لقد عرفت أمتنا العربية الديمقراطية بأجلى معانيها وصورها، وجسدتها عملياً في حياتها اليومية منذ فجر الإسلام، الذي حرر الإنسان من ربق العبودية وجعل له قيمة عليا تفوق كل القيم. مارست أمتنا العظيمة الديمقراطية تحت مسمى الشورى "وأمرهم شورى بينهم"، مزيلة كل أنواع الديكتاتورية والإقصاء والتهميش والقمع ضد الآخر من وحي وإلهام شريعتنا الإسلامية الغراء، التي حفظت مكانة الأفراد والجماعات في المجتمع والحياة، وحمت وحدة البناء المجتمعي من الفتنة والانقسام من قبل أن يتوصل الغرب إلى الديمقراطية الحديثة بأكثر من ألف عام. ولأن أمتنا العربية تهالكت على نفسها، وفرطت بتراثها الأصيل، وأصابها الوهن جراء تناحراتها الداخلية والتدخلات الخارجية، فقد ارتضت لنفسها أن تكون مطية للآخرين، خاضعة للابتزاز والاحتيال دون أن تقوى على الدفاع عن خياراتها بفعل تفككها وابتعادها عن بعضها البعض وكان السقوط المدوي. ولأن الغرب اعتاد على تمرير مخططاته بالحيل من أجل الحفاظ على مصالحه وقوته، استخدم ورقة الديمقراطية الوضعية لابتزاز دول العالم النامية والفقيرة ومنها أمتنا العربية، التي أخذ يتهم أنظمتها بالاستبدادية والشمولية والقهرية، مشترطاً عليها إدخال إصلاحات في حكمها تشمل تبني الديمقراطية والانفتاح والسوق الحرة حتى تحصل على الفتات من مساعداتها ودعمها، وقد أتاح لها ذلك التغلغل في كل مفاصل وشرايين الحياة في تلك البلدان وبث سمومها في كل مكان وصلته. لقد صور الغرب لقادة الدول الفقيرة أن ازدهار الأوطان لا يتحقق إلا بالديمقراطية، التي هي بضاعتنا في الأصل وضيعناها، ولم ينتبهوا أن هذه الدعوة ليست أكثر من فخ نصبه لهم الغرب بهدف خلخلة الشعوب وبث الفرقة في صفوفها وتفكيك عراها وأواصرها وتلاحمها. لقد أثبتت التطورات الجارية في الساحة العربية أن الديمقراطية التي وردت إلينا من الخارج لم تكن سوى أكذوبة انخدعنا بها وركظنا خلف بريقها، بينما لم تكن هي – الديمقراطية- سوى فخ أو طعم وقعنا فيه من حيث ندري أو لا ندري.. فليس كل بضاعة ترد إلينا أو تفرض علينا من الخارج صالحة للاستخدام بالضرورة. ولأن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح، والمصالح فقط، وليس فيها مجال للقيم والمثل، اظهر زيف ادعاء الغرب بالتمسك بالديمقراطية الذي تجلى سافراً من خلال مواقف بعض بلدانه المتصفة براعية الديمقراطية حيال الأزمة السياسة المفتعلة التي تمر بها بلادنا، التي بدلاً من أن تدعم النهج الديمقراطي والشرعية المتمخضة عنها، والتي شهدت هي بنفسها بنزاهتها والتزامها بالمعايير الدولية، إذا بها تقف على النقيض من ذلك وتكشر أنيابها مع الآخرين.. لتؤكد أن الديمقراطية ليست سوى أكذوبة.. وتبرهن على فشل المراهنات على الخارج.. وما يأتي منه.