ما أقدم عليه «المنتحرون» من دول الحصار بنشرهم وثائق اتفاق الرياض عامي 2013 و2014، عمل لا يقلل من قيمة دولة قطر، أو يضعها في دائرة «الاتهام»، أو يسيء إليها بأي شكل من الأشكال، إنما يعد ذلك جريمة بحق مجلس التعاون الخليجي ودوله الست، فلم يسبق في تاريخ هذا المجلس منذ تأسيسه عام 1981 أن تم نشر وثائق رسمية، بها اتفاقيات تحكم عمل وسياسات دوله، بغض النظر عن قانونيتها أو مدى اتساقها مع القانون الدولي. قبل الحديث عن قطر، أقول إن نشر وثائق تعد سرية، هذا التصرف «الصبياني»، يضع مجلس التعاون أمام تحدٍ -هذا إذا استمر بقاؤه- في علاقاته مع التكتلات والمنظمات الدولية، وفي حالة ريبة وعدم ثقة من قبل تلك الأطراف بمجلس التعاون، فأي اتفاق سري يبرم مع أطراف وتكتلات دولية غير مستبعد أن يتم تسريبه عند أي اختلاف أو خلاف معها، طالما هناك «عقليات» بهذا التفكير، وهذه الضحالة تتحكم في مفاصل مجلس التعاون الخليجي، مما يجعل الأطراف الدولية تنظر إلى المجلس باستصغار وشك، فمن أقدم على نشر هذه الوثائق عن عمد مع «أشقائه» غير مستبعد منه فعل الأمر نفسه وأقبح منه، في حال حدث خلاف مع دول ومنظمات وتكتلات أخرى بينها وبين المجلس اتفاقيات، فمصداقية مجلس التعاون أقولها متحسراً: طارت في الهواء، بمثل هذا التصرف الأهوج. الأمر الآخر في توقيت نشر هذه الوثائق، فإن الهدف بالدرجة الأولى هو توجيه مزيد من «الطعنات» الغادرة إلى الجهود الكريمة لوساطة سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دول الكويت الشقيقة، والسعي لإفشالها كلما اقتربت من نقطة يمكن الانطلاق منها، فدول الحصار، تجد نفسها محاصرة من كل صوب، خليجياً وإقليمياً وقارّياً ودولياً.. فبعد «التهكم» و»التندر» على مطالبها ال 13 من قبل المجتمع الدولي، جاء وزير الخارجية الأميركي تيلرسون ليقول: هذه المطالب لم تعد موجودة. أي بمعنى آخر إنه تم إلقاؤها في سلة «القمامة»، وبالعامية «رموها في الزبالة» أعزكم الله، فهي لا تساوي الحبر الذي كتبت به. لم تتعامل دول الحصار في لحظة من اللحظات بأي تقدير مع جهود الوساطة التي قادها الشيخ صباح، حفظه الله ورعاه، منذ اليوم الأول للجريمة التي ارتكبوها، ليس بحق قطر فحسب، إنما بحق مجلس التعاون وأبنائه، عبر الإعلان عن حصار قطر، وهذه حقيقة، بل إنهم حاولوا جاهدين إثناءه وإبعاده عن أي وساطة تحفظ لمسيرة مجلس التعاون الخليجي استمراريتها، لذلك كان جلّ همهم إفشال كل تحرّك للشيخ صباح، وأي مسعى للسلطان قابوس. أما فيما يخص اتفاقية الرياض، فإن الأمر ليس موجهاً لدولة قطر، فالاتفاقية تشمل الجميع، الذين وقعوا عليها، دون أن يتخلف أحد من تلك الدول، وبالتالي لم توقع قطر منفردة على الاتفاق حتى تثار كل هذه الضجة. أما الاتفاق فإن أول من خالفه دول الحصار، المتمثلة بالسعودية والإماراتوالبحرين، فهي التي ضربت عرض الحائط بما تم الاتفاق عليه في الرياض، فالاتفاق الذي وقع عليه الجميع لا يشير إلى الإقدام منفردين على محاصرة دولة ما، أو اختراق وقرصنة مواقعها الإلكترونية، أو التجييش ضدها من دول خارج المنظومة الخليجية، دون أي استشارة لباقي الأعضاء. يتحدثون عن مخالفات قطرية لما قامت بالتوقيع عليه.. والسؤال: أين كانت الاجتماعات الوزارية والقمم الرئاسية من محاسبة قطر على هذه المخالفات؟ وأين هي محاضر اجتماعات أمانة مجلس التعاون -التي تعيش في غرفة العناية المركزة- مما يقولون إن كانوا صادقين؟ ولماذا لم تتم مخاطبة قطر بأي مخالفة لما تم الاتفاق عليه جماعياً؟ لماذا لم تتلق قطر أي خطاب من أي دولة عضو يشير إلى عدم وفائها بالتزاماتها بما جاء باتفاق الرياض؟ ولماذا لم يتم إشعار الأشقاء في الكويت وسلطنة عمان عن خطواتهم «العدوانية» تجاه قطر؟ ولماذا استحضروا دولة من خارج منظومة مجلس التعاون (مصر) لضمها إلى دول العدوان، طالما هو خلاف خليجي، واتفاق الرياض بين 6 دول خليجية ليس من بينها مصر، حتى يتم ضمها إلى حلف الفجار، بينما يتم استبعاد أعضاء في مجلس التعاون الخليجي؟.. لماذا.. لماذا.. لماذا؟ التساؤلات كثيرة، ولن تجد لها جواباً من دول الحصار. لقد كان سمو الأمير الشيخ تميم في الرياض مشاركاً بالقمة التشاورية لقادة مجلس التعاون قبل استهداف قطر بيوم فقط، تقريباً، ولم تتم إثارة أي قضية في هذا الصدد، وإن كان حلف الفجار مدبراً هذه الجريمة قبل ذلك عبر غرف تآمرية. لقد تمت قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية من قبل دول الحصار، وتمت فبركة تصريحات لسمو الأمير، في عدوان سافر وخرق فاضح لكل الاتفاقيات الرسمية، ولوائح مجلس التعاون، ومواثيق العمل المشترك، وقبلها يفترض أن هناك «أخلاقاً» تربط مجلس التعاون، وتم شنّ هجوم إعلامي سافل وحقير لم يستثنِ حتى الأعراض، ولم يكن هذا ليس فقط بمباركة وتأييد من قيادات هذه الدول، بل بأوامر مباشرة منها.. فماذا يمكن أن نسمي هذا الأمر؟ ومن بالتالي أقدم على خرق اتفاق الرياض؟ هل من ضمن اتفاق الرياض محاصرة إحدى دوله دون أي دليل أو مستند يثبت مزاعم واتهامات مرسلة دون وجه حق؟ يتحدثون عن الإخوان المسلمين و«الجزيرة» والتجنيس والمعارضين.. وهو أمر قد سئمه المواطن الخليجي، الذي تفرض عليه اليوم أجندات خارجية تتولى تنفيذها دول الحصار، وستؤدي في نهاية المطاف -إن لم يتم تدارك الأمر- إلى تدمير مجلس التعاون، لرغبات وأوهام البعض الذين يحلمون بقيادة دول المجلس، ومهووسون بأن يكونوا «شرطي» المنطقة. وإذا كان يعيش في قطر ممن هم محسوبون على الإخوان المسلمين، فإن الأمر في السعودية أكبر من ذلك، فهناك قيادات «إخوانية» تستضيفها، وفي البحرين متواجدون في البرلمان، ويشاركون في الحكم، أما في الإمارات التي لديها «فوبيا» لكل ما هو إسلامي، فإن هناك المئات من أبنائها الشرفاء والمخلصين يقبعون بالسجون بدعوى انتمائهم الإسلامي، بينما تستضيف على أراضيها «حباً وكرامة» كل مخلفات ثورات الشعوب العربية، بدءاً من تونس الخضراء وانتهاء باليمن «غير» السعيد، مروراً بمخلفات الشعب المصري والليبي والسوري، ولا أحد يتحدث عن مؤامرات هؤلاء، وحجم الدمار الذي سببوه -وما زالوا- لكل الشعوب العربية التي تآمروا عليها، وقادوا ثورات مضادة دمرت الأوطان العربية. أما «الجزيرة» فأوجدوا مثلها، بل نصفها، بل ربعها، بل ثلثها، بل عشرها.. إن كنتم قادرين! قطر صنعت وأوجدت إعلاماً نظيفاً لكل مراحل الإنسان، يحترم العقل، بدءاً من «البراعم» إلى الراشدين، يا من لا تمتلكون رشداً! أما أنتم فأوجدتم إعلاماً «عاهراً»، وقنوات فجور بكل الأشكال، ولأن العقل العربي والخليجي لم يعد يلتفت إليها، ورماها في «المزابل» لم يعد أمامكم إلا السعي لإغلاق «الجزيرة»، التي لم تستطيعوا منافستها، لا أقول إيجاد مثلها، فهي في الثريا، وأنتم تتمرغون في الثرى. أما التجنيس، فعلى الرغم من عدم قيام قطر بتجنيس مواطنيكم، لكن السؤال: لماذا يفضل مواطنوكم التخلي عن جنسيتكم والسعي للحصول على الجنسية القطرية؟ ألم تسألوا أنفسكم هذا السؤال؟ أنا أجيبكم عليه، لأن قطر وقيادتها تحترم الإنسان، تحترم قراره وحريته وكرامته.. وتعتبره قيمة إضافية لوطنه، وتوفر له كل ما تستطيع من حياة كريمة، وتؤكد عملياً على أنه هو الثروة الحقيقية، وأنه هو المستهدف من التنمية. وبالمناسبة ليس هناك قرار في العالم يمنع أي دولة من منح جنسيتها لأي فرد، وبالتالي تغيير الجنسية حق إنساني للأفراد في كل القوانين الدولية، وما وضعتموه في اتفاقياتكم مخالف للقوانين الدولية، وبالتالي لا يعتد به، ومن ثم فهو باطل. أما الحديث عن معارضين خليجيين متواجدين في قطر، فاذكروا لنا أسماء هؤلاء المعارضين؟ وليتكم استوعبتم شعوبكم، وقاسمتموهم الحياة الكريمة، والعيش المحترم، وأفسحتم لهم الحريات، وعاملتموهم بالكرامة، وأشعرتموهم بالأمن والأمان.. والله لو تمّ ذلك لمشيتم بالشوارع دون مواكب أمن تحرسكم، ولنمتم بالطرقات دون خوف، ولشكّلت الشعوب سلاسل أمن تحرسكم ليل نهار، ولما وجدتم من تسمونهم اليوم بالمعارضين، ولما استطاعت أي جهة اختراق مجتمعاتكم عبر عناصر من مواطنيكم. الشعوب الخليجية واعية، ولا يمكن الاستخفاف بعقولها عبر هذه التسريبات وهذه الوثائق وهذه الفبركات.. انتهى عصر تغييب الوعي يا دول الحصار، حلف الفجار. │المصدر - العرب