام الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة، مات خلدون شهيدا رحمة الله عليه، ولم تمت الثورة، وخاصة ذلك اليوم الذي أستشهد فيه خلدون، زاد عدد الشباب عندما سمعوا أن خلدون قد أستشهد، وحتى اليوم لم تمت الثورة.. سال دمه في هذا اليوم الدامي، وتلوى قلب اليمن حزنا لفراق الأبناء المنذورين لمعنى التغيير والحرية والكرامة.

("*ابن الثورة*")
يتذكره أبوه.. ولدا مميزا وقائدا في أسرته، ويكن له الحب الكثير، فهو خلدون ساعده اليمين وابن الثورة، كما قال والده لحظة وصوله الخبر الفاجع.
الحاج راشد سعيد العبسي.. والد خلدون كان منهارا عندما سمع الخبر، ذهب إلى المستشفى فوجد ابنه قد فارق الحياة هناك، فانهال عليه بدموعه واحتضنه في لحظات حزن تراجيدية، غير مصدق أن ابنه الأكبر قد قتل، فظل بعدها حابسا دموعه، يتنهد بحرقة الأب المكلوم، قائلا: وداعا يا ولدي أنت ابن الثورة، وإني أحتسبك عند الله شهيدا لكي تكون شفيعا لي.
خلدون.. رافق والده منذ الصغر، فهو الطفل المطيع والشاب الطموح، الذي وقف على أقدام صلبة في الحياة الاقتصادية، في وقت كان عمره لم يصل إلى الثلاثين، فكيف لوالده أن يقابل خبر اغتيال ولده وصديقه في نفس الوقت.
("* ما الذي جناه أخي وسندي في الحياة لتتمزق أحشاؤه ويحرم من الحياة *")
أعلن الشهيد خلدون العبسي عن جمالية قضيته التي ناضل من أجلها، وارتقى بها إلى عليين، وذهب الخلدون شهيدا إلى جنة الخلود ودماء الشهداء هي من ترسم صورة الوطن.
أما أحمد راشد شقيق الشهيد: فحين سمع الخبر سارع في نفس الوقت الذي قيل أن خلدون أخاه قد أصيب برصاص قناصة، إلى مكان الحادثة فوجد خلدون بين أكتاف الشباب، فأخذه إلى مستشفى الحكمة، وبعد ذلك نقله إلى مستشفى الصفوة، ولم يصدق ذلك الخبر، وظل برفقة خلدون في المستشفى حتى فارق الحياة، وهو الوحيد الذي كان بجواره في مستشفى الصفوة، ولم يستطع الحديث سوى إنه كان يقول ما الذي جناه أخي وسندي في الحياة لتتمزق أحشاؤه، ويحرم من الحياة، هذه الكلمة التي كان يرددها في ذلك الوقت .
("*قتلوا ولدي وقنصوه .. أحرق الله قلوبهم كما أحرقوا قلبي*" )
والدته.. سقطت حزنا على ولدها تحمد الله فيما أصابها، وتحتسب ولدها الكبير عند الله شهيدا، وتصب دعواتها على من حرمها من قرة عينها وفلذة كبدها و قتل ولدها، لم يفارق لسان حالها الحمد والشكر لله، والدعاء على من أحرق قلبها بولدها، ظلت تدعو وتردد (قتلوا ولدي وقنصوه.. أحرق الله قلوبهم كما أحرقوا قلبي ).

("* مات شهيدا ،وتحققت أمنيته *")
الزوج الوفي لزوجته ووطنه وعمود البيت لبيته وأسرته، لم يلهه عمله وبيته عن ساحته وقضية وطنه.
زوجة الشهيد أم راشد خلدون..
لازمتها الدموع الممزوجة بالصمت، فقد قيل لها في البداية مات خلدون، فصُدمت وصرخت وسقطت مغمى عليها، لكن قيل لها فيما بعد إنه كذب، وما هو إلا مجرد تشابه في الأسماء، أما الآن فهي دوما تحمد الله وتشكره، لأن خلدون مات شهيدا، وتحققت أمنيته؛ لأنه كان دائما يتمنى ذلك، وعاهدته أنها لن تنساه فهو في ذاكرتها إلى الأبد .
أبن الشهيد
("* يرحل عفاش قتل أبي كيف لا يرحل أنتم مجانين*")
نال خلدون الشهادة والحياة الأبدية بعد 33 عاما، مخلفا بعده ولدا جسورا بصورته البريئة وكلماته كالطلقات لا تُرد، مكتبة الشهيد خلدون هذه عبارة كتبها بخط يده ورفعها على مكتبة والده، معلنا صموده العارم وافتخاره بوالده الشهيد.
ابن الشهيد الوحيد الذي لازال طفلا.
راشد خلدون.. ابن الثمان سنوات الذي دائما يقول ويردد أبي شهيد وما زال يكتب كلمات (ارحل) (عفاش) وعندما سألناه لماذا يا راشد؟ قال: قتل أبي كيف لا يرحل أنتم مجانين. وفي ذات يوم كتب على أوراق لاصقة عبارات: (حارة الشهيد خلدون) الذي يسكن فيه الشهيد، و(جولة الشهيد خلدون ) بدلا من جولة المسبح، و( شارع الشهيد خلدون ) بدلا من شارع المنتزه، و( مكتبة الشهيد خلدون) بدلا من مكتبة خلدون.

("*أراد خلدون أن يكون مستقبلا زاهرا للجميع فكان*")
كان الشهيد خلدون كل شي بالنسبة لأهله وذويه، وصار كذلك بالنسبة لوطنه ومحبيه، أراد خلدون أن يكون مستقبلا زاهر للجميع فكان..
تحدث إلينا أحد أصدقاء الشهيد، قائلا: الشهيد خلدون رحمة الله عليه، كان هادئا وخلوقا، لا يؤذي أحدا ولا يجرح أحدا.. إنسان وفي ومخلص ومتعاون مع الجميع، وأجمل ما فيه ابتسامته، مبتسم دائما ومتفائل بالخير وبمستقبل زاهر للوطن.
طيبته لا توصف، كان متعاونا مع الجميع سواء أصحابه أو غيرهم؛ يتعاون مع الكل.. إذا رأى مسكينا تعاطف معه، كان يحمل الروح المتفائلة دائما، ونظرا لمكانته تلك بين الناس، فقد كان أشد تعلقا بساحة الحرية وشغفه بها، فهنيئا له تلك الشهادة..
("*طقوس الساعات الأخيرة*")
زوجة الشهيد ووالده ووالدته وأشقاؤه وراشد ابنه الوحيد و جميع محبيه، فقدوا خلدون الذي كان ربان السفينة في خضم الحياة.
إذن فقد كان الشهيد خلدون راشد ينتمي إلى كل الناس وكل اليمن، وليس فقط إلى قرية المحربي عزلة الأعبوس مديرية حيفان النبل والشموخ، هناك ولد وفي قلبه كان اليمن يلد كل يوم شمسا وصباحا جديدين، خرج خلدون من أجل التغيير، كانت تبكيه مناظر البؤساء و الفقراء الذي يشاهدهم كل يوم.
("*أحيا باستشهاده عزم أصدقائه ومحبيه*")
لأجل اليمن الكبير تهون المواجع وترخص النفائس والنفوس، ولأجلها عاش خلدون العبسي، ولأجلها أيضا خرج مناديا بإسقاط النظام الفاسد بكل أزلامه وبلاطجته، وأطلق بسمة الخلود في عرسه الأخير إلى الجنة.. لكل شهيد رقمه الشخصي، ومراسيمه الخاصة في المغادرة، وطريقته الفذة في طقوس الساعات الأخيرة، وفي يوم الجمعة 14/5/2011 تم تشييع جثمان الشهيد الطاهر خلدون، في موكب مهيب إلى مقبرة الجينات، عقب الصلاة عليه في ساحة الحرية بتعز.
كان للشهيد في كل المشاهد صولة وجولة، منذ سقوط أول شهيد من شهداء ساحة الحرية بتعز، وحتى توارى الخلدون ذاهبا إلى جوار ربه والخلود، وقد أبلى بلا حسنا.

("*هنيئا الشهادة*")
الذين عرفوا الشهيد خلدون العبسي في ساحة الحرية، لم يدر بخلدهم أن هذا الشهيد الثائر الذي قاسمهم تعب الحلم وهجيل الخيام، بنفس حرة وأشواق الشهادة وجاذبية عليين.
رددوا وداعا أيها الشهيد.. سننهج نهجك وسنواصل مسيرة كفاحك، حتى تحرير وطننا الحبيب من النظام وعصابته، هنيئا لك هذه الشهادة وهنيئا لكل الشهداء الأحرار خلودهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.