محمود أوفور يكتب: خلال مرافقتنا لرئيس الوزراء "داود أوغلو" أثناء زيارته إلى بروكسل، حاولنا معرفة كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، خصوصًا بعد الهجوم الذي حصل على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس. أراد رئيس الوزراء التركيز على أنّ العمليات والحصار ضد تركيا بدأ فعليًا بعد حادثة (one minut) الشهيرة، وحتى لو حاول الاتحاد الأوروبي إعطاء تركيا حقها، ولو علموا أنها على حق، إلا أنهم يبقون صامتين تجاه ذلك، وهذا أمر مستغرب. في الحقيقة كلنا يعلم أنّ ما يجري الآن هو انعكاس لتصفية حسابات "سياسية واقتصادية"، من خلال الأحداث التي جرت وتجري في المنطقة، من تونس إلى مصر، ومن سوريا إلى تركيا. يقول أحد الصحفيين المتابعين للاتحاد الأوروبي: "الناظر من هنا، يدرك أنّ ما يجري في تركيا وجوارها من أحداث، هدفه هو الإطاحة بالنظام الحاكم، وخصوصًا رئيس الجمهورية أردوغان، فالدول العميقة في أكبر الدول الأوروبية وأجهزتها الاستخبارية تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، وأحداث "غزي بارك" من أولها إلى آخرها أدارتها الاستخبارات الألمانية ، وتتمثل أحداث غزي بارك فى استخدام الشرطة التركية العنف الزائد والقوة المفرطة تجاه عدد من المعتصمين في مدن تركية عدة وخاصةً ميدان تقسيم في إسطنبول. كان الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة يصف حزب العدالة والتنمية بالمسلمين الديمقراطيين، وفي نفس الوقت قدم دعمه للحكومة التركية لإنهاء نفوذ المؤسسة العسكرية على السلطة التنفيذية، علاوة على إشادة الاتحاد في أكثر من مناسبة بدور حكومة العدالة البنَّاء في السعي للتوصل إلى حل سلمي للمسألة الكردية وفي نفس الوقت الوصول إلى استقرار اقتصادي في البلاد. لم يقطع الاتحاد الأوروبي تواصله مع الحكومة التركية رغم العديد من السلبيات، ولكنه أعرب عن استيائه مؤخرًا بعد استخدام قوات الشرطة التركية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين في عدد من المدن وعلى رأسها ميدان تقسيم بوسط إسطنبول، ووصلت علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي بعد هذه الأحداث إلى أسوأ حالاتها، وقد أثبتت التحريات الأخيرة تورط الكيان الموازي في هذه الأحداث. ومحاولة الانقلاب التي جرت في الفترة ما بين 17-25 ديسمبر تمت إدارتها من قبل الموساد، وأجهزة الاستخبارات هذه أدارت تلك الأحداث بالتعاون مع مؤسسات مجتمع مدني في تركيا، الكل يعلم ذلك، لكنهم يصمتون". من المتوقع أنْ تتعمق هذه الأحداث حتى انتخابات حزيران القادمة، وقد تابعنا كيف جربوا كل الطرق الممكنة في العامين الماضيين، بالتعاون مع أدواتهم في الداخل، فأحداث "غزي بارك" قام بها العلمانيون، ومحاولة الانقلاب قام بها من اتخذ من الدين قناعًا له، ليتسربوا إلى مفاصل الدولة مكونين تنظيمًا موازيًا، وآخر محاولة كانت من خلال افتعال الاحتجاجات ضد ما جرى في كوباني باستخدام الأكراد، واستمرار الأحداث في جزيرة ابن عمر ما هي إلا امتداد لتلك المحاولة. أعتقد أنهم أدركوا الآن أنه ليس بإمكانهم الوصول إلى نتائج من خلال استخدام امتداداتهم بالداخل، لهذا فإنهم سيسعون إلى تشديد الحصار من الخارج، والعمل على الجانب "الاقتصادي" من خلال التضييق أكثر فأكثر حتى الانتخابات المقبلة، والهدف هو خلق أزمة اقتصادية في تركيا. النقاشات التي دارت مؤخرًا توضح هذا الأمر، خصوصًا أنهم يحاولون ويبذلون كل الجهود الممكنة لإقصاء الاستثمارات العربية عن تركيا، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة غيّرت من أسلوب تعاملها مع تركيا بعد الانقلاب في مصر، واليوم تنضم قطر إليهما. والسؤال هنا: هل أدركت تركيا وشعرت بهذا الحصار؟ يقول "جميل إرتم" الكاتب بصحيفة أكشام: "لهذا في هذه الأيام تحديدًا يسعى رئيس الجمهورية "طيب أردوغان" إلى تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع واشنطن، من أجل تخفيف حدة الضغط والحصار والتضييق على تركيا"، ولا شك أنّ مشاركة "داود أوغلو" بمسيرة باريس، وزيارته برلينوبروكسل، وفي الأيام المقبلة سيزور إنجلترا، كانت من أجل البحث عن اتفاقات اقتصادية وأخرى سياسية مع القوى الإقليمية، وهذا يعني أنّ تركيا تدرك وجود حصار وتضييق مفروض عليها. انهزمت أذرع تلك القوى خلال انتخابات 30 مارس و10 أغسطس، والآن جاء دور القوى نفسها لتتدخل بصورة مباشرة، والتحدي القادم هو الانتخابات العامة في حزيران المقبل.