جريمة وأية جريمة، وعيب وأي عيب، أن تئن وتتوجع قلوب ومشاعر وضمائر أشقاء وأصدقاء لليمن على الحال المؤسف الذي وصل إليه جراء تعنت وتهرب اللقاء المشترك من إجراء الحوار الوطني الشامل، بل وتعلن تعاطفها معه وتسعى لمساعدته على الخروج من النفق المظلم الذي أدخله المشترك فيه، لا سيما جميع الأشقاء والأصدقاء وفي مقدمتهم الاتحاد الأوربي والولايات المتحدةالأمريكية والمعهد الديمقراطي الأمريكي، بينما نفر من أبنائه غير مكترثين على الإطلاق بمبادرات الأشقاء والأصدقاء، ولا تحرك ضمائرهم ومشاعرهم وقلوبهم ساكنا لديهم، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأنهم ليسوا المسؤولين عن هذه الأزمة التي ولَّدت الاحتقانات المختلفة، أو كأن بهم صمماً وقلوبهم من حجر!!. جريمة أن يحرص الأشقاء والأصدقاء في المقام الأول على استقرار اليمن ولحمته الوطنية بينما نفر من أبنائه، ذوي القلوب التالفة المتعفنة، والضمائر الخربة الفاسدة، والنفوس المريضة الحاقدة، يؤججون الصراعات والخلافات والانقسامات والفتن في المجتمع، وكأن هؤلاء الأشقاء والأصدقاء أحنّ وأحرص على اليمن من مثل هذا النفر من أبنائه!!. لقد كان يفترض من اللقاء المشترك، إن كانت لديه بقية حب ووفاء لليمن، أن يتجاوب إيجاباً مع كل تلك المبادرات والمناشدات والدعوات والمشاعر المشكورة.. لأنه عندما يتعلق الأمر بمصير الوطن، حاضراً ومستقبلاً، يجب أن يهرع الكل، بدون استثناء، إلى التعفف والتفاهم والتعاون وتجميد الخلافات المكايدات، بل وتقديم التنازلات والتضحيات والإيثار بدلاً من المكابرة والتشدد والتعصب، واللجوء إلى تخريجات تضليلية لا تمت إلى الواقع بشيء من الصحة، يحشون بها أدمغة وعقول القواعد والأنصار والأتباع، لزيادة الوضع تعقيدا. وقد خرج مؤخراً أحد إعلاميي المشترك بتخريجات غريبة وشاذة، تتعلق بالحوار الوطني الشامل الذي دعا له فخامة رئيس الجمهورية بالقول: "إن الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل هدفها انتزاع الاعتراف بالشرعية الدستورية، والقبول بكل مساوئ السلطة، إضافة إلى أنه سيكون إيذانا بالقضاء على المعارضة والرأي الآخر"!! بمثل هذه التخريجات الخاطئة والمشككة والمضللة يحشون بها عقول وأدمغة ونفوس القواعد والأنصار الواثقين بهم مؤكدين بشتى أساليب التأثير أنها مسلمات، تتجاوز الحوار كسلوك حضاري إلى تشويه أهدافه النبيلة لغايات في النفس الأمارة بالسوء. إن القدوة الحقيقيين هم من يتصدرون الإصلاح الاجتماعي، ويعملون من أجل رفعة وطنهم، وإصلاح أوضاع شعبهم بالمشاركة والحضور مع الآخرين، وليس بالتوقع والانزواء ورفض الآخر والتهرب والتنصل والتنظير من أجل التنظير. إن الفساد أشكال وأنماط وألوان، ويكاد يكون الفساد السياسي الذي تمارسه بعض النخب السياسية أخطرها، لأنه يتعلق بالإفساد والتضليل والخداع والكذب وتزوير الحقائق لشريحة من الناس. إنه إفساد منظم وممنهج لنفوس وعقول وضمائر، وتعبئتها بالحقد والغل والكراهية والتعصب الأعمى، وبكلما من شأنه تحطيم المجتمع وتمزيقه وزرع الفتنة في صفوفه لغايات عبثية تدميرية حاقدة، بقصد تشويه كل المفاهيم والقيم والأفكار النبيلة والسديدة بما ينسجم وتخريجاتها ومنهجيتها الإفسادية الهدامة.