عندما نُشرت مسرحية المؤلف كريستوفر مارلو «الدكتور فاوستس» Dr Faustus في بداية القرن السابع عشر، أحدثت ضجة واسعة في المجتمع الذي لم يتقبل فكرتها في أن يقوم إنسان ببيع روحه للشيطان، ليصبح من أتباع إبليس ومن الخالدين في النار، مقابل القوة والسلطان. ولكن زمان استنكار التعامل مع الشيطان، شرقا وغربا، انقضى ولم يعد فاوستس رجلا أو شيطانا واحدا، بل أصبح رجالا وأمماً يقومون بأدوار الشيطان ويتقمصون شره! وخرجت الفكرة من دائرة النص الأدبي الخيالي الى دائرة التطبيق الواقعي، ونظرة سريعة الى الحكام والمسؤولين العرب وجني أيديهم من الخراب والقتل والاستبداد والفساد تدلنا أنهم لم يبيعوا أرواحهم للشيطان فحسب، بل أصبحوا الشيطان نفسه وزادوا على قباحته! بل إن الشيطان اعترف بربوبية الله، وشياطين البشر طغوا حتى قالوا أنا ربكم الأعلى! أنا التاريخ! أنا المجد! أنا الجلالة! أنا العظمة! وإلا فبماذا تفسر أعمالهم التي تتجاوز كل حد يتقبله العقل والفطرة والنواميس ببلوغهم حدا غير مسبوق في الوحشية والدموية والطغيان دون خوف من حساب أو عقاب؟! بماذا تفسر أعمالهم سوى كفرهم بكل دين وكل مقدس وكل شريعة، حتى شريعة الغاب التي تغدو بين الحيوانات أرحم مما يفعلونه بالبشر؟! بماذا تفسر أعمالهم سوى أنه ران على قلوبهم، ولم يعتبروا من نهايات من سبقوهم؟! أي درك وصلته البشرية عندما يصبح الشيطان تقياً ورعاً مقارنة مع الإنسان! وعندما يصبح عتاة الأعداء من الصهاينة، وهم من درسوا العالم الإجرام، أقل تطرفا في الخصومة من بعض العرب وأتباع الطوائف؟! لم يعد الشيطان بحاجة الى أن يوسوس إلى هؤلاء الرؤساء والمسؤولين بالشر؛ فقد أصبحوا أعلاما سوداء يتبعها كل إبليس صغير ومتشيطن ناشئ! لا تلوموا الشيطان على أفعال الآدميين فقد فاقوه، ونزلوا من علياء تفضيلهم ورحمانية خلقهم من روح الله الى أسفل سافلين، وهناك سيكون مقامهم في الدنيا والآخرة، وصدق أحمد مطر إذ قال في شياطين البشر: وجوهكم أقنعة بالغة المرونة طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه وقال: «إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه».