غريبة هي النفس البشرية التي تعطي لنفسها المبررات لسلسلة من الاخطاء التي ما ان تبدا حتى لا يمكن ايقافها. تلك النفس المغمورة بحب الانا وتسويغ كل ما بالمحيط لتحقيق ماتراه انه عين الصواب والحق ولو راجع نفسه مرة بحيادية لوجد انه مخطيء تماما. فالدكتاتورية العسكرية بمجرد ان تضع قدمها على مكان تبدأ بتصفية كل ما يحيط من بشر قبل الحجر، بحجة التغيير نحو الافضل، وضبط واحلال النظام بيد من حديد، وهو ما ثبت فشله على مر الزمن، فما فرض بالقوه سرعان ما يتشتت مع الريح بسواعد من يرفضون الظيم. يتناسى الدكتاتور ان ما يثبت بالعقل والثقافة لا يطمس، وتظل ذكراه عطرة، وكلنا نتذكر علمائنا وأدبائنا بالرحمة على مر العصور، كما نتذكر الجلادين بالكره والشتائم. تلك الدكتاتورية هي وجه لعملة وجهها الاخر هو الدكتاتورية المدنية، واصحابها هم اولئك الذين يتشدقون بالقانون والنظام، وسينكرون ما يدور بالعالم من دكتاتورية، وسيتقافزون للصلاة في الصفوف الاولى وهم بذلك يقنعون انفسهم انهم لا يخطئون، وان لا غرض لهم سوى المصلحة العامة. وبمجرد ان تحين الفرصهة ترى المخالب تتكشف، والوجوه القبيحة تتعرى والنوايا الخبيثة تظهر عائمة على السطح.
كلتا الدكتاتوريتين تتشابه في الهدف والمضمون وتختلف في الوسيلهة.. فالعسكرية تستخدم السلاح والارهاب والخوف الكامن في الناس، والاخرى تستخدم العصابة المغشية على عيون العدالة.. الاثنتان تهدفان الى اخلاء الجو وازاحة كل ما من شانه التعكير، واول ما تبدأ به هو البشر الذين ترخص قيمتهم، ف"الغاية تبرر الوسيلة"!
قد يستغرب البعض، ويظنه تحاملا، ولكن الحقيقة الجلية ان الانسان ينمي غريزة حب التملك معه، وان لم تردعها اخلاق أو قيم تشذبها وتهذبها فانها تستملكه. تلك الغريزة تبدأ بحب امتلاك الماديات الى ان تصل الى ما هو اخطر وهو تملك الاشخاص واحكام السيطرة عليهم بدوافع انانية يسوغها ويجملها باهداف سامية. كلنا بداخله ذلك الدكتاتور الذي يضع عصابة على العينين مبرمجة العقل على تبرير كل تلك الانانية المفرطة، وبسببها لا تندهش عندما ترى من هو مخطئ يدافع بشدهة معللا ومفسرا ومقتنعا اشد الاقتناع، لان ذلك الدكتاتورالباطن قد احكم قبضته..
أليس من يتملك زوجته دكتاتورا؟ أليس من يتملك اولاده دكتاتورا؟ أليس من يتملك موظفيه ويسخرهم لخدمته واطماعه الفانيهة دكتاتورا؟ كل أولئك نسيوا ان الانسان يعيش ليكون حاكم الحياة، وليس عبدها.. له حرية الاختيار والفكر والعيش كيفما يشاء.. فاذا كنت قد وليت الادارة، فلتراجع نفسك ولتزيل ذلك الدكتاتور الكامن، ولترمه في أعماق النكران القاسية، ولتكفنه وتدفنه بلا رجعه.. ولتدع ابداعات الاخرين وطموحاتهم وتجاربهم تنمو كزهر جميل مفعم بالحياة، ولا تقطف منه غير الشوك.. ................................................ * باحث دكتوراه، ذكاء اصطناعي جامعه بوترا الماليزيه http://almurtadha.blogspot.com