عبدالناصر المملوح - تصوير نوح الرياشي الاثنين الفائت الساعة الثامنة صباحاً.. المكان السجن المركزي بأمانة العاصمة، كنا على موعد أن نسمع وننقل للقارئ الإجابة عن هذا السؤال بلسان يحيى يحيى الرغوة قاتل ومغتصب الطفل حمدي يحيى القبس"11سنة".. والتي كانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت السبت الماضي برئاسة القاضي محسن علوان حكمها بتنفيذ الإعدام في حقه. في مساء الأحد تواصلنا من مقر الصحيفة مع مدير السجن المركزي الذي بدوره وعدنا.. وعمل بالفعل جاهداً على تمكيننا صباح اليوم التالي من الالتقاء بالمحكوم عليه بالإعدام قبل التنفيذ بساعة. ليلتها لم أنم جيداً.. ولا أرى سبباً لذلك، رغم حاجتي الشديدة للنوم باعتبار أنني سأكون الساعة الثامنة إلا ربع أمام بوابة السجن المركزي.. وبالفعل كنت أنا والزميل المصور نوح الرياشي أول الواصلين.. حيث لم يكن أمامنا غير عدد من العسكر ودوريات النجدة، احدها -كما سمعت - قادم من قسم الوحدة ولا شك أنهم مستعدون لشيء.. وأن السجن الذي يقومون اليوم بحراسته سيفقد بعد لحظات أحد نزلائه الشباب.. وأن سريراً بعد لحظات سيكون شاغراً.هل يقيم نزلاء السجن المركزي حفل وداع لزميلهم الذي سيغادرهم والحياة الدنيا إلى الأبد.. قلت لنفسي: سأسأل يحيى الرغوة المحكوم عليه بالإعدام عندما التقيه بعد لحظات.. في تمام الثامنة أشهرنا بطائقنا الصحفية لحراسة السجن ودخلنا لكن ليس قبل أن نبحث عن صاحب بقالة نطرح عنده تلفوناتنا.. وقبل أن ندخل كان الناس قد بدأوا يتوافدون إلى أمام السجن المركزي حيث سيتم الإعدام. دخلنا.. وحقيقة أنا لا أعرف مدير السجن شخصياً.. ولم أره من قبل لكنني خمنت، وكان عدد من الضباط والعسكر أمام بوابة إدارة السجن.. اتجهت نحو الضابط الذي توقعت أن يكون هو مدير السجن المركزي.. وسلمت عليه كما لو أنني أعرفه من قبل.. قال بعد أن ذكّرته بوعده لنا في المساء.. لحظة وسآتي به إلى هنا، يقصد المحكوم عليه بالإعدام، وتبادلوا معه الحديث واطرحوا عليه ما شئتم من الأسئلة. دخل العقيد مطهر ناجي الشعيبي مدير السجن نحو الزنزانة.. وبعد مرور ثلاث دقائق علمت من أحد العساكر أنه، أي المدير، يتناول وجبة الإفطار.. ولا أعتقد صحة كلام العسكري، لأن المدير عندما سلمت عليه كان بيده "ملخاخا" ما يعني أنه انتهى على الفور من وجبة الإفطار. سبع دقائق ونحن في انتظار مجيء المدير ومعه المحكوم عليه بالاعدام.. حينها ولجت من البوابة الرئيسية للسجن سيارة القاضي سعيد العاقل رئيس النيابة، اتجهت نحوه، سلمت عليه ولم يكد يخرج من سيارته.. عرفته بنفسي وبالهدف الذي انتظره وأني سأعمل مع المحكوم عليه بالاعدام كلمتين لصحيفة "الجمهور" لعل فيها من النصائح ما يفيد المجتمع. دقيقتين لا أكثر حتى تم احضار المحكوم عليه بالاعدام لاتمام الاجراءات.. شخص في ريعان شبابه.. ممتلئ الجسد، لا هو بالطويل ولا بالقصير.. لون بشرته مائلة إلى الحمرة يرتدي لباساً أبيض من قطعتين بنطلون وقميص.. لفت انتباهي وجهه.. لا أثر لشعر في لحيته ولا شاربه، كما لو انه خارج لتوه من صالون حلاقة.. هل جهزته إدارة السجن للموت أو لما بعد الموت؟!.. لا أدري، لكنني سأسأله. أشرت إلى زميلي المصور ايذاناً ببدء التصوير إلا ان اثنين من افراد الحراسة سارعا بايقافه ولم أعلم بذلك إلا فيما بعد.. كنت مشغولاً جداً بالمحكوم عليه يحيى الرغوة.. ما الذي يشغل باله الآن؟!.. ما الذي يفكر به؟!.. وهو على بعد دقائق من الموت رمياً بالرصاص؟!. كيف عاش ليلته الماضية منذ سماعه منطوق الحكم يوم السبت حتى هذه اللحظة؟!.. لا شك انه يشعر بالندم الشديد.. ارتكب جرماً بحق طفل يبلغ من العمر 11 عاماً.. دخل صالون الحلاقة ليحلق استعداداً لعيد الاضحى إلا انه دخل ولم يخرج إلا جثة مغتصبة هامدة. الفاعل هو ذاته يحيى الرغوة الذي يقف أمامنا قبل اعدامه بنصف ساعة أو اقل.. كان الذهول قد غمر كل أجزاء جسده، ولعله كان يتحرج من النظر الينا، كانت عيناه زائغتين تتهرب بعيداً.كان يعض شفتيه بشغف.. كما لو انه يريد ان يقضمها.. انها عضات الندم والحسرة التي جعلته يقف أمامنا واجماً. حضر "العشماوي" الذي سوف ينفذ حكم الاعدام.. وأخبر القاضي أنه قد هيأ المكان "أمام بوابة السجن حيث يتجمهر الناس".. الدقائق تمر ونفس يحيى الرغوة قاربت الحلقوم.. ونحن لم نتعرف على الاجابات التي اتينا للبحث عنها.قلت للقاضي سعيد العاقل رئيس النيابة الجزائية اسمح لنا ننفرد بالمحكوم عليه ولو خمس دقائق.. حينها صاح القاضي في وجهي بغضب: أنت مجنون الرجل با يموت بعد دقائق وأنت تشتي تعمل معه حوار.. وتابع القاضي: هذا قدوا جنان.. أيش بايتكلم؟!.. وكيف عاد با يقدر يتكلم؟!. ادركنا صعوبة المهمة وانتقل الجميع إلى المكان المعد للتنفيذ يتقدمهم القاضي سعيد العاقل والمحكوم عليه بالاعدام و"العشماوي" ووالد الطفل وعدد من العسكر. المكان في الجزيرة الوسطية في الشارع أمام بوابة السجن حيث كان الناس قد تجمهروا لمشاهدة الحدث، تقدم العشماوي ببطانية حمراء فرشها وقبل ان يمتد عليها المحكوم عليه بالاعدام طلب من القاضي السماح له بالصلاة.. وكان له ذلك إلا انه اسرع كثيرا وكنت اتوقع ان يطيل السجود على الاقل. انهى يحيى الرغوة صلاته الاخيرة والذي اتمنى ألا تكون هي الأولى والاخيرة معاً، ليتولى القاضي سعيد العاقل منطوق الحكم.. بعدها قال لوالد الطفل المجنى عليه الآن الأمر بيدك بامكانك أن تعفي وبامكانك ان تقر التنفيذ.. وكان المحكوم عليه قد ذهب بكامل حواسه تجاه ما تبقى من أمل.. لعل والد الطفل يهب له الحياة المستحيلة.. وهذا ما لم يكن.. لقد أقر التنفيذ، لأشاهد بأم عيني وعلى مقربة.. الشهقة.. ليموت يحيى الرغوة وفي بطنه اجابة نهضت باكراً لمعرفتها.. والحقت طلقات عشماوي النارية بصياح المواطنين "يحيى العدل". والد الطفل عبرل"الجمهور" عن ارتياحه ولم يكن العسكر قد لفوا البطانية على جسد قاتل ابنه.. وقال لنا: الحمد لله القضاء قال كلمته. ويأتي تنفيذ حكم الاعدام بعد ان أثارت القضية استياءً واسعاً في أوساط المواطنين. وكانت المحكمة الابتدائية المتخصصة قد أصدرت في أول جلسة عقدتها في 13 يناير الماضي حكماً قضى باعدام يحيى رغوة بعد ادانته باغتصاب وقتل الطفل حمدي القبس. واعترف الجاني بكل ما جاء في قرار الاتهام.. وجاء في اقواله ان الطفل حمدي أتى ثاني أيام عيد الأضحى المبارك ومعه مائة ريال يريد ان يحلق بها فرفض الحلاق يحيى الرغوة وقال له أريد مائتين..فذهب الطفل وعاد مرة أخرى ومعه مائة وخمسون ريالاً.. واضاف الجاني انه وافق على الحلاقة للطفل ثم قام بغلق باب المحل واغتصبه.. وان الطفل هدده باخبار والده بما حصل.. فخشى الحلاق من الفضيحة وقام بخنق الطفل حتى شاهد في المرآة "فمه مفتوح" وهو لا يحرك ساكناً فأدرك حينها أنه مات. وقال الجاني: بعد ذلك قمت باغلاق المحل والجلوس أمام الباب وأنا أفكر كيف اعمل بالجثة التي اخبئها تحت الكنبات في المحل، وجاء والد الطفل يسأل عنه فقلت له لم أجده، وبعدها قمت بوضع الطفل داخل شنطة واستأجرت تاكسي ورميت بالشنطة في منطقة مهجورة خارج صنعاء.