- الكتابة عن الأديب الشاب والروائي البارز وجدي الأهدل لها مذاق خاص ونكهة مميزة، كيف لا ونحن بإزاء قامة سامقة، وهامة عملاقة ونجم لامع في سماء الأدب اليمني، بل والعربي؟ وهي شهادة صادقة يشاطرني إياها ويشاركني فيها الكثير من محبي أعمال الأستاذ وجدي والمهتمين بإبداعاته التي تعد شامة في جبين الأدب، وعلامة فارقة في تاريخ الفكر ورواياته الجميلة أبلغ شاهد وأسطع دليل على ذلك. - كان أديبنا الأكثر من رائع كلما خرجت له رواية إلى النور ووجدت طريقها مسرعة إلى عقول القراء وقلوبهم تفجر ثورة ثقافية بكل المقاييس وتثير صخبا وجدلا واسعا، وهكذا الأدب الرفيع، ورغم الهجمات التي لا هوادة فيها، ومحاولة تكميم فاه وجدي، وإسكات صوته الحر والمعبر عن شريحة كبيرة من الناس، إلا أن كفة هذا المثقف المستنير كانت هي الراجحة دوما، مع ما ألحقه خفافيش الظلام، وأعداء الحقيقة وأصنام الجمود والتخلف من أذية وسيبوه من ضرر للأستاذ وجدي الذي كان وما زال وسيظل – بإذن الله- قلما يقطر تميزا وتفوقا وإبداعاً. - عرفت من خلال لقاءاتي المتعددة بأديبنا دماثة أخلاقة وكريم خصاله وتواضعه الجم، وأبهرني بهدوئه العجيب، ولاحظت عليه حين يتكلم مع زملائه المثقفين أنه يتحدث بشكل مقتضب وبإيجاز ولكنه كلام يغني عن كتب، وأكبرت فيه نظرته العميقة للواقع وتحليله المتمكن لمجريات الأحداث وأول مرة رأيته أمام مقهى مدهش بالتحرير، وهو قبلة يومية لكبار الأدباء والمفكرين، فقلت في نفسي وأنا أتأمل وجدي الشاب المتواضع: أهذا الذي أشاد به وأثنى على مؤلفاته الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل غونتر غراس، وتدخل لدى السلطات حينها لرفع يد الحظر عن وجدي، وأحسست بغصة ألم لما يلقاه أدباؤنا الأفذاذ ومن ضمنهم وجدي من إهمال، بل ومحاربة وتضييق داخل وطنهم، فيما يشيد بهم الآخرون، وليس الأهدل الأول ولن يكون الأخير، فقد قصَّرنا كثيرا في حق الشاعر الأوحد عبدالله البردوني وهو حي يرزق، مع علو قدره ومنزلته الرفيعة فلما مات عرفنا ذلك، واليوم تتكرر نفس المأساة مع أدباء رفعوا إسم اليمن عالميا، وسارت بأخبارهم الركبان، وملأت روائعهم ودرر كتبهم صفحات المجلات والجرائد. - صادفت وجدي كان الله في عونه صباح الثلاثاء المنصرم وسألته عن جديده، فأجاب بحسرة وحزن على الوضع الراهن: لا جديد فأنت تشاهد الظرف القاسي الذي نعيشه، فطلبت منه قبل أن أودعه ألا يبخل على متابعيه بإصدار يضاف إلى مؤلفاته التي هي ملئ السمع والبصر، وختاماً نقول: حفظ الله المذكور المنسي في آن واحد.