وأخيرًا، وعلى طريقة فيلم "الهروب الكبير"، تمكّن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من الإفلات من قبضة المتمردين الحوثيين والوصول إلى عدن حيث أعلن بأنه لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد وبأن جميع القرارات التي فرضتها عصابات الانقلابيين بقوة السلاح باطلة ولاغية. لقد التف الحوثيون على جميع مخرجات الحوار الوطني وأرادوا فرض الأمر الواقع بقوة السلاح ومصادرة إرادة الشعب اليمني. والمشكلة مع هؤلاء الواهمين أنهم مثل من أطلق كذبة ثم صدّقها. فقد زعموا أنهم قاموا بتمردهم لتصحيح الأوضاع ومحاربة الفساد، وكل ما فعلوه هو أنهم كانوا مجرّد قطّاع طرق استباحوا حريات الناس وسرقوا ممتلكاتهم الشخصية واحتلوا القصر الجمهوري ووضعوا رموز البلاد الرسمية تحت الإقامة الجبرية. والكذبة الكبرى التي سوّقها الحوثيون هو أنهم قاموا بإنقلابهم لخير البلاد والعباد، والظاهر أن هؤلاء تلاميذ مبتدئون في مدرسة غوبلز، وزير إعلام هتلر، صاحب مقولة اكذِب، ثم اكذِب وسوف يصدّقك الناس. لكن الشعب اليمني لم يصدّق أكاذيب الحوثيين الذين يزعمون بأنهم" أنصار الله"، والله منهم براء لأنهم نسخة ممسوخة عن "حزب الله"، الوكيل الآخر للنظام الإيراني الطائفي الذي أشاد بإنجازات الحوثيين ال"العظيمة" في احتلال عاصمة البلاد ورفع شعارات الثورة الإيرانية التي ضلت طريقها من خلال تصدير الفوضى للدول العربية وتصدير السلاح إلى الحوثيين على مرأى ومسمع من العالم. وبالتغاضي عن الروايات التي تحدّثت عن الطريقة التي خرج بها الرئيس هادي من اعتقاله، إلا أن الرجل قد قلب الطاولة على رأس الحوثيين الذين ينفّذون مخططًا طائفيًا بغيضًا تمهيدًا لتصديره لدول عربية أخرى. والذي يراه المراقبون الآن هو أن السحر قد انقلب على الساحر، وأن على الحوثيين أن يدفعوا ثمن مغامراتهم ويعودوا إلى جحورهم، فالشعب اليمني أعلن صراحة بأنه لا يريدهم. لكن الأزمة اليمنية كشفت أن المصالح الشخصية والارتهان للقرار الخارجي أقوى من الحس الوطني، فقد كشفت التسريبات عن التآمر بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وعصابات الحوثيين أن الرجل لم يلتزم بالمبادرة الخليجية وأنه مستعد لتقديم الوطن قربانًا على مذبح الأنانية وكأنه لم يكفِه أن حكم البلاد كل هذه السنوات الطويلة. كما كشفت الأزمة عن الدور المشبوه الذي قام به "المبعوث الدولي" جمال بن عمر الذي تبنّى موقف الحوثيين واستخدم جلسات الحوار لإطالة أمد الأزمة وتمكين الحوثيين من السيطرة على مفاصل البلاد ومؤسساتها السيادية. وكشفت أيضًا نفاق الولاياتالمتحدة التي لم تفعل شيئاً لوقف تغوّل الحوثيين واكتفت بإغلاق سفارتها في صنعاء وسلّمت سلاح المارينز الذين كانوا يحرسون السفارة لعصابات الحوثيين. فلقد أصبحت أوراق المصالح ومؤامرات الاستخبارات مكشوفة، إذ لا يمكن لأحد أن يقنعنا بأن عبدالملك الحوثي ليس إلا نسخة أخرى من " البغدادي" الذي تزعُم الدول الغربية أنها تحاربه في العراق وسورية، فلماذا لا تحاربه في اليمن؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟