الحق هو ثبات الناس على قيمهم واتفاقهم على رعي مصالحهم بعيداً عن الهرج والمرج والإثارة والفتنة.. والباطل هو النفخ في كير الفتنة واستغلال كل الضغائن والخلافات صغيرها وكبيرها لتفجير السلام والأمن والتآلف بين الأمة. الحق هو اتفاق المؤمنين على كلمة سواء تحفظ دينهم ودنياهم وتحرر مقدساتهم.. والباطل هو اتفاق الزائغين على الانصراف عن مواجهة أعداء الأمة وتفجير الصراعات في أوساطها.. وحتى لا يغتر بصمتنا أحد فإن الحق يبقى حقاً ولو قلّ ناصروه والباطل يبقى باطلا وإن كثر مروجوه، فكيف إن كان الحق وناصروه أكثر والباطل ومروجوه دون ذلك.. ربما كان ارتفاع أصوات الباطل ووجود ممولين ومنابر إعلامية لهم على المستوى المحلي والإقليمي وربما العالمي ملفتاً للنظر وموجباً للزيغ والافتتان لدى البعض، وحتى السقوط السياسي والأخلاقي والديني.. ولكن ذلك لا يغير من أمر الله شيئاً ولا يحيل الباطل حقا حتى لدى المفتونين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.. وهم يعلمون أن الباطل يسري في كل تصرفاتهم من كذب وفحش وتزييف وإثارة. * * * إن الموقف الشرعي هو السمع والطاعة لمن اختاره الناس إلا أن نرى كفراً بواحاً منه عندنا فيه من الله برهان وغير ذلك، فللحاكم علينا النصح والإنكار على الظلم والمفاسد بالسبل الشرعية التي لا تؤدي إلى منكر أعظم، والناس- ونحن من هؤلاء الناس- يفعلون ذلك دون أن يستأذنوا أحداً ولا يخافون ولا يرجون غير الله وهذه جموعهم في كل النواحي. * * * خلال أسابيع قليلة من هذه الفتنة تساقط العشرات بل والمئات من الضحايا من أبناء اليمن.. وروعت الأسر وترك الناس معايشهم وأغلقوا متاجرهم وغادروا المدن بحثاً عن الأمان، وارتفعت الأسعار إلى مستويات تنوء بها كواهل عامة الناس.. وانطلق المسعورون من عقالهم ليفتكوا بالأمة وأمنها، وانعدمت الكثير من المواد الحيوية وتحولت الأزمات إلى أرصدة في جيوب المتاجرين بمقدرات الأمة.. وانقسم الناس حتى داخل كل أسرة وشاعت الضغائن بينهم وارتفعت أصوات الطامعين في حكم اليمن إلى مستويات غير معهودة، وكأن الخلق عبيد لهم وهم أرباب إذا قالوا شيئاً قال الناس آمين .. ولا يرد لهم مطلب حتى لو سالت أنهار من الدماء، وحتى لو خالف الشريعة والعرف والمصلحة العامة. * * * أما الشباب فقد حققوا الكثير لهذا الشعب وربما كان أهمها ترويع الكثير من اللصوص وكبار المفسدين، الذين رأيناهم يغيرون مسالكهم ويتواضعون في خطابهم، بل إن كثيراً منهم قد بدأوا يتقاطرون على الساحات.. ولا تزال كثير من الحقوق عالقة بذممهم كأنما يريدون أن ينجوا من المساءلة ويظفروا بما حازوا عبر عقود، بل ربما كان بعضهم يطمع بأن يكرر الاستباحة والإفساد في الأرض، المهم أن هبة الشباب قد حققت أغراضها فوق أنها انتزعت كثيراً من الإصلاحات والتغييرات الجذرية، لو لم يقطع طريقها المفسدون في الأرض.. ولو وقفوا عندها لكان خيراً ولكنهم فقدوا المبادرة .. والله المستعان..