جرب الناس الديكتاتورية؛ فوجودها قسوة واستعباداً وفظاعة وخروجاً عن الفطرة البشرية؛ إذ خلق الله الناس أحراراً وعبيداً لله وليس للبشر. لأن الديكتاتور إله بشري كبير لا يسمح برأي يخالف أمره، ولا يعطي أحداً حقه، ولا يمكن لبشر في إطار حكمه الطاغي المستبد أن يقول: «لا». بل يتحول الناس في دولة الديكتاتور ليكونوا مجموعة من المنافقين المسبّحين بحمد الطاغية. ولما لم يعجب الناس هذه الديكتاتورية وحاربوها بالمال والنفس، وضحّوا في سبيل إزالتها بالكثير من الدماء اختاروا الديمقراطية، فانقسم الناس إزاءها أقساماً مختلفة. ففريق يرى فيها كفراً وضلالاً وبدعة قبيحة؛ لأنها تعطي حق الرأي والشورى للجاهل والفاسق، وفريق يرى في الديمقراطية فرصة سانحة لإشاعة الفوضى والكذب والفاحشة في الذين آمنوا. وفريق يرى فيها انتهازية مقيتة يحقق من ورائها مكاسب خاصة، أما فريق آخر فلما يزل ينتظر وعودها. يحدوه الأمل في أن تصلح الديمقراطية ما أفسدته الدهور؛ وحسبه من هذه الديمقراطية أنه يستطيع أن يقول: «لا» في وجه من يراه تجاوز الحق وأعماه الباطل. لو رجعنا إلى الديكتاتورية مستحيل؛ ولو ظللنا في هذه الديمقراطية الفوضى، فلا نعلم متى نتخلص من الفوضى. قال سائق القبيلة: كنت أريد أن نقول لكم نرجع إلى القَبْيَلَة؛ لكن حتى القبيلة لم تعد مثل زمان، لقد أصبحت خليطاً من الديكتاتورية والديمقراطية الفوضوية.