تتباهى شعوب العالم المتحضر بأدبائها وكتابها وفنانيها وتنصب لهم التماثيل في الميادين العامة، بينما لايزال بعض الحكومات العربية تتعامل مع الأدباء وكأنهم أعداء يهددون الاستقرار والسلم الاجتماعي. من الواضح أن فارق التوقيت بين الشرق والغرب لا يقاس في الوقت الحاضر بالساعات بل بالمبادئ التي تحترم الإنسان وتعلي من شأن العلم والإبداع وأهلهما من المتميزين.
لا يطمح المبدعون في المنطقة العربية الآن إلى أن تنصب لهم تماثيل، بل إنهم صاروا يطمحون إلى أن تكف السلطات في بلدانهم عن نصب الفخاخ التي تعطل سيرهم بهدوء في دروب الإبداع الشائكة بمنغصات اجتماعية واقتصادية لا تعدّ ولا تحصى.
قبل أيام كنت أقول لأحد الشعراء الكبار: لماذا يا سيدي لم تلتفت إليك وزارة الثقافة في بلدك، حتى الآن، لتضع اسمك في أجندة احتفالات التكريم التي تخطئ هدفها وتمنح بركاتها لصغار لم يتركوا أثراً يوازي جهدك الإبداعي؟
فأجابني قائلاً: أفضل تكريم لي هو أن يدعوني وشأني!
ويبدو أن الجواب ذاته تردد على لسان الروائي اليمني وجدي الأهدل الذي فوجئ الثلاثاء الماضي بمنعه من السفر من قبل السلطات الأمنية في مطار صنعاء الدولي!
كان من المقرر أن يشارك الأهدل في مهرجان طيران الإمارات للآداب، لكنه منع من السفر إلى دبي وصودر جواز سفره في المطار، واتضح أن اسمه لايزال عالقاً في القائمة السوداء منذ مصادرة روايته «قوارب جبلية» قبل سنوات، وما رافق المصادرة من دعاوى قضائية رفعها ضده متطرفون، حينها غادر إلى دمشق، ثم عاد إلى بلده بموجب عفو صدر بعد تدخل مباشر من قبل الروائي الألماني الحائز على جائزة نوبل «غونتر غراس».
يومها، قبل ثماني سنوات، كان صاحب نوبل في زيارة إلى اليمن وعلم بمحنة وجدي الأهدل، وقيل انه رفض أن يتقلد وساماً رفيعاً من حكومة البلد المضيف مشترطاً العفو عن الأهدل وتيسير أمر عودته سالماً إلى وطنه، وبالفعل عاد صاحب «قوارب جبلية» إلى صنعاء، وأنجز ثلاثة أعمال روائية بعد روايته الأولى التي لاتزال لعنتها تلاحقه حتى الآن، وكانت روايته «فيلسوف الكرنتينة» مرشحة للقائمة الطويلة في دورة سابقة من جائزة بوكر العالمية للرواية العربية.
حتى الآن استعاد وجدي الأهدل حقيبته من المطار، لكنه لم يستعد حريته في التنقل والسفر.
بودّي لو أن السيد «غونتر غراس» يعرف أن الذين استضافوه وقلدوه الوسام نكثوا بالوعد الذي قطعوه أمامه، وإذا ما أحسنت الظن بودّي أن أتفاءل وأفسر الأمر كما يرى بعض الزملاء أن المسألة لا تتعدى الخطأ في الإجراءات البيروقراطية التي تتطلب أكثر من ثماني سنوات لإبلاغ المعنيين بقرار العفو عن المتهم البريء!